بروتوكول جنوب كردفان والنِّيل الأزرق.. عثراته ومآلاته (17)

 


 

 







shurkiano@yahoo.co.uk



دستور السُّودان القادم (الدائم).. لكن أي دستور نريد؟

ثم ندلف إلى مسألة أحكام الشريعة الإسلاميَّة والحقوق الأساسيَّة للمرأة.  ولئلا يعتقد البعض بأنَّ الحديث عن حقوق المرأة في الإطار الإسلامي قد ورد في مبحثنا هذا كجملة اعتراضيَّة دعنا نسوق الأمثلة الآتية: الاستبداد أو التسلُّط الذكوري، و"المجموع الفقهي النِّسائي" الإسلامي المضاد لعقل المرأة وكرامتها.  فمثلاً آية القوامة وربطها بأحاديث الطاعة التي يستند إليها "العقل الاتِّباعي" في إنكار مبدأ المساواة بين الجنسين الذكر والأنثي، وفي تقديم طاعة المرأة للرَّجل، وفي تسويغ "ضرب المرأة"، والحق في تأديبها" وإساءة معاملتها فيما يُعرف بالعنف الأسري، وتعدُّد الزيجات، ثم الآيات التي أعطت الرَّجل حق الطلاق (البقرة: 1/235 و236) حتى العشوائي منه، وتهديده للمرأة كنتيجة لهذا الحق وتعسُّفه، وآية وعد الرِّجال "أصحاب اليمين" في الجنة ب"حور العين"، مما يجعل معشر النساء إماء في جنَّة الرِّجال – إن أُوِّلت الآية في سياق نهائي للتنزيل.  ثمَّ آية "النِّساء حرث للرِّجال" وذلك في قوله عزَّ وجلَّ: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم" (البقرة: 1/223)، وآية "شهادة المرأة في المسائل الماليَّة" التي تساوي نصف شهادة الرَّجل، وذلك في محكم تنزيله: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكِّر إحداهما الأخرى" (البقرة: 1/282)، وآيات الحجاب التي وردت في المصطلح القرآني بلغة الخمور "خمورهن" (النور: 24/31)، والجلابيب "جلابيبهن" (الأحزاب: 33/59)، وأحكام الإرث والتفاوت فيها بين الذكر والأنثى، وإمامة الصلاة للرِّجال دون النِّساء، والإمامة والإمامة الكبرى (الرئاسة أو الخلافة) للرَّجل دون المرأة، والزواج القسري، وتشديد النكير على "نشوز المرأة" والسكوت عن "نشوز الرَّجل".(129) 
كذلك تبدو مظالم المرأة في حرمانها من حق التَّعليم والميراث في بعض المجتمعات.  ففي الهند مثلاً ينكر القانون على المرأة وراثة الأرض الزِّراعيَّة.  بيد أنَّ المؤسف في الأمر أنَّ جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة قد صادقت حديثاً على مشروع قانون – زعماً – "لحماية حقوق الطفل"، حيث يحتوي على مادة تسمح للرَّجل بالزواج من ابنته بالتَّبني، حتى لئن كانت تبلغ من العمر 13 عاماً، وإذا أقرَّت المحكمة أنَّ في هذا الزواج مصلحة للطفل.  ومشروع هذا القانون، الذي أجازه البرلمان الإيراني في يوم 22 أيلول (سبتمبر) 2013م، ينتظر إفتاء من مجلس الوصاية، وهو جسم مكوَّن من أئمة وفقهاء الإسلام، ومهمته فحص القوانين قبل تبنيها بواسطة الدستور الإيراني والشريعة الإسلاميَّة، وذلك ليقول فيه كلمته.  ففي إيران مسموح للبنات أن يتزوَّجن وهن في عمر ال 13 عام شريطة أن يكنَّ قد تحصَّلن على موافقة آبائهن، ويتزوَّج الأولاد بعد أن تفوق أعمارهم 15 عاماً، والبنت البالغة من العمر أقل من 13 عام يمكن أن تتزوَّج، ولكن بعد موافقة القاضي.  لا ريب في أنَّ هذا استقدام "لتعاليم الإسلام بوصفها ذريعة لتشريع الانتهاكات، لا سيما تلك المتَّصلة بالحلقة الأضعف في المجتمع: النِّساء والأطفال".(130)  ومثل هذا القانون – مهما كان تهافت الحجج الفقهيَّة في هذا الشأن – يعد تشريعاً للاغتصاب "وزنا المحارم، لأنَّ من البداهة بأنَّ الشخص المتبنَّى يغدو جزءاً من الأصرة الروحيَّة للعائلة، يشاطرها أحوالها كلها: عاطفة وحزناً وعطاءاً وفرحاً وكمداً."(131)  وفي العام 2010م كان هناك 42000 طفلاً تم تزويجهم في العالم، وتراوحت أعمارهم بين 10 – 14 سنة، وكان 75% من هذا الإحصاء دون العاشرة من العمر في إيران.
