مُستقبل ومآلات شواء صحافة البصّاصين !

 


 

 



عاد - مرّة أُخرى -  إلى السطح ، موضوع ( دمج الصُحف ) أو إختصارها فى عددً أقل ، وكأنّ أزمة الصحافة السودانية المُستفحلة ، والواقعة تحت نير السيطرة الأمنيّة " كاملة الدسم " ، تكمُن فى ( كثرة الصُحف ) ، وأنّ الحل المنشود ، لأزمة الصحافة المطبوعة فى السودان ، يأتى عبر هذه ( الخلطة السحريّة ) ، وهذا - فى تقديرى - إستسهال غير محمود ، و هروب ، بل ، وهرولة  مفضوحة للأمام من مواجهة مشكلة " شجرة " ( الصحافة الإنقاذيّة ) ، من ( الجذور ) إلى ( الفروع ) ، ولن تنفع ، ولن تجدى ، مثل هذه " المُعالجات " الفطيرة ، حتّى وإن جعلوها ( صحيفة واحدة ) ، تُطبع بماء الذهب ، و تُوزّع فى مكاتب الدولة والأسواق ، وسكنات الجيش ، وأقبية الأمن ، على القُرّاء بالمجّان ، وتُقرأ مُحتوياتها - صباح مساء - فى التلفاز والمذياع " القومى " و نُسخه " الولائيّة " ، أو فى تلك (القنوات ) المكشوفة التى " غرُبت شمسها " ، وهى تُسبّح فى برامجها ( الماسخة ) بحمد الحزب الحاكم ، لأنّ أزمة الصحافة الإنقاذيّة ، يُمكن تلخيصها فى أنّها صحافة ( دعاية / بورباقاندا ) " رخيصة " ، وليست صحافة ( معلومات) ، والسبب الرئيس ، فى هذا المشهد الصحفى المُرتبك ، أنّ جهاز الأمن ، مازال يُصر على فرض ( الإظلام الإعلامى ) عبر إستمرار سياسة ( حجب المعلومات ) عن الصحافة والصحفيين ، وبالتالى غيابها أو تغييسبها عن الجمهور ، وهذا أس البلاء ، لو يعلمون !.
الصحافة - ياهؤلاء - تتأثّر بالمناخ العام ، الذى تنشأ ، و تترعرع ، و تعمل فيه ، وبالضرورة ، وبطبيعة الحال ، إنّ بيئة قمع الحُريّات ، ومُصادرة الحقوق ، ورفض القبول بالتعدّد أو الإختلاف فى المُجتمع ، لن تنتج ، عنها صحافة تعكس التعدُّد فى الآراء ، وللمزيد من الشرح والتوضيح ، نقول : إنّ الصحافة المملوكة للأجهزة الأمنيّة (صحافة البصّاصين ) ، ستظل ( صحافة أمنيّة ) ، حتّى وإن إجتهدت إداراتها فى أن تجعل من ( الفسيخ شربات ) ، بحقن بعض موادها الصحفية ، بأسمدة و مُنتجات ( الخبر المُحوّر ) ، وكذا الحال فى الصحافة المملوكة للحزب الحاكم ، أو للتيّارات المُتصارعة فى داخله ، إذ يبقى خطّها التحريرى ، يُعبّر عن ( المُلّاك  الحقيقيين ) ، لأنّ من يملك الصحيفة ، يملك - دوماً - خطّها التحريرى ، سواء كان مُعلناً عنه صراحةّ ،  أو مخبوءاً فى الصدور وهذا لا يحتاج إلى( درس عصر ) ، فشعبنا أذكى من أن تمُر عليه ، مثل هذه الحيل والألاعيب ، يا هؤلاء !.
الهدف من كُل هذه المُحاولات البائسة ، وراء ( عملية ) دمج الصُحف - بإختصار شديد -  هو مُحاولة التغطية على الصراعات المُستفحلة فى مُكوّنات النظام ، إذ أدرك عباقرة الإنقاذ ، أنّ صُحفهم (البائرة ) ، بدأت تعكس - لجمهورهم - فى تخبُّطها ، حالة التفكّك و الإرتباك الفكرى والسياسى والتنظيمى ، و درجة ( عدم ) التماسك  الذى يتوهمونه ، و يتحدّثون عنه ، ويُحاولون إظهاره ، عبر مهرجانات الخُطب الحماسيّة ، فى العاصمة والأقاليم ، وفى كُل هذا وذاك ، فإنّهم ينسون أو يتناسون ، أنّ الصحافة الإنقاذيّة ، بعد إنقلابها فى 30 يونيو 1989، على الديمقراطية والنظام التعدّدى ، بدأت بذات " غزوة " ( الدمج الخبيث ) ، فهجمت على الصحافة  ( المُستقلّة ) و( الحزبيّة ) ، وشرّدت الصحفيين ، ودمّرت المؤسسات الإعلامية و الصحفية ، وجاءت - فى البداية - بصُحف " ماسخة " تحت مثسمّيات خادعة ( الإنقاذ ) و ( السودان الحديث ) ، وأعادت للصدور أو أبقت على صحيفة ( القوات المسلّحة ) ، وعسكرت التلفزيون والإذاعة ، وذهبت بالشيخ إلى ( السجن ) ، وبالجندى المُطيع إلى ( القصر ) ، ومع ذلك ، لم تستطع أن تكسب تاييداً مُستداماً ، للإنقلاب المشئوم ، وهاهى الإنقاذ ، نُسخة 2015 ، تُحاول ان تُعيد الكرّة وتُرجع التاريخ للوراء ، بالحديث عن ( دمج الصُحف ) ، فى مؤسسات قليلة قادرة ( إقتصاديّاً ) وفاعلة ( مهنيّاً ) ، وهذا الزعم المثتوهّم ، كذبة بلغاء ، يتوجّب على المُجتمع الصحفى ، والجمهور العريض ، عدم تصديقها ، أو إبتلاع طُعمها ، و " سنّارتها " القاتلة .. وعلى دُعاة ومهندسى سياسة دمج الصُحف ، أن يشرحوا لنا وللجمهور، لماذا يجىء هذا ( الإستدراك ) و إدّعاء ( الحرص ) على مهنة و بقاء وتطوير الصحافة ، فى هذا الوقت بالذات ؟!..، وعليهم - أيضاً - ومن قبل ومن بعد أن يشرحوا  لصاحب ( زبدة الصحافة ) الإنقاذيّة ، فوائد أو مضار ومآلات ، بل مخاطر الشواء !.
7 مايو 2015  
faisal.elbagir@gmail.com
///////////

 

آراء