هذا المشروع أهم من المفوضية .. سيدي الرئيس ..!

 


 

 



...............
ربما يكون هذا الحديث ... كلاما لا قيمة له .. وربما يكون مكانه المنتديات الفكرية وليس الساحة السياسية .. ولكنني متمسك برأيي ... أمران يجب تحرير تعريف دقيق لهما قبل الشروع في مكافحتهما ... الإرهاب و الفساد ..! بالنسبة لنا، في السودان، وفي كثير من الأحيان، لا يوجد فرق كبير بين الثراء و الفساد، لا يوجد فرق كبير بين "عقلية البزنس" و الجشع والنصب والإحتيال، وإذا ظهرت عقلية البزنس هذه لدى إمام مسجد فهذا يعني أنه محتال بشهادة ودجال كبير، ولو كان حركة إسلامية فهذا يعني أنه لا فرق بين ما سيقوله عنه أهل المسجد وموقع الراكوبة وسودانيزأونلاين ..! حتى قبل مجيء الإنقاذ، ومنذ زمن نميري والديموقراطية الثالثة، والبنوك الإسلامية وبدايات ظهور بعض الاسلاميين ملاك البزنس ... بدأت الصورة الذهنية تتشكل، وكان هنالك رفض لفكرة أن يكون الإسلامي صاحب بزنس، كيف يجمع بين الورع والدين وجمع الأموال؟ مستحيل ... لا بد أنه دجال، لو كان يريد الدين فليذهب إلى المسيد و"يجر سبحة" ... مش يقعد في الفيحاء ويجر دفتر شيكات.. حتى قبل ظهور كل هذا وقبل الصراع المرير بين القوى الإسلامية الصاعدة والقوى اليسارية المناوئة لها كانت الساحة ممهدة لرفض الجمع بين الدعوة والبزنس ... بل كان الثراء في حد ذاته شكل من أشكال الفساد، فالحزب الشيوعي السوداني هو الحزب الأقوى في العالم العربي، ولكن هاهنا سؤال ... أقوى حتى من اليمن الجنوبية التي حكمها الشيوعيون؟ نعم أقوى ... لأنهم في السودان كانوا تيارا جماهيريا متغلغلا في المزارعين وفي الأقاليم ... وﻷن الساحة اليمنية الجنوبية لا يمكن مقارنتها بالساحة السودانية إطلاقا، السودان متقدم عليها، بل متقدم على كل الدول العربية في الممارسة الحزبية والديموقراطية، والمجال كان مفتوحا للشيوعيين لتشكيل الوعي السوداني وفق شعاراتهم ... ولذلك "حتى الآن ولي بكرة" الحركة الإسلامية السودانية نفسها متأثرة بالشيوعيين و ترفض رفع الدعم ... حتى لو لم تخرج الشارع فإنها -في غالبها- غير موافقة على رفع الدعم وفي ذهنها صورة محددة للحكومة الكبيرة ذات القدرة على التدخل في السوق وفرض التسعيرة وقمع المتلاعبين بقوت الشعب، وموضوع الحكومة الكبيرة والصغيرة موضوع إقتصادي يحتاج إلى شرح..!
توجد قناعات بالقطاع الخاص، ولكن في لحظة سخط واحدة تعود الشعارات الإشتراكية في الظهور، ﻷن الإسلاميين ركزوا على المشروع السياسي وعالجوه بكثير من الأشواق وغاب عنهم تداول فلسفة إقتصادية محددة، نعم لم يكن الإقتصاد الإسلامي يوما ما فلسفة أو منهج متكامل ... كان ولا يزال مجرد حزمة من الحلول البديلة في التمويل والمعاملات، تظللها سقيفة واسعة من المفاهيم العامة والقناعات ... ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، فالإسلامي مقتنع بأن التمسك الديني في السياسة يثمر التحسن الإقتصادي، ولا عبرة ولا داع لكثير عناء وجدل فلسفي إقتصادي.
المشكلة مع الشيوعية أصلا كانت في الالحاد وليس الاشتراكية .. كانت على سبيل المثال في مقال كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة"، الذي كتبه لصحيفة دوتش فرانزشي في العام 1844، ولأنه حفيد الحاخام اليهودي الأشكنازي موردخاي، هذه هي مشكلتنا مع كارل ماركس ولم تكن الإشتراكية هي المشكلة الأساسية، ولو كان ماركس اسمه بركات وكان تركيا أو عراقيا وكان من اسرة شافعية أو مالكية ولو قال الدين قوة الشعوب، ربما قبلنا اشتراكيته. المهم ... نحن في السودان تأثرنا بالشيوعية وتعاطينا الفكر الاقتصادي الحر و الحلول الحديثة و البدائل الإسلامية ... وتمينا الباقي رجالة وغيرة على الدين، ولكن لم نستطع الغاء التاثير الشيوعي علينا حتى الآن، والثراء عندنا شكل من اشكال الفساد وارتباطه بالدين و اقترابه من السلطة يرجح ذلك، ولو شهدت مفوضية مكافحة الفساد بغير ذلك، ولو منحت نيابة الثراء الحرام والمشبوه المتضرر من الشائعات صكا بالبراءة ... سيظل حرامي ومستهبل وطفيلي ومشبوه. نرحب بمفوضية مكافحة الفساد، ولكنني لا اعتقد انها ستغير الصورة، هذا الامر يحتاج الى مشروع فكري اقتصادي جديد ومتكامل ومقنع يقوم على انقاض هذا التناقضات التي تسكن قلوبنا، هذا المشروع أهم من المفوضية سيدي الرئيس.
makkimag@gmail.com
//////////

 

آراء