فهناك بعض من العادات والتقاليد الثقافيَّة تفضي ممارسته إلى اضطهاد المرأة، وتنسب هذه الممارسات إلى الدِّين الإسلامي خطأً؛ اللهم إلا إذا أخذ الدِّين من هذه القيم والممارسات مع العلم أنَّ الدِّين أي دين يأخذ دوماً بعضاً من الممارسات الاجتماعيَّة السائدة في المجتمع، أو يتدرَّج في حرمانها حتى لا تثير ثائرة الناس وينقلبوا عليه وهو في حال الضعف في المبتدأ – أي قبل أن تقوى ساقه وتشتد ذراعه.  غير أنَّ أكثر انتهاك لحقوق المرأة – أو تحديداً حقوق الطفل – هو تعرُّضها لعمليَّة الختان بكل أشكاله، حيث باتت العمليَّة تُعرف ب"التشويه التناسلي للأنثى" (Female Genital Mutilation).  وإنَّ هذه الظاهرة لمنتشرة في عدة دول إفريقيَّة وآسيويَّة وشرق-أوسطيَّة، ثمَّ إنَّ السُّودان لواحد من هذه الدول.  وحسب تقديرات منظمة الصحة العالميَّة تعاني أكثر من 140 مليون شخص عالميَّاً من النتائج المأسويَّة لهذه العمليَّة، وقد أعلنت الحكومة البريطانيَّة توفير 35 مليون جنيه إسترليني لمكافحة هذه الظاهرة في 15 دولة.  وتحت تأثير المعتقدات الثقافيَّة، ودون أيَّة فوائد طبيَّة، يتم استخدام هذه الظاهرة لضبط سلوك النساء الجنسي، وذلك تحت مزاعم الصحة والعفة والجمال والنقاء والشرف، وتحديد النسل وزيادة الخصوبة، مما لا يولي القائمون بهذا الانتهاك في حقوق الإنسان جسامة الآلام الجسديَّة وضخامة المشكلات النفسيَّة الناتجة منه.
