د. أمين حسن عمر .. بعد اعتقال الإمام (2-2)
التدخل بقوة السلطة في قضية الصادق المهدي عمل غير عاقل
لو كانت الحكومة تتدخل في القضاء لما خسرت (80%) من قضاياها
نقدر المشاعر الشخصية والحرج الذي يمكن أن يستشعره عبد الرحمن الصادق
تشبيه الوضع الآن بأجواء أبريل 1985م أماني
لن يكون هناك نظام إذا نظرنا للقانون بنظرية الوجهاء والدهماء
حاوره : فتح الرحمن شبارقة
دائماً يقفز اسم عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني د. أمين حسن عمر للذهن عندما يتطلب الأمر فائضاً في الجرأة، ومثل ذلك من الوضوح. فهو لا يسلك منعطفات لغوية للهرب من صيغة الأسئلة التي لا تخلو في بعض الأحيان من احراج. بل يواجهها بمنطق أكسبه محبة البعض، واستياء آخرين بالضرورة. أما هو، فلا يأبه كثيراً بكل ذلك، و يمضي للترافع عما يعتقد أنه الموقف الصحيح بطريقة فيها من المنطق، مثلما فيها من السخرية. و بحكم قربه من ملف الحوار وعضويته في اللجنة المعنية به برئاسة الرئيس البشير، طرحت عليه ما تتناقله مجالس المدينة من تساؤلات مقلقة بعد اعتقال الإمام الصادق المهدي ، و تأثيرات هذا الأمر على أجواء الحوار الوطني، فماذا قال أمين قبل و بعد عبارته اللاذعة هذه: (القانون لا يعرف الأجواء يا حبيبي) ؟
*أليس هناك أي أصوات لعقلاء في المؤتمر الوطني تطالب بالتدخل في قضية احتجاز الصادق المهدي؟
- أنا أفتكر ان التدخل في هذه القضية دليل على عدم العقل، وليس دليلا على العقل. إلا إذا كان تدخلا للاصلاح والتوفيق بين الفرقاء، فهو في هذه الحالة يكون تدخل عقلاء. أما التدخل بقوة السلطة فهذا عمل غير عاقل.
* أليس من الصعب أن يُقّدم جهاز على خطوة كبيرة كهذه ضد شخص في قامة السيد الصادق المهدي دون أخذ إذن من الرئيس؟
- ليس بالضرورة، فهناك جهة متضررة يمثلها الجهاز، والجهاز تقدم باسم هذه الجهة ببلاغ، وإذا كان البلاغ غير صحيح يمكن للنيابة أن تشطب هذا البلاغ، وبعدين ما هي المشكلة حتى لو واحدة من مؤسسات الدولة ذهبت للقضاء تطالب بحق من أي شخص؟ فهل المطالبة بالحق تعتبر تجاوزاً ؟
* ألا تخشون من أن ينفض العميد عبد الرحمن الصادق يده من الحكومة، فلا يعقل أن يظل في القصر بينما والده في الحبس؟
- أول شئ السيد الصادق المهدي ليس في الحبس، هو في الاحتجاز. وهناك فرق بين الحبس والاحتجاز، فالاحتجاز أمر مربوط بفترة التحري. وأعتقد ان السيد عبد الرحمن رجل عاقل يدرك ان هذه اجراءات يتطلبها القانون وليس المقصود منها ازدراء لوالده أو التقليل من شأنه. وهو يعلم ان والده موضع احترام وتقدير من الناس، ولكن الاحترام والتقدير لن يرفع الاجراءات القانونية عن أي شخص من الأشخاص. وأنا شخصياً لا أتوقع أن يُقدِم على مثل هذه الخطوة لأنها هي أصلاً خطوة غير منطقية ولا مبرر لها. واعتقد أنه يدرك أن المصالح العامة وأهمية الوفاق وهذه الاعتبارات كلها فوق المشاعر الشخصية، وبالطبع نحن نقدر مشاعره الشخصية ونقدر الحرج الذي يمكن أن يستشعره لكن المصلحة العامة واحترام سيادة القانون فوق هذا.
* وهل هذا الكلام أيضاً ينسحب على بشرى؟
- نعم.
