الجمال والنظرية النسبية !!
- لكل منا ذائقة ومخيال لاستحسان الجمال، فعندما يقف أحدهم مشدوهاً أمام الجمال، سواء كان كامن في إنسان أو حيوان أو جماد أو نباتا، لا يملك إلا أن يقف مشدوهاً أمامه ولكنه لا يملك مقياساً لتقييس الجمال ولكنه يستطيع توصيفه ، لأن الاعجاب بالشيء يعني استحساننك له ، فهل بالامكان أن يكون هناك مقياساً دقيقاً أو ميزاناً لمسألة نسبية يمكننا أن نزن به جمال ما ونقول أن وزنه كذا؟!!
- النظرية النسبية لانشتاين ليست كلها معادلات رياضية بل لها جوانب فلسفية ، إذ يقول انشتاين نفسه أن المعادلات الرياضية نفسها كانت نتيجة شطحات حاول فيها أن يتصور فيها الكون على صورة جديدة، فالنور الأبيض الذي نراه إذا مررنا بمنشور زجاجي يتحلل إلى سبعة ألوان هي ألوان الطيف التي تشكل جزء من الصور الجمالية للمخلوقات!!.
- خذ مثلاً إن الصورة النيوتونية للكون فهي تعمل على نحو رائع بالنسبة لمعظم الحوادث التي نراها. وقد كانت هي كل ما احتاجه العلماء، على سبيل المثال، لتوجيه مركبة كاسيني نحو كوكب زحل. والسبب: هو إنه في ظل معظم الظروف، فإن تنبؤات ثقالة نيوتن ونظرية آينشتاين مختلفتان بقدر ضئيل جداً لدرجة لا تستطيع معها التجارب العلمية التمييز بينهما . وفقط في الحالات البالغة الاختلاف ــ جوار ثقب أسود مثلاً، أو المراحل الأولى من الانفجار العظيم ــ يمكن للنظريتين أن تعطيا نتائج مختلفة فعلاً عن جمال الكون.
- فالجمال من الأمور النسبية، فليس هناك مثل أعلى للجمال، وإنما هو استحسان وإحساس شخصي يختلف من واحد إلى آخر، تلعب فيه الثقافة دورها، والجمال جـذّاب محبوب إلى النفس الطبيعية الرائقة، والناس تقصد وتتداعى إلى المناطق الموصوفة بالجمال طلبا للراحة والاستجمام والتأمل . فهناك أماكن تتميز بسواحل ساحرة أو حدائق غنّاء أو مياه رقراقة وأشجار خميلة... وليس هذا فحسب؛ بل هناك الوديان والأنهار والغابات الكثيفة والسفوح الممتدة والسهول الخضراء المترامية التي تبهج الروح وتمتع العين.
- إن روعة الشيء أو بهاءه في الحسن ليس هو الذي يمثل الجمال فقط ، بل عندي، إن أنواعا مما هي في حساب القبح أو الدمامة قد تدخل في حساب الجمال إذا رسمها الفنان كما هي في طبيعتها ؛ فمثلا لو أحسن الفنان رسم منظر القمامة، - وهي منفرة - بما فيها من علب فارغة وأوراق متسخة وخرق ملونة أو بالية فإن ذلك المنظر بتفاصيله التي ذكرت سيعطي صورة حقيقية لما هو مشاهد في العادة، ليس بالنظر إلى مادة القمامة كعنصر منفر وإنما بالنظر إلى إتقان الفنان وما بذله في اللوحة من تحوير وتخطيط وتركيب ألوان حتى وصل بالمشاهد إلى صورة بديعة يعجب بها، ومتى كان العجب كان الجمال.
- ولا يمكن تحديد عناصر الجمال في الطبيعة وغير الطبيعة فالأهواء متعددة والنفوس متقلبة ؛ فقد تحب شيئا اليوم ثم يبدو لك مع الزمن أنك لا تميل إليه .. وقد تجتمع عناصر من الجمال في شيء واحد كما يحس بذلك العشاق نحو محبوباتهم فيصفوهن بالعديد من المسميات الحسية والمعنوية اللطيفة الخلابة، ولعمري لقد برع الشاعر أبو القاسم الشابي في استحضار تلك الصور في أشعاره المرهفة ؛ ففي قصيدته (صلوات في هيكل الحب) يحشد الكثير من اللقطات الرائعة التي يشاركه في حبها الناس، ومن ذلك قوله : " عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كالحسن كالصباح الجديد.... كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد"... فقد استعمل ألفاظا موحية برقة نفسه ورهافة حسه، مملوءة بالنسيم العبق والرائحة الزكية منها ما يدرّ العاطفة كالطفولة والأحلام وابتسام الوليد، ومنها ما يملأ النفس بالانشراح لأن حسنها محرك للأشجان مثير للنزعات مثل السماء الضحوك والليلة القمراء...
- وقد ذكر القرن الكريم صفة الجمال على هذا الأساس في أكثر من آية ؛ قال تعالى : "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " وقال : "فاصفح الصفح الجميل " وفي آية أخرى قال : " فصبر جميل على ما يقولون ".. ويُراد بذلك كله صفة معنوية لا حسية هي الحلم والإغضاء، ولا وجود للحلم والإغضاء كأشياء تدرك بالحواس، وإنما هي موجودة في ضمائرنا وبين جوانحنا كعاطفة من العواطف التي نستدعيها متى جاء وقتها وحان ظرفها، مثلها مثل العطف والإعجاب والحب وغير ذلك.. وقديما قيل : ليس الجمالُ بأثوابٍ تزيننا إن الجمالَ جمالٌ العلمٍ والأدبِ.
- هذه المساحة تدعو للجمال حتى وإن كان في الحياة منغصات فيمكننا أن نتعامل معها من منطلق حسنا الجمالي .. كن جميلاً ترى الوجود جميلا!! . فالنفوس النبيلة تختبيء وراءها كنوز من الجمال إن لم نستسلم لاحباطات الظروف الضاغطة، إن التأمل في الأشياء التي من حولنا تقودنا لاكتشاف هذا الجمال .. بس خلاص.. سلامتكم ،،،،
zorayyab@gmail.com
////////////