لو يفعل الاسد النتر مافعل كنياتا ، أسد إفريقيا الأصل!
اعود الى الحديث الشجى عن غزوة جوهانسبرج الخطرة التى قام بها الاسد النتر السودانى فى جمهورية جنوب افريقيا فى الرابع عشرمن شهر يونيو الجارى ، والتى صحبتها تطورات دراماتيكية اقلها عدم تمكن الاسد السودانى من مخاطبة المؤتمر الذى سافر خصيصا لمخاطبته لأنه اضطر الى أن يختصر مشاركته فيه حتى يضمن النجاة من حبائل المحكمة الجنائية التى وضح انها تقف له بالمرصاد خارج حدود بلاده ، وأنها ، أى المحكمة ، صارت له مثل شوكة الحوت التى لا تنبلع ولا تفوت . وأنها من ترصدها المتواتر بالرجل كادت تنتهى به واقعا فى حبالها ومعتقلا لديها بتهم ارتكاب جرائم حرب ، وجرائم ضد الانسانية ، وجرائم ابادة جماعية فى اقليم دارفور منذ عام 2003 . وأنها حية ترزق ولم تمت كما يزعم غمار المهووسين . مجريات غزوة جوهانسبرج كانت اخطر من مجريات غزوة نيجيريا.القاسم المشترك الاعظم فى الغزوتين هو النجاة بممارسة فن التمويه و التعمية مثل الخروج من مطار حربى منزوى بلا مراسم رئاسية . واختصار الازمان و الزوغان على جناح السرعة ، وترك النوافل البروتوكولية .
* قديما قيل الحماقة اعيت من يداويها . وقد كان السفر الى جوهانسبرج حماقة سياسية مبينة. فالرئاسة السودانية كانت ملمة بكل التفاصيل التى تجعل من الاقدام على تنفيذ تلك الزيارة عملا ينطوى على مجازفة سياسية كبيرة لا يقدم عليها نظام يوظف اكواما مهولة من البشر كمساعدين ومستشارين ، وكوزراء ، ووزراء دولة بلا اعباء نزولا عند ضروريات المحاصصة . وكان حريا أن ينصح هذا الرعيل المهول بعدم القيام بتلك الزيارة الخطرة لأنه من العلوم بالضرورة أن الحظوظ اذا خدمتك مرة وكتبت لك النجاة ، فهذا لا يعنى أنها ستخدمك مجددا وتكتب لك النجاة مرة اخرى. بمعنى أخر ، وبالدارجى الفصيح، ليس مضمونا أن تسلم الجرة فى كل مرة . كانت التفاصيل التى بحوزة جيوش مستشارى الرئيس تقول :
* ان جنوب افريقيا موقعة على ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية . وهى بذلك ملزمة بتنفيذ طلباتها. وعلى رأس هذه الطلبات طلب توقيف الرئيس البشير لمجرد التحقيق معه حول ما نسب اليه من تهم قد يثبت التحقيق معه عدم صحتها. مثلما حدث مع الرئيس الكينى اوهورو كنياتا. صحيح زوغات الرئيس البشير المتكررة من مواجهة التحقيقات زاد ويزيد شكوك الاجهزة المختصة بأنه يخشى شيئا. وقديما قال المثل الشعبى السودانى : الفى بطنه حرقص براهو يقوم يرقص . لكن رقيص ليس على الشاكلة التى اشتهر بها الرئيس الطروب : عرضة ونقيز وهوشة جعلية دون ركوز للبطان !
* الرئاسة السودانية كانت تعلم ان الرئيس البشير مسجل خطر، بلغة الشرطة الامنية المصرية . واصبح ، تبعا لذلك ، معرضا لخطرالاعتقال بمساعدة من جهات عالمية كثيرة ناشطة تلاحق مرتكبى هذه الجرائم الفظيعة ولا تعيق حركتها حدود جغرافية أو ديمغرافية أو سياسية. بالطبع هذه الرئاسة.
تعلم الرئاسة السودانية ان الرئيس سبق ان نجا من الاعتقال فى نيجيريا فقط بالهروب سريعا لدرجة عدم القاء خطاب بلاده الرسمى فى المؤتمر الذى قطع آلاف الاميال لحضوره .تكرار الوقوع فى ذلك الخطأ هو نوع من عدم الكفاءة المثير للانتباه وربما للشبهات.
