يحكى أن بعض الأشخاص يمتازون بقدرات عالية جدا في استيعاب الأفكار المنقولة (كلاميا) ولململتها وتجميعها وضغطها بشكل مكثف حتى تتحول بقدرة قادر إلى أفكار خاصة بهم، يقومون بدورهم بنقلها إلى آخرين وهي في حالة سطوع جاذب وإمكانية على إثارة الأسئلة وخلق حالة من التفاكر حولها؛ للدرجة التي قد تظهرها أحيانا وكأنها أفكار أصيلة أنتجها ذهن (الناقل)، أو نتاج طبيعي لثقافة وقراءة هذا الشخص وتعمقه في القضية المثارة وبالتالي تدلل على تميزه وامتلاكه ناصية (الاستنارة) والقدرة على التحليل والربط بين الأفكار المتنافرة والخروج بـ (مقولات) تقترب من التفلسف أو توصف بالعمق الفكري، دون انتباهة من (المستقبلين) أنها (الأفكار) مجرد منقولات مشوهة تتفقد حق الأصالة المزعوم!
قال الراوي: المجال الأرحب الذي يتحرك فيه الناقلون عن سماع، أو لصوص الأفكار، هو المساحات التي يتحرك فيها المثقفون والساسة، سواء أكانت هذه المساحات متعلقة بالتدوين والكتابة؛ أو كانت بدورها كلامية "حوارات فكرية، جلسات وندوات نقدية، ملتقيات سياسية أو حزبية.. إلخ" حيث يظهر هؤلاء الأشخاص (الناقلون عن سماع) في أجمل ما يكون ويتقدمون الآخرين في طرح أطروحاتهم الفكرية (الضاربة) ويستحوذون على النسبة الأكبر من الإعجاب وإثارة الحماس، لاسيما أنه غالبا ما يكون صاحب الأفكار (الأصلي) من النوع الذي يرفض (الظهور) أو له رأي سلبي – نقدي في مثل هذه اللقاءات مما يترك المجال مفتوحا أمام اللصوص ليسرحوا ويمرحوا ويشوهوا ويغشوا!
قال الراوي: مع بروز دور وسائل التواصل الاجتماعي الكبير في الألفية الجديدة وجد الناقلون عن سماع فرصا أكبر للقفز على أكتاف الآخرين وخلق حالات من النجومية الزائفة المبنية على مجرد كلمات ترص في شكل جمل قصيرة تأخذ صفة الترتيب الفكري أو المنطقي أو تتلبس ثوب السخرية؛ يرمونها في حساباتهم هكذا بلا أدنى إحساس بفداحة النقل دون تثبت، وأفادتهم في ذلك خاصية أخرى يوفرها جهاز الكمبيوتر وهي (النسخ واللصق)، حيث أصبحوا الناقلون عن سماع والمدونون عن كوبي بست!
ختم الراوي قال: خطورة ناقلي السماع ليس في ممارستهم لسرقة الأفكار وتشويهها فقط؛ بل إن الخطورة الأكبر تظهر حين يتبنى آخرون هذه الأفكار (الأقوال، الأخبار، الآراء، التحليلات... الخ) معتمدين على (نجومية) السارق التي بناها على مدى سنوات من النقل والنسخ واللصق، وبالتالي خلق حالة من التشويش العام، مضافا لحالة تجهيل بالبعد عن المصادر الأصيلة والأصيلة لنشوء الأفكار وتبلورها وتكونها "القراءة والبحث والتثاقف الحقيقي"!
استدرك الراوي؛ قال: بعد سماعه جملة ساخرة وعابرة من (أحد الناس) يمكن للناقل عن سماع أن يلخص مستقبل العالم في ثلاث كلمات!