ففي بريطانيا – على سبيل المثال – انتشرت هذه الظاهرة وسط المهاجرين من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، حيث تعود الأسر بأطفالهم إلى بلدانهم، ويتم ختان القاصرات بواسطة نساء القرية أو المدينة.  فقد أنشأت عارضة الأزياء الصوماليَّة وريس ديري، المقيمة في بولندا وهي ضحية الختان نفسها، منظَّمة "مؤسسة زهرة الصحراء" (Desert Flower Foundation) لمناهضة ظاهرة ختان البنات، وهناك الصوماليَّة ليلى حسين التي تشرف على منظَّمة "بنات حواء" (Daughters of Eve) في بريطانيا، وهي تكافح ضد ختان البنات هي الأخرى.  كذلك أقامت السيدة بيتي ماكوني، التي هربت من زيمبابوي بعد تعرضها هي الآخرى لعدة انتهاكات جسديَّة، منظَّمة تطوعيَّة لتمكين البنات في المدارس في الحديث عن تجاربهن، وتغيير النظام القضائي حتى تقوم المنظَّمات الخيريَّة بتمثيل الضحايا في المحاكم دون علم الوالدين، وتشجيع الاستهجان العارم بواسطة رؤساء المجتمع.  وبرغم من أنَّ ختان البنات محظور بحكم القانون في المملكة المتَّحدة منذ العام 1985م، ويعد جريمة خطيرة عقوبتها 14 عاماً في السجن، إلا أنَّ هذه العادة تُمارس في الخفاء، مما يصعب الاهتداء إليها والتبليغ عنها.  وفي فرنسا تمَّ تجريم أكثر من 100 حالة لأشخاص أقبلوا على ختان البنات، وذلك لأنَّ السلطات الفرنسيَّة تقوم بفحص البنات بصورة روتينيَّة في المستشفيات، الشيء الذي لا تفعله بريطانيا تحت مزاعم الأخلاق وسيف قانون حقوق الإنسان المسلَّط على رقاب السلطات الحكوميَّة.  وأخيراً تمَّت إحالة 26 حالة إلى الشرطة البريطانيَّة، وتنظر المحاكم في شأن 8 حالات منها.  وفي السُّودان بذلت المنظَّمات الإنسانيَّة والنسويَّة عدة جهود لإزالة هذه الظاهرة من الحياة العامة في المجتمع السُّوداني، وبخاصة الإسلامي منه، ولكن دون جدوى.
ثمَّ إنَّ هناك ظاهرة اجتماعيَّة أخرى تُمارس في بعض الأقطار الإفريقيَّة في حق البنات، حيث لا تقل بشاعة عن الختان، وهي إطالة الأعضاء التناسليَّة للفتاة عن طريق الجر الحاد والمستمر لمدة ستة أشهر، وهي مؤلمة بالطبع.  وتقوم بها النساء، أو يتم تدريب البنت لتقوم بها بنفسها، وهي شبيهة بإجبار الفتاة على ممارسة العادة السريَّة، ثمَّ هي عمليَّة قُصد منها تغيير الأعضاء الجنسيَّة لإبهاج الرِّجال، وذلك عن طريق الاعتقاد بأنَّ هذه العمليَّة تؤدِّي إلى انتفاخ الأعضاء التناسليَّة عند المرأة أثناء العمليَّة الجنسيَّة.  فإذا كان القصد من الختان تقليل شهوة المرأة الجنسيَّة من ناحية، فإنَّ عمليَّة الإطالة تهدف إلى زيادة شهوتها من ناحية أخرى.  ونجد هذه الظاهرة الأخيرة ممارسة – على سبيل المثال – في زيمبابوي وأوغندا.