* الكثير من الناس لا يفرقون بين المؤتمر الوطني والحكومة، وينظرون للاجراءات القانونية التي أُتخذت ضد المهدي بأنها اجراءات من الحكومة والوطني رغم حديثكم عن عدم علاقتكم بالأمر؟
- هذا لا يغيّر الحقيقة، وغير صحيح ولا يستند إلى أي شىء، وأنت أمشي تابع القضايا التي رُفعت ضد حكومة السودان، (80%) من هذه القضايا خسرتها حكومة السودان، ولو كانت الحكومة تتدخل في القضاء ما كانت خسرت هذه القضايا، وآخر قضية مشهورة قضية حقوق معاشيي البنوك وستدفع الحكومة مليارات لأنها خسرت قضيتها أمام المحكمة، وهناك عشرات من القضايا الأخرى خسرتها الحكومة أمام القضاء، فلماذا خسرتها إذن إذا كانت تتدخل في القضاء؟!. هذا جزء من الدعاية ليس ضد الحكومة وحسب وإنما ضد الدولة وتستهدف مؤسسات الدولة والتشكيك فيها. والآن ما يسمى بالحملة على الفساد هذه المقصود منها ليس الفساد، لأن الفساد موجود كحالات فردية ، لكن المقصود التشكيك في مؤسسات الدولة العدلية والأمنية والمؤسسات الأخرى، بتعميمات ليس لها أساس لا منطقي ولا قانوني، (وإيش يعني موظف في مدخل الخدمة في مكتب الوالي اتهم بأنه استغل النفوذ.. إيش علاقة هذا بالوالي الذي حرك الاجراءات في القضية إذا لم يكن هناك استهداف طابعه سياسي؟) وطبعاً استهداف الوالي سياسياً أسهل من استهداف المؤسسات العدلية نفسها.
*........؟
بالعكس، المؤسسات العدلية أنا أريد أن أضرب لك مثالاً. أولاً القانون لا يمنع القضاة من أن يشتغلوا محكمين، فقاضي المحكمة الدستورية وفق القانون المتاح له يمكن أن يكون محكما وأصبح محكما في قضية أطرافها موافقين عليها بالورق. لكن عندما أُثيرت القضية في الرأي العام هو استشعر الحرج واستقال حتى لا تكون المحكمة في مستواها الرفيع موضوعا للتداول الصحفي، لكن ألم يكن أصلاً من الأول أن يكون عندنا إحساس بالمسؤولية في الصحافة والرأي العام بأن هناك مؤسسات صيانتها كأطراف مستقلة ينبغي أن يوضع لها اعتبار واحترام؟، ولكن الآن هناك ناس يخرجون على الدولة بالسلاح ومستعدين يخرجوا عليها بالإشاعة وبالتشكيك وبكل شىء.
*مع ذلك فإن البعض لا يصدق أن المؤتمر الوطني بعيد عن الذي حدث للمهدي؟
- هذه مشكلة هؤلاء البعض.
* الأجواء السائدة في البلاد الآن يشبهها البعض بأجواء مارس أبريل 1985م، أجواء انتفاضة؟
- هذه أماني، وما عندي تعليق غير ان هذه أماني.
*بعد كل الذي حدث للصادق المهدي هل ترى فرصة الآن لكي ينطلق الحوار؟ بشىء من الحزم قال:
- الحوار سيمضي أخي. سيمضي بالقوى الراغبة في التوافق لأن مقصوده أن تتوافق أكبر قوى في البلد على رؤى وطنية تسيّر بها البلد، وأنا قراءتي لبيان السيد الصادق أنه استراتيجياً لم يستبدل فكرة الحوار، ونحن نرجو أن تتبدل هذه الظروف الآنية.
* من الواضح أن المهدي وإن ظل على موقفه من الحوار فسيطالب بمطلوبات جديدة كإلغاء قانون جهاز الأمن بعد الشكوى المقدمة ضده من الجهاز؟
- أول شىء هذا الموضوع لا علاقة له بجهاز الأمن والمخابرات ولا بقانونه، هو لديه علاقة بالقانون الجنائي وإذا كان مطلوب إلغاء القانون الجنائي، فخليهم يطالبوا بإلغاء القانون الجنائي. أما إذا كان هناك أشخاص يريدون قبل الحوار أن يتوصلوا لإمضاء شروطهم وقراراتهم فهذا لن يكون حوارا، و(نحن ذاتنا راغبين عن مثل هذا الحوار) الحوار الذي يريد أن يستبق فيه النتائج قبل عملية الحوار نفسه.
* أحد قادة تحالف المعارضة قال إن الحكومة بعد هذه الإجراءات ضد الصادق المهدي (شالت أصبعها وطبزت به عينها)؟
- هذا فهم سوقي في قضايا جوهرية هي قضايا التقاضي بين المتخاصمين.
* كيف يمكن أن توقف الاجراءات ضد الصادق المهدي بالقانون؟
- بتسوية، أو بتنازل، وهذه قضية في المحكمة، والمحكمة نفسها يمكن أن تشطب القضية..
