الوسط المفترى عليه

 


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم  

لقد أعجبت بشجاعة الأستاذ المحامى الكبير الأستاذ طه ابراهيم عندما اعتذر للأخ عوض فضيل لما ألحقه به من اساءة وتجنى. كنت أتوقع أن تمتد هذه الشجاعة ليشمل الأعتذار كل أبناء الوسط لما سببه لهم من تجريح وتحامل واساءة بالغة هم منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب واصفا اياهم بالأستعلاء العرقى والثقافى والعنجهية والتكبر. ما كنت أتوقع أن يلقى المحامى الكبير القول جذافا وعلى عواهنه بحكم مهنته التى تحتم عليه أن يأتى بالحيثيات والقرائن والدلائل لتقوم حجته على أساس متين حتى يحكم له أو عليه. وأظن  _ وان بعض الظن اثم _ أن الأخ المحامى يعيش فى دوامة فكرية وذهنية ليس لها قرار أو أن عقله الباطنى والمخزون الحقدى منه يسبق عقله أو سيطر عليه أو شل تفكيره مما جعله يقول القول ولا يتدبر معناه أو أبعاده وان كنا نحمد له شجاعة الأعتذار عندما يكتشف خطأه. لقد آلمنى تكرار الخطأ _ بعد اعتذاره للأخ عوض فضيل_ فى حقنا نحن أبناء الوسط. فى مقالى الأستاذ بجريدة الخرطوم " من هو العنصرى؟" لم أفهم تعريفه لمن هو ابن الوسط. مرة يسميهم أولاد البحر وهذا تعريف واسع ليس مقصورا على الوسط الجغرافى لأنه يشمل كل القبائل التى سكنت على ضفاف الأنهار وشواطى البحار فهو يشمل قبائل الشمال والوسط والجنوب والأنقسنا والبجا على البحر الأحمر والأشراف والبنى عامر والهدندوة على دلتا طوكر والقاش ونهر عطبرة. وتارة يسميهم أولاد الجلابة وهو لفظ أطلقه أهلنا فى الغرب والجنوب على التجار القادمين اليهم من الشمال ومن سواكن واستوطنوا وتاجروا معهم فهو اذن ليس خاصا بقبائل الوسط الجغرافى وهولاء غالبيتهم من المحس والدناقلة والشايقية اذ قبائل الوسط الجغرافى قبائل رعوية لا تفقه فى التجارة. ولمعلومية الأخ المحامى يتبقى أن سكان الوسط الجغرافى الأصليين منذ دولة الفونج وما قبلها هم قبائل رفاعة والحلاوين والمسلمية والشنابلة والعوامرة والحسانية....الخ وهؤلآء ان جئت للحق ان كان هنالك من مداعى فهم مهمشين داخل اقليمهم اكثر مما نطلق عليهم لفظ المهيمنين. ما زالت حركة التجارة فى الأقليم بأيدى أبناء الشمال والوظائف الأدارية والحكام منهم وحتى ممثليننا فى الجمعيات التأسيسية والبرلمانات منهم ولكننا لم نرفع صوتا واحدا لنقول نحن مهمشين ولم نصفهم بالأستعلاء العرقى أو الثقافى بل اعتبرناهم مواطنين بحق المواطنة لهم ما لنا وعليهم ما علينا. بل نحن ممتنين لهم وشاكرين ومقدرين لهم فقد تعلمنا منهم الكثير والكثير جدا فقد كنا عربا رحلا تعلمنا منهم الأستقرار والحضارة والحرف والمهن المختلفة التى لم تكن متاحة الينا. تعلمنا منهم القراصة وملاح السفروق وتعلموا منا ملاح الويكاب وأم تكشو " المهدى جاب جواب قال حلاة أم تكشو بالويكاب" فانصهرنا وتزاوجنا لنخلق السودان الذى نرجوه. أسألك بالله أن تذكر لى رئيس واحد لجمهورية السودان منذ الأستقلال وحتى الآن من منطقة الوسط الجغرافى وقبائله الأصلية التى تقطنه. لا أزهرى ولا عبد الله خليل ولا عبود ولا سر الختم الخليفة ولا نميرى ولا حتى البشير منهم. بل ساتواضع وأطلب منك أن تذكر لى خمسة وزراء مركزيين منهم على مر العهود. ولا انكرك القول حتى ممثلينا فى الجمعيات التاسيسيات المختلفة والبرلمانات هم من أبناء قبائل الشمال ونحن اكثر سعادة بتمثيلهم