حربائيات نظام الخرطوم الإخواني

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لفت نظري في أخبار هذا الأسبوع أن النظام الإيراني يتأرجح بين الهزيمة الوشيكة في اليمن، وكارثة فقدان أحد قادة الحرس الثوري في التنور السوري، وتشديد القبضة داخلياً بالمزيد من البطش بالخصوم: فقد أصدرت "محكمة الثورة" يوم الثلاثاء 13 أكتوبر أحكاماً ردعية مفرطة في القسوة ضد نشطاء إصلاحيين متهمين بالإساءة للنظام وللمرشد علي خامنئي، هم الشاعرة فاطمة اختصار (11 عاماً وخمسة أشهر سجناً و99 جلدة)، كما حكمت على الناشط كيوان كريمي بالسجن 6 سنوات بالإضافة ل223 جلدة، وهي أحكام نهائية وغير قابلة للاستئناف. هذا، وما فتئ النظام الإيراني جذلاً ومزهواً بالانتصار الدبلوماسي الذي حققه بالإتفاقية الخاصة بتحجيم تخصيب اليورانيوم ومراقبة المختبرات... إلخ، في مقابل رفع المقاطعة الإقتصادية، ومن استحقاقاتها أربعة ونصف مليارات يورو كانت مجمدة بالمصارف الغربية منذ الثورة في 1979، وجدت طريقها الآن لخزائن الحكومة الإيرانية. ولقد حسب الغرب أن هذا التسامح والتصالح والتساهل مع نظام الملالي قد يكسر شوكته المعبأة بالسم و(يفشّ غبيبته) ويرجعه لحضن الأسرة الدولية نداً متحضراً وعقلانياً  مستوعباً لشروط وأخلاقيات التعايش السلمي مع الجيران وغير الجيران؛ ولكن هذا النظام الثيوقراطي الماكر لم يتغيّر بل سدر في غيّه وعدوانيته، كشأن الأنظمة الشمولية القمعية التي لا يهمها شيء سوى الاستمرار في الحكم: مثل كوريا الشمالية ونظام الإخوان المسلمين السوداني الذي ظل يكتم أنفاس شعبه المسكين منذ ست وعشرين سنة؛ ولا تعني الشرعية الدوليّة بالنسبة لمثل هذا النظام إلا مزيداً من ترسيخ الواقع المرير ببلاده، المؤسس على دكتاتورية الفرد - المرشد علي خامنئي الذي جمع في يديه بين السلطة الزمنية والزعامة الروحية، فأصبح الملك الفيلسوف وظل الله في الأرض؛  وهو في حالة السودان المشير عمر البشير الدكتاتور العسكري الذي وفر له الشيخ حسن الترابي الغطاء الديني اللازم ليتحدث ويتصرف كأنه وريث الحجاج بن يوسف الثقفي، منذ بداية حكمه حتى المفاصلة في 1999، ومرة أخرى ابتداءً من هذا العام بعد أن تخلّص من المنافسين غرماء الترابي أصحاب مذكرة العشرة مدبري "المفاصلة"، وخلا الجو لجناح الترابي - "المؤتمر الشعبي" - ليلتئم مع "المؤتمر الوطني"، ويعتبر مؤتمر الحوار الوطني الراهن حفلة "جرتق" لتدشين ذلك الإلتئام.

    و من أوجه الشبه بين النظامين المتمسّحين بالدين في إيران والسودان أن الأول خرج من القبول الدولي المكلّل بالإتفاقية المذكورة بمزيد من التضييق على المتفلّتين  والمعارضين، ومزيد من التمكين للطغمة الطائفية الحاكمة وذيولها وجندها السذج المطوطمين والمكبلين بألجمة وبلامات ملالي قم؛ كما أعلن الثاني (النظام السوداني) عن فتح معسكرات التدريب لقوات "الدفاع الشعبي" صنيعة وصنو "الحرس الثوري الإيراني"، بهدف الاستعداد لأي حراك جماهيري أو مظاهرات احتجاج على الغلاء وقطوعات الكهرباء  وشح مياه الشرب، وهو حراك أثبتت التجارب أنه دائماً يتحول إلى مد سياسي يختصر المشاكل جميعها في مطلب واحد، وهو زوال النظام....: (إلى الجحيم يا كيزان!!.... الخ).


    كما استرعى انتباهي في أخبار الأسبوع المنصرم زيارة الرئيس البشير لجمهورية الجزائر التي أكد المراقبون والمحللون النابهون أنها ذات صلة بمسألة توازن القوى بالشرق الأوسط؛ إذ قالوا فيما قالوا:

-    يحاول البشير أن يدق إسفيