في ذكراك يا ناجي .. من لم يمت بالسيف مات بطلقة !!! .. بقلم : بدرالدين حسن علي

 


 

 

كانت الساعة الرابعة صباحا ،  أذكر أني قبل ساعة واحدة كنت صاحيا ، قمت مذعورا مرعوبا خائفا ، ما هذا ؟ صحوت من نومي  ، يا ربي حلم ولا علم ؟  جاءني ولا أدري من أين جاء ، من كل النوافذ والأبواب جاء ، من كل المسامات جاء ،لم ينطق ولا كلمة ، هل تعرفون من هو ؟ إنه حنظلة ، هل تذكرونه ؟

ناجي سليم حسين العلي  " 1937-1987 " تقول بطاقته أنه : رسام كاريكاتير فلسطيني مشهور ، تميز بالنقد اللاذع في رسومه، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين ،  رسم ما يقدر بأكثر من 40 ألف رسم، إغتيل على يد مجهول عام 1987 في لندن.

ولكن لماذا جاء حنظلة ؟ ماذا يريد حنظلة ؟ آه عرفت إنها ليلة الثاني والعشرين من يوليو ، ليلة إغتياله في لندن ، نعم من لم يمت بالسيف مات بطلقة ، كنت في صالون مجلة الطليعة الكويتية هكذا نسميه ، وتحديدا مكتب الراحل المقيم سامي المنيس رئيس تحرير المجلة ، معنا عبدالله النيباري ومجموعة من الشباب الكويتيين ، كانوا يتحدثون عن ناجي العلي الذي عمل فيها ذات يوم عندما جاء في ستينات القرن الماضي إلى دولة الكويت فعمل في الطليعة وصحيفة السياسة والتي كان يرأسها أحمد الجارالله وعمل فيها أبرز الصحفيين السودانيين أمثال عبدالرحمن الأمين وبابكر حسن مكي ومحمود عابدين ، قالوا عنه كلاما تمنيت لو كنت أعرفه ، لأني قرأت له واستمتعت بلوحاته ورسومه التي قال عنها فنان الكاريكاريست الشهير صلاح جاهين بما معناه " لقد جاء ناجي العلي ليعلمنا فن الكاريكاتير بعد أن أصبحنا أساتذة "

في ذات الحلم  داهمني المسلسل التلفزيوني الماخوذ عن رواية الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " والتي رغم قصرها أخرجت سينمائيا ومسرحيا وتلفزيونيا ، وفي الواقع داهمني غسان وداهمني علي عبدالقيوم  وكل الكتاب والشعراء  الفلسطينيين الذين تعلمنا منهم كلمات مثل الحرية والنضال والبندقية ، داهمتني ريتا كريمة شاعرنا حيدر أبو القاسم وجاءتني قصيدة محمود درويش : ريتا والبندقية

بين ريتا وعيوني.. بندقيهْ

والذي يعرف ريتا ، ينحني

ويصلي

لإلهٍ في العيون العسليّهْ

.. وأنا قبّلت ريتا

عندما كانت صغيره

وأنا أذكر كيف التصقتْ

بي، وغطّت ساعدي أحلى ضفيره

وأنا أذكر ريتا

مثلما يذكر عصفورٌ غديره

آه .. ريتا

ناجي العلي لا يعرف تاريخ ميلاده ولكن يرجح انه ولد عام 1937، في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وهاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة بعد الاجتياح الإسرائيلي ، ثم هجر من هناك وهو في العاشرة ، ومن ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان . وفي الجنوب اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطه ، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. تم إعتقاله أكثر من مرة في ثكنات الجيش اللبناني وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن. سافر إلى طرابلس ونال منها على شهادة ميكانيكا السيارات. تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية في فلسطين وأنجب منها أربع أبناء هم خالد وأسامة وليال وجودي.

حنظلة شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبي في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، واصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. و قد لقي هذا الرسم و هذا الفنان حب الجماهير العربية كلها و خاصة الفلسطينية و خاصةً أن حنظلة هو شبه للفلسطيني المعذب و القوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو دائر ظهره ‘للعدو’.

كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد من رسومه ، شخصية فاطمة, هي شخصية لا تهادن ،  رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها ،  بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا في العديد من الكاريكاتيرات ،  يكون رد فاطمة قاطعا وغاضبا ،  كمثال الكاريكاتير الذي يقول فيه زوجها باكيا – سامحني يا رب ،  بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعم ولادي فترد فاطمة -الله لا يسامحك على هالعملة أو مثلا الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصا وتقوم بتخييط ملابس لأولادها ،  في حين تقول لزوجها: -شفت يافطة مكتوب عليها “عاشت الطبقة العاملة” بأول الشارع, روح جيبها بدي أخيط كلاسين

للولاد ،أما شخصية زوجهاالكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله مقابل هاتيك الشخصيتين تقف شخصيتان أخريتان, الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الإنتهازيين ،  وشخصية الجندي الإسرائيلي طويل الأنف ،  الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال،  وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية .

اطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987 فاصابه تحت عينه اليمنى ، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 اغسطس 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه.

دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230190 وقبره هو القبر الوحيد الذي لا يحمل شاهدا ولكن يرتفع فوقه العلم الفلسطيني. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والإعتراض على ما يحدث .

ظللت اليوم التالي بكامله أتابع العدوان الإسرائيلي على غزة وكنت أردد في ذكراك يا حنظلة .. سامحنا !!!

badreldinali@hotmail.com

/////////

 

آراء