لنا لا لشئ غير اعتقادنا أننا كلنا أبناء السودان ويمثلنا من هو أقدر على التمثيل برضائنا. نحن فى الوسط نعتز بأننا البوتقة التى انصهرت فيها كل قبائل السودان وأعراقه حتى الفلاتة منهم كنتاج طبيعى لتحرك الوعى من الشمال للجنوب بحكم أن الحضارات قامت فى الشمال منذ التاريخ القديم. أنتقل الينا العلم منذ أولاد جابر من الشمال واتونا اخوتنا من الغرب فى فترة المهدية وبعدها عند قيام مشروع الجزيرة واتونا آخرين من الشرق وجبال النوبة والجنوب فتصاهرنا وأنصهرنا وكونا مايعرف بالوسط الجغرافى كلنا فيه سواسية ليس بيننا نعرات عنصر أو استعلاء ولم نتنابز بالألقاب الا ما يختلج فى نفوس بعض المثقفين المريضة.   الأخ طه المحامى بمقالاته هذه قد فتح باب العنصرية على مصراعية يريد أن يؤجج نار الفتنة بصورة سمجة واستهتارية بأقدار الآخرين. ليس هنالك من يخاف أن يصرخ أى سودانى بما لا يقال اذا كان الذى يقال وراءه المنطق والعقل. ولم يسكت الناس على ما لايقال من قبل خوفا أو جبنا او لأنهم لايمتلكون الشجاعة -التى نزلت على الأخ طه الآن - ولكن سكتوا لأن الذى لايقال ليس له منطق وشيطان أخرس. كل ما يقال وفاقد للمنطق سيكون مدمرا وقول الأستاذ شرارة اذا اندلعت لن تبقى ولن تذر فى بلد مازال فى بدايات تكوينه ليخلق من نفسه أمة واحدة تنصهر فيها كل القبائل والشعوب انصهارا تلقائيا وطبيعيا كنتاج طبيعى لتطور الشعوب بدون فلسفة أو فذلكة. اذا تجنبنا فتق هذه الجراح التى يعمل الجيل الحديث على دملها وعلاجها والبراء منها بدلا من فتقها من جديد وعلى يد مثقف ومحامى مفترض فيه أن يكون من جيل الحداثة ليس بمنطلق القبيلة الموقل فى التخلف نكون قد جنينا على سوداننا الذى نعتز به. لقد تضافرت عوامل كثيرة تاريخية وطبيعية جعلت من ساكنى الشمال والوسط الجغرافيين أكثر تطورا ووعيا وتقدما فى كل مناحى الحياة. حدث كل هذا بيد الأستعمار الأنجليزى ومن قبله التركى دون أن يكون لساكنى الوسط يد فيه فنرجو أن توجه غضبة التهميش للأنجليز الذين جعلت من مقالك ديباجا لتمجيدهم ولكن عندنا مثل بسيط وأرجو ألاّ ينطبق على الأخ المحامى وهو " الكلب بريد خانقه".   أتفق مع الأخ المحامى أن المثقف فى ظل الحكم الوطنى تعامل مع بنى شعبه وجنسه بعقلية المستعمر فاستعلى عليهم وعاش فى قوقعة وبرج ذهنى بعيد كل البعد عن واقعه وحالة قومه. هذا ليس خاصا بالمثقف من أبناء الوسط ولكن يشمل كل المثقفين من مختلف بقاع السودان منذ الأستقلال وحتى الآن وهذا يشملنى ويشمل الأخ المحامى طه ابراهيم. وباعتراف الأخ طه ان اول مدرسة اولية انشأت فى مدينة طوكر . ومعلوم ان هذه المدارس أنشئت لتخريج الكادر الأدارى للمشاريع المختلفة. أكيد أن هنالك كمية من أولاد البجة خريجى مدرسة طوكر الذين تقلدوا وظائف عليا وتنفيذية فى العهود الوطنية. وسؤالى للأخ المحامى- وهو واحد منهم - كم من هؤلاء ارتضى او طلب او جاء وعمل بمنطقته ليقوم بتنميتها وتوعية أهلها؟ علمى بهم  أن أكثرهم سكن الخرطوم والمدن الكبيرة ونسوا أهليهم. ما هى المساهمة التى قدمها المتعلمون والمثقفون من أبناء البجة لأقليمهم؟ واذا كان الحكم الأقليمى أو الفدرالى هو حل المشكلة فقد حكم أبناء الأقليم الشرقى اقليمهم فى عهد نميرى فماذا قدموا لشعبهم واقليمهم؟ ويحكمون الآن فى ظل الحكم الفيدرالى فماذا قدموا لأهليهم؟ أم تريد ان تقنعنى أن أبناء البجة من جبهة الترابى ليسوا من الأقليم؟ أو أن البجة ليسوا بأهليهم؟ انظروا ما بأنفسكم قبل أن تعلقوا أخطاءكم على شماعة أبناء الوسط. وابناء الوسط لو سكتوا على هذه الترهات فتعقلا لا خوفا ولا استعلاء لأنهم المناط بهم الحفاظ على وحدة السودان وهذا أيضا ليس استعلاء ولكن الحقيقة. ونحن فى الوسط ليست لدينا هوية أو ثقافة مختلفة عن ثقافة مجموع أهل السودان حتى نحاول مجرد المحاولة لفرضها. فثقافتنا وهويتنا ثقافة وهوية أهل السودان التى نتجت من التمازج العربى الزنجى مشكلة لدم وثقافة ولغة أهل السودان وتجدها عند قبائل الشرق الشكرية والأشراف والبنى عامر والزبيدية والأمرأر وغيرهم. وتجدها فى الغرب عند قبائل البقارة والحوازمة والنوبة والكبابيش وغيرهم. وتجد الكثير منها ثقافيا ولغويا فى قبائل الدينكا والشلك والأنواك وقبائل النوبة بالجبال. نريد لكل هؤلاء أن ينصهروا معنا فى بوتقة واحدة لنخلق أمة واحدة فى السودان بحدوده التى ورثناها  من الأجداد والآباء.   اذا انسقنا وراء المستحدثات من دعاوى التهميش وتقرير المصير والأستعلاء والأضطهاد العرقى وغير ذلك فاننا فى النهاية نهدم بأيدينا ما نريد بناءه وسننتهى بالسودان الى دويلات أو قبائل يقاتل بعضها بعضا ونرجع مرة أخرى لمجتمع داحس والغبراء. وكما قلت اذا صار كل واحد منا يتهم الآخرين بتهميشه فستطالب كل قبائل اقليم باقليمها ووقتها من الخرطوم وحتى الدمازين وكوستى لن نترك فيها احدا من قبائل الشمال أو الشرق أو الغرب أو الجنوب وتكون على نفسها قد جنت براقش. لا أدرى لماذا ربط ألأخ طه تعلم الرطانة بتفاعل المفتش أو المثقف مع المجتمع الذى هو فيه؟ اذا كان هنالك لغة غير الرطانة يمكن التواصل بها مع هذا أو ذاك المجتمع فلماذا الأصرار على الرطانة؟ اللهم الاّ أن يكون تحيزا للقبيلة أو تمحورا حول الذات ونحن الذين بودنا أن تكون لغة البلد واحدة بدون رطانات وتكون ثقافته واحدة بدون جهويات وأن يكون فكره واحدا أو متقاربا بدون عصبيات. هذا هو رأى الوحدويين السودانيين وهو المنتصر ختاما باذن الله ولو كره المرجفون والمتآمرين .   أن أهل الوسط وبمشروعهم فى الجزيرة قد كانوا هم الرافدين لأقتصاد السودان الذى وصل منه الخير لكل أهل السودان دونما أن بقولوا لا تصرفوا حقنا على غيرنا. وأن كل المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية ودور العبادة وأبار المياه وحتى الأندية الرياضية للشباب بالجزيرة لم يتم انشاؤها أو الصرف عليها من الحكومة المركزية وانما من مال الخدمات الأجتماعية الذى ستقطع من ارباح مزارعى الجزيرو برضائهم الكامل ولذلك يجب ألا يتهموا بانهم ركزوا التنمية فى الوسط وانما تمت كل تلك الخدمات من مالهم وليس  من مال السلطة المركزية.  وحتى عندما تم تحطيم مشروع الجزيرة مع سبق الأصرار والترصد لم نتهم أهلنا فى الشمال بانهم قد فعلول ذلك ولكن اتهمنا ابناءهم الماسكين على زمام السلطة وأنفقوا مال البلد على مشاريع  فى مناطق غير مأهولة بالسكان وكانت النتيجة لا انتاجاً ولا كهرباء كما أدعوا بل تغييراً بيئاُ تضرر منه أهلهم كثر مما أستفادوا منه ضد الطبيعة الجغرافية التى لها مقوماتها الزراعية ولا أدرى ماذا سيفعلون والآن المياه السطخية وصلت سطح الأرض  والرطوبة النسبية زادت بسبب سد مروى وهذا سيؤثر على أنتاج النخيل لمنطقة عرفت على مدى التاريخ بأنتاج النخيل والفواكه. اً

mohamed.z.osman1950@gmail.com

 

آراء