* تنازل من الجهة الشاكية أم مِن من؟
- لا أحب أن أدخل في تفاصيل الموضوع، لكن أقول لك احتمالاته.. وهي أن لا تتوافر بينات كافية للنيابة العامة وتشطب القضية وهذا وارد، وممكن لا تتوافر بينات في كل التهم وتشطب باقي التهم، وممكن تتوافر بينات وترفع القضية للمحكمة. وإذا رُفِعت القضية للمحكمة يمكن بعد ذلك أن تحدث تسوية بين الفرقاء المتخاصمين.
* هناك من يقول إنكم بدأتم في نفض يدكم بالتقسيط المريح عن الحوار الوطني، بعد اعتقال المهدي؟
- هذا كلام يردده أعداء الحوار الذين لا يرغبون في الحوار ولا يريدونه أن ينجح لأن مشروعهم قائم على الاقصاء والاستئصال وليس قائما على الحوار والتوافق. على أية حال كما قلنا لا توجد علاقة بالإرادة السياسية أصلاً بهذا الحدث، فهذا أمر متعلق بقضية مرفوعة من طرف متضرر من طرف آخر والنيابة هي الحكم في ذلك.
*هناك حيثيات أخرى إلى جانب قضية المهدي مثل بيان الرئاسة الذي حذر الصحف من الاقتراب من الخطوط الحمراء تدعم الحديث عن تنصلكم من الحوار؟
- بيان الرئاسة لم يتعدْ تذكير الصحافة بمسؤوليتها لأن بعض الصحف تجاوزت مسؤولياتها والتزاماتها في احترام الأمن القومي.
* كأنك تشير إلى خطوة أخرى في طريق التصعيد غير تذكير الصحف بالخطوط الحمراء؟
- بالطبع، والبيان نفسه يوضح العواقب القانونية إذا كانت هناك جهة تجاوزت ومضت في هذا السبيل، ومن المعلوم في ميثاق الشرف الصحفي الذي يعلمه كل الصحفيين و وقعوا عليه أنه لا يجوز أن يتدخلوا في شؤون المؤسسات الأمنية ومؤسسات القوات القوات المسلحة، وهذا كله موجود. وعليهم أن يحترموا ميثاق العمل الصحفي وهو جزء من قانون الصحافة والمطبوعات وعدم الالتزام به تترتب عليه عواقب قانونية.
* لكن هذا الأمر يجعل الأجهزة الأمنية مثلما قال الصادق المهدي لا يستطيع أن يقول لها أحد (تك)؟
- وهل المطلوب من الصحافة أن تتحلل من التزاماتها بموجب القانون، القانون ملزم للصحف ولكل جهة، وهم كذلك ملزمون بعدم التدخل في حرية الصحافة ما لم تتجاوز التزامتها المفروضة عليها بالقانون والمتعارف عليها بالمهنية في كل الدنيا. * التقسيم القديم لقادة المؤتمر الوطني لصقور وحمائم برز بقوة في الآونة الأخيرة بعد احتجاز الصادق المهدي؟
- هذه دعاية المعارضة، وما في أي صقور، صحيح هناك تفاوتات في الرأي بأي حزب وهناك أشخاص أقرب للتحفظ دائماً وهناك أشخاص أقرب للتحمس وبالنظر الآن تستطيع أن تعرف من الذي يبدي الأسف كثيراً ومن الشخص الذي ينظر بموضوعية للقضية. لكن في المؤتمر الوطني أنا لم أر أو أسمع بأي صوت معارض للحوار، و(ما في زول بعارض وببقى صقر بالدس) والناس الذين يقال عليهم صقور هؤلاء هم أكثر الناس حرصاً على الحوار، فالصقر لا ينشب بمخالبه على كل شىء، هو ينشب بمخالبه على الشىء الذي يفيده ليوفر له طعاما، والكلام عن صقور وحمائم لا قيمة له وهو لغة لترويج الصحافة. وأنا ما عارف أنا الآن في الصقور أو في الحمائم.. ؟
* أنت بعد حوارك هذا مع الصقور؟
- خلاص مرحب بالصقرية في هذه الحالة، وأعتقد أن كل إنسان حريص على استيفاء مناخ مناسب للحوار وتسوية هذه القضية بطريقة ودية هو أفضل النتائج لأنه سيؤدي إلى الحالة الطوعية التي يراها السيد الصادق المهدي في مائدة مستديرة ونوفر الشروط لهذا، لكن ينبغي أن يكون هذا بتواضعنا جميعاً على احترام القانون وأن نخضع له جميعاً وإذا لم نتوافق على ذلك، ونظرنا للقانون بنظرية الوجهاء والدهماء، فلن يكون هناك قانون ولن يكون هناك نظام في البلد.
/////////