وظاهرة أخرى ذات علاقة متَّصلة بالثقافة والعادات والتقاليد التليدة هي النِّقاب، أو البُركة بلغة أهل باكستان.  فهي عادة كانت تُمارس قبل الإسلام.  إذن فهي عادة قديمة موغلة في القدم، وهي أرستقراطيَّة تحدَّرت من الإمبراطوريَّة الفارسيَّة وانتشرت في تخوم الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وتبناها المجتمع المسلم الباغض للنِّساء، ثمَّ إنَّها لممارسة ثقافيَّة تقليديَّة كما أبنا لكم آنفاً.  ولكن كثراً من المسلمين الذين تنقصهم المعرفة بأمور الدِّين والثقافة والتأريخ قد تكيَّفوا على مزج الدِّين بالثقافة وهم جاهلون.  فالمعروف أنَّه يُحظر على المرأة ذات القناع أن تحج في مكة المكرَّمة.  فإذا كانت النساء يحرمن من ارتياد أكثر أماكن الإسلام قداسة وهن ملثَّمات، فما العلَّة إذن في أن يكن مقنَّعات في غير هذا الموضع؟  على أيَّة حال، فقد أفاض الدكتور منصور خالد في إيضاح أمر الحجاب والنقاب في سفره القيِّم "السُّودان: أهوال الحرب وطموحات السَّلام (قصة بلدين)" بما يكفينا عن الخوض في هذا الأمر أكثر من ذلك.  وهذا الكتاب الذي ألَّفه الدكتور خالد يعتبر تأليفاً يعجز عنه من يروم مثله، ويفتضح من يتعالى على فضله؛ إذ هو السحر الحلال والعذب الزلال.  وإذا جاز الحكم على الكل بالجزء، فإنَّ هذا الجزء عن الحجاب غني بأحداث الكتاب كلها؛ وإنَّ الكاتب لصادق في روايتها وتحليلها، يتوخَّى الدقَّة في العرض، والصدق في طلب الحقيقة، والحرص على الدقائق الجزئيَّة.  فلم نر لما يؤخذ من الكتب موقعاً في القلب، ولا لما يجمع من مقول القول أثراً في العقل مثل هذا التأليف، وأكبر الظن أنَّ هذا يعود إلى طبيعة المضمون وانفعال كاتبه به.  وفوق ذلك كله هو كتاب قيِّم ورائع، وجدير بالقراءة والفهم للوقوف على مشكلات السُّودان السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والتماس الحلول لها لئلا تتكرَّر بين الفينة وأخرى.
إزاء هذه الصنوف من أنماط إذلال المرأة، والمفارقات في الحقوق والواجبات برزت منظَّمات عديدة مناهضة لظلم المرأة واضطهادها، ومدافعة عن حقوقها وحريَّتها.  فلتجدنَّ في الهند – على سبيل المثال – جماعة "بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان" المدافعة عن حقوق النِّساء المسلمات في الهند، و"مجلس قانون الأحوال الشخصيَّة للمسلمات في الهند"، و"منظَّمة العمل الآن من أجل تحقيق الوئام والديمقراطيَّة".  ومن المنظمات الكرديَّة الناشطة في هذا المجال في العراق نجد "مجموعة زيان"، و"منظمة كروب الحياة"، و"مؤسسة ورافين" في أربيل، و"جمعيَّة نسائنا".  وفي السُّودان نشأت منظَّمات نسويَّة كثيرة منها "الاتحاد النسائي"، و"مبادرة لا لقهر النِّساء"، و"تحالف النِّساء السياسيات"، و"مركز رؤية للدِّراسات النسويَّة"، و"مركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة"، و"مركز الجندر"، و"الشبكة السُّودانيَّة للقضاء على ختان النِّساء"، و"مجموعة المبادرات النِّسويَّة"، و"تجمع نساء جبال النُّوبة الحر"، و"غايات للتَّنمية والسَّلام"، و"نويدا للتعليم والتَّنمية"، و"جمعيَّة أم دورين للتَّنمية ورعاية الأطفال"، و"مشغل زقلونا للخياطة والتَّنمية" وهلمجرَّاً.  إذ لم يكن قيام هذه التنظيمات النسويَّة الاحتجاجيَّة والخدميَّة عبثاً، ثمَّ لم تكن مطالبتها بالحقوق الإنسانيَّة والمدنيَّة والسياسيَّة سدىً، بل دعت الضرورة الملحَّة والحق الوجودي إلى كل ذلك.  فلا مريَّة في أنَّ الاحتجاج ردة فعل إيجابيَّة لإخفاق الحكومة، وعلى الذين في السلطة أن يتأثَّروا بهذا الاحتجاج، ويستجيبوا لطلبات المحتجِّين والمحتجَّات على السواء.
وبتحليل إحباطات المرأة حسبما ورد في النظريَّة الحرجة ينبغي أن يصاحب هذا التحليل نقد الفهوم الذاتيَّة لممارسات بعض النِّساء المعاصرات.  إذ أنَّ ديناميَّات الوضع الاجتماعي، الذي فيه يجدن أنفسهن، تحتم عليهن أن يغيِّرن استيعابهن لهذه الحال الاجتماعيَّة.  فعلى سبيل المثال التظاهرات التي يقوم بها بعض التنظيمات النِّسويَّة المتطرِّفة في الدول الغربيَّة، وهن عاريات من أي ملبس، تضر بقضايا المرأة أكثر من إفادتها.  كما أنَّ نظريَّة الدِّيناميَّات الاجتماعيَّة تشي بأنَّ ثمة تغيُّرات تحدث في سبل النِّظام الاجتماعي، وهي تنتقص من الأفكار الاجتماعيَّة التي تحملها المرأة عن نفسها.  فمثلاً يتوسَّع الاقتصاد في صور محدَّدة، بحيث ينبغي أن تعمل أعداد هائلة من النِّساء، وإنَّ فرص التعليم المتزايدة لتجعل المرأة ترى عدم مواكبة قيمها الموروثة مع العصر، وإنَّ تغيُّر تقنيات تحديد النسل لسوف يسمح ببروز سلوك جنسي مختلف راديكاليَّاً وهلمجراً.  كما ينبغي تحليل صنوف الأفعال، التي تمثِّل وسيلة اختبار النظريَّة في المقام الأول، والتي قد تلجأ إليها المرأة في سبيل تحقيق الاكتفاء النفسي، الذي تزعم النظريَّة أنَّ المرأة تسعى سعياً حثيثاً من أجل بلوغه، ومن ثمَّ القضاء على المأساة.  فمثلاً على النِّساء تشكيل مجموعات إعلاء الوعي، ويجب عليهن الكد في تغيير بعض القوانين، كما عليهن هجر بعض الممارسات الجنسيَّة وغيرها، حتى تتحقَّق الحكمة الممنون بها على الرِّجال، والمضنون بها على النِّساء.
ففي دراسة بحثيَّة قام بها فهمي جدعان قسَّم الحركة النسويَّة الإسلاميَّة إلى ثلاثة تيارات: النظرة الإسلاميَّة الاتِّباعيَّة التقليديَّة، والإصلاحيَّة والتأويليَّة، ثمَّ النسويَّة الرَّافضة.  ويزعم جدعان أنَّ الصيغة الأولى هي الأكثر شيوعاً ورسوخاً في الحياة المعاصرة، بينما يتمثَّل التيار الثاني في رائدات "تحرير المرأة" مثل الإصلاحيَّة المصريَّة ملك حفني ناصف، والكاتبة اللبنانيَّة زينب فوَّاز، ومن وجوه النسويَّة المعرفيَّة عالمة الاجتماع المغربيَّة فاطمة المرنيسي، والمؤرِّخة لقضيَّة "الجندر والإسلام" ليلى أحمد، والطبيبة الروائيَّة المصريَّة نوال السعداوي.  أما الفئة الثالثة، والتي سماها جدعان "النسويَّة الإسلاميَّة الرَّافضة"، فقد اختار لها أربع شخصيَّات من غير العربيات المهاجرات، أو أُكرهن على الهجرة – إذا جاز التعبير – إلى موطن الحريَّة في الغرب الأوروبي والكندي والأمريكي، وهن: البنغاليَّة تسليمة نسرين المستقرة الآن في السويد بعد أن تنقَّلت في الهند وألمانيا، والصوماليَّة-الهولنديَّة إيان حرس علي ماجان المقيمة الآن في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، والأوغنديَّة الهنديَّة الأصل إرشاد منجي المستقرَّة في كندا، ثم الشركسيَّة القوقازيَّة الأصل نجلاء كيليك المقيمة في ألمانيا.
بيد أنَّ غياب التضامن الأفقي مع الفئات الاجتماعيَّة الأخرى يفاقم دوماً المعارضة ضد بلورة فكرة قيام، أو استمرار أيَّة حركة اجتماعيَّة.  فعلى سبيل المثال تعاني الحركة النسويَّة في الولايات المتحدة الأمريكيَّة من معارضة عارمة وسط النِّساء المتزوِّجات، وحجَّتهن أنَّ النِّساء ليست منتشرات على المدى الجغرافي في المجتمع فحسب، بل إنَّهنَّ متعلِّقات بالرِّجال من خلال علاقات اجتماعيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة واسعة يسودها التباين.  وإنَّ هذه العلائق، إذن، لتمنح نساء كثيرات المصلحة في تأكيد مظاهر التعاون في علاقاتهن مع الرِّجال أكثر من إثارتها للنِّزاع.  وتزداد احتمالات صحة العبارات إيَّاها، وبخاصة حين ندرك أنَّ محصلة تأثير هذه الروابط تجعل النِّساء معتمدات على الرِّجال ماليَّاً.  لذلك برهنت كل الجهود لخلق مجموعات أو مجتمعات خالية من نفوذ الذكور – مثل مجموعات إعلاء الوعي، أو كميونات نسويَّة – حدة أزمة المشكل، وكذلك محاولات الناشطات النسويات للتعاطي مع الأمر إيَّاه.
وحين تنص "المادة العاشرة في مسودة الدستور (المصري) الجديد على مساواة المرأة بالرِّجال في ميادين الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلاميَّة"، نأكِّد أنَّه كان ينبغي أن يأتي النص "على ضرورة وضع مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات طبقاً للقانون والأعراف الدوليَّة، والحفاظ على مدنيَّة الدولة والعدالة الاجتماعيَّة"، وذلك لأنَّ عبارة "دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلاميَّة" تفتح الباب على مصراعيه لعدم تحقيق مبدأ المساواة.  إذ أنَّ هذا التوضيح هام، حريٌّ بنا بأن نتوقف عنده، ونتأمَّل فيه، ونعمل به، ونترجمه إلى ممارسات عمليَّة وتطبيقات واقعيَّة.  فالمرأة في المجتمعات العربيَّة-الإسلاميَّة، أو أي مجتمع يتَّخذ من الإسلام عقيدة، تتعرَّض لاضطهادين: الاضطهاد الذي تمليه النصوص المنسوبة إلى الإسلام، والآخر النابع من العادات والتقاليد الثقافيَّة المغروسة في المجتمع.  وحينما تُصاغ هذه النصوص الدينيَّة والممارسات العرفيَّة في قوانين الأحوال الشخصيَّة، بحيث تتحكَّم في قضايا الميراث والطلاق والنَّفقة وغيرها هنا يقبع البلاء الأعظم، حيث ينشأ تبرير النِّظام السياسي، أو الممارسات القانونيَّة ضد المرأة بمرجعيَّة أصلها التقاليد أو بعض الأساليب الدِّينيَّة أو الاثنين معاً.  مما سبق من الجدال يمكن أن نخلص إلى القول بأنَّه لا يمكن أن يكون هناك حق المساواة بين الرَّجل والمرأة في نطاق أي نظام ديني، لكن – ونؤكِّد هنا على لكن هذه – تستطيع النِّساء أن يتمتَّعن بالمساواة في الحقوق والواجبات في إطار النِّظام الدستوري، حيث يأمل المرء أن يكون ذلك كذلك في أي مجتمع ينشد العدالة والمساواة وسط كافة أفراده.  وبذلك نكون قد طبَّقنا "ما يتفق علماء الاجتماع التربويَّون على تسميته "إعادة تصنيف الفعاليات الاجتماعيَّة المهملة"، ورفعها إلى مرتبة الأولويات الوطنيَّة أو القوميَّة، الأمر الذي يزيد بدوره من شرعيَّة السلطة السياسيَّة، ويطرحها كجهة اجتماعيَّة قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه."(132)




للحديث بقيَّة،،،،

 

آراء