رحلة الجان من كردفان إلى البرلمان
كيف لا
(أبو كليقة) لمن لم يتشرف بمعرفته عن كثب أو السماع عنه ، هو أحد أفراد معشر الجن في الموروث الشعبي لقبائل شمال كردفان . ظهر صيته عندما بدأ مسلسل الحرائق يشتعل بين حين وآخر في قرى تلك المنطقة وانتقل هذا الصيت إلى الصحف وأصبح (أبو كليقة) أشهر من نار على علم منذ أن هبّت الحكومة في جُنح دُجى أحد أيام عام 2010م لتقف على أسباب حريق قرية (أم صيقعون) والتي استمرت لأكثر من أسبوع. إلّا أنّ الحكومة عندما وقفت عند عقبة التفاسير لم تغلبها ، فهي لم تنفِ حكاية الجان بل ألقت في روع المواطنين أنّه قد تكون هناك سلطة أخرى ولكنها خفية يستوجب الخوف والحذر منها .
ثم فعلت أكثر من ذلك بأن تبنت رسمياً رواية انتقال الجان في ترضية مسبوقة بترضيات حصل عليها بعض معشر الإنس من مواطني هذا البلد والذين تفننوا في الشكوى من التهميش ليتم تعيينهم نواباً على دوائرهم البعيدة المهمشة ، فيعشعشوا في البرلمان وينسون ثم ينفون ما تتعرض له مناطقهم من ويلات . فعلت الحكومة كل هذا قبل أن تثبت تحقيقات الشرطة أنّ حرائق قرى شمال كردفان ساهمت فيها عدة عوامل منها طبيعة السكن المكون من قطاطي القش سريعة الاشتعال خاصة وأنّ المنطقة مكشوفة لحركة الرياح الشديدة . كما أنّ هناك معتقدات لبعض القبائل بوضع زجاج أعلى القطية لجلب الحظ وهذا فيما تم إيضاحه يشتعل عند اشتداد حرارة الشمس في الظهيرة فيؤدي إلى الكارثة .
الحوادث سالفة الذكر كشفتها بعض صحف الخرطوم في تحقيقاتها ومقابلاتها في غضون الشهور الأخيرة ، و التي تم تخصيص جلّها لأمور الجن والعوالم السفلية وطبيعة تآلفها مع عالم الإنس بعد أن فشلت الصحف في الوصول إلى نتائج من التحقيقات السابقة عن مواضيع تآلف الإنس مع بعضهم البعض . وأبرز التناول الذي طغت عليه الإثارة فيما أبرزت ، القلق الواضح من هذه الحوادث الغريبة التي بدأت تتكثف وسقط من جرائها ضحايا من موظفي وموظفات البرلمان. وحسب ما جاء في الصحف أنّ أعراض الإصابة والتي أدت لوفيات عدد منهم تمثلت في هبوط حاد في الدورة الدموية ، وحالات من الإجهاض وكلها مرتبطة بروائح غريبة . وعندما جاء دور الحكومة مرة أخرى تكرمت بذات التأويلات من وجود جان ، بل قامت بمنحه سلطة أخرى تمثلت في تمتعه بكافة الصلاحيات من خنق وقتل وتسبب في الإجهاض.
المعلومات الخاصة ببيئة البرلمان باتت في نطاق المعلوم للغاشي والماشي ، وهي أنّها غير صحية بالمرة لأنّ هذا المبنى الذي تم بناؤه في سبعينيات القرن الماضي ، مازالت الجهات المعنية بتنظيفه وصيانته ورشه بالمبيدات تبرر صعوبة ذلك نسبة لتعقيدات تركيبته الهندسية. وهذا العجز في الصيانة خلق منه بيئة مناسبة لتتبختر على أرضه الفئران وتحلق منتشية في سمائه الخفافيش.
في هذه الحالة الماثلة أمامنا يصعب التصنيف بين الوفاة الطبيعية والوفاة تأثراً بهذه الأعراض والتي من الخبل إلقاء اللوم فيها على الجان ساكن البرلمان. كما أنّه من العجز والإهمال الواضح ترك التحقيق في أمر يتعلق بأرواح وصحة الموظفين في مكان هام كالبرلمان الذي لا يدري أحد تفاصيل أحيائه من موتاه ، إلى تحقيق صحفي مهما كانت جودته فهو عابر وكل مهمته هي لفت نظر المسؤولين والرأي العام لقضية بيئية وإنسانية يجب الوقوف عندها وحلها بشيء من المسؤولية.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]