*قبل شروع الرئيس البشير فى اجراءات الزيارة صرح مسئول جنوب افريقى كبير بأنه لا يتوقع وصول الرئيس البشير الى بلاده لأن الرئيس البشير يعلم أن جنوب افريقيا موقعة على ميثاق روما وطبقا لذلك فهى ملزمة بتفيذ قرارات محكمة الجنايات بما فى ذلك قرار اعتقاله اذا وصل الى جنوب افريقيا . كانت تلك اقوى رسالة للرئيس البشير بأن جنوب افريقيا غير مرحبة بزيارته لاسباب خارجة عن ارادتها . تجاهل الرئاسة السودانية رسالة جنوب افريقيا غير المباشرة دون سبر اغوارها يعكس المستوى المتدنى للدبلوماسية السودانية فى درجاتها العليا. ويعكس عفوية وعدم مبالاة لا تليق فى منهج ادارة الدولة . صحيح فى السودان لا يعلو صوت أى جهة حكومية فوق صوت الرئاسة او صوت الرئيس . وربما لهذا السبب تجاهلت الرئاسة السودانية رسالة مسئول جنوب افريقيا باعتباره جهة ليست ذات اختصاص ولا يحق لها ان تتحدث فى ما تحدث فيه الرئاسة الجنوب افريقية بدعوتها للرئاسة السودانية لحضور المؤتمر. ولم يدر بخلد الرئاسة السودانية أن رسالة المسئول الجنوب افريقى قد تعنى أن ماءا قد جرى تحت الجسر مما اوجب الغاء تلك الدعوة بصورة غير مباشرة. واجاز بالتالى ارسال تلك الرسالة. ولكن السبب الاوضح لتجاهل التحذير الجنوب افريقى يكمن فى ان الخرطوم تريد تسجيل اصابة فى مرمى الامم الامم المتحدة ومرمى المعارضة السودانية على حد سواء ولم تذهب الى ابعد من ذلك التفكير السطحى . لقد ارادت الرئاسة السودانية أن تتفولح ، فكادت ان تجيب دقلها يتلولح على قول المثل الشعبى.
النتائج المترتبة :
*احراج مزدوج للرئاستين السودانية والجنوب افريقية : الرئيس السودانى تعرض للمعاملة كمجرم يجرى الاستعداد لاستجوابه ليقرر فى مصيره ان كان يسمح له بالعودة الى بلده او يرحل الى مقر محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى . الرئيس الجنوب افريقى يتعرض لحرج لا يقل عن حرج رصيفه السودانى حين عجز عن حماية ضيوفه الرؤساء الذين دعاهم لزيارة بلده بمحض اختياره.
كل هذه الاحراجات غير الضرورية ما كانت لتحدث اذا لم تتعامل الرئاسة السودانية او مستشاروها بعنترية لاتمام الزيارة الخطرة بهدف وحيد هو احراز اصابة فى مرمى الامم المتحدة وفى مرمى المعارضة السودانية التى لا يعتيرها الرئيس البشير شريكة فى هذا الوطن الواسع ويحق لها بالتالى ان يكون لها رأى مخالف لرأيه .إنه يتعامل معها باسلوب رمسيس الثانى ، فرعون موسى ، يريها ما يرى . وما يريها الا سبيل الرشاد بزعمه . هل يدرك الرئس البشير أنه سيغدو ويروح فى البرية وهو عريان تماما اذا كان يعتمد على هذه الجيوش العاطلة عن الحجى والدراية كمستشارين لا يشيرون. الا يرى الرئيس كيف ان هذه الجيوش العاطلة عن الحجى كادت أن تلحقه امات طه فى جوهانسبرج الجميلة مثلما سبق فى ابوجا . لقد نجا اسد افريقيا من الاعتقال فقط بقبول الرئيس الجنوب افريقى بمغادرته قبل صدور قرار المحكمة متحملا بذلك ما ينجم من نتائج سياسية لن يطول بنا الانتظار حتى نسمع عنها . لست فى موضع من ينصح الرئيس البشير. فشخصى الضعيف من غمار الناس الذين هم ليسوا فى عير محبى الانقاذ ولا فى نفيرهم . هذا اولا . ثم اننى لست فى مقام السيد امام الانصار الذى حيّر الحيران والجيران والكوادر بنصائحه المرسلة على الاثير بلا سيقان او اجنحة. وبانشغاله بسلامة الرئيس البشير ، جلده الذى لا يجر فيه الشوك. ومع ذلك اتجرأ واطلب من الاسد النتر ، بزعم محبيه، أن يغزو المحكمة الجنائية فى عقر دارها كما فعل الاسد النتر الاصل- اوهورو كنياتا . لماذا لا يفعل . اليس هو اسد افريقيا النتر . الا يريد ان يثبت براءته فى الضحا الاعلى بدلا من الارتهان الى الصدف فى كل مرة .متى يوازن اسد افريقيا بين انشغاله بتدابيرسلامته الشخصية كلما فكر فى عبور حدود بلاده وبين انشغاله بتدبير حاجيات( شعبه) . هل قلت ( شعبه ؟) ربما اجبرتنى مقتضيات اللغة من جناس وتشبيه وتناظر.
وبعد : لقد سلمت جرة الاسد النتر هذه المرة على حساب جاكوب زوما المسخن اصلا بجراح الفشل السياسى والاخلاقى ولا يحتاج لمزيد يأتيه من السودان صاحب المحن التى لا تنقضى . لقد بدأ القضاء الجنوب افريقى معركة تكسير العظام مع زوما . الا يسأل اسد افريقيا نفسه هل احراز اصابة فى مرمى الامم المتحدة يستحق كل هذا العنت الاقليمى .
أخ . . . يابلد !
alihamadibrahim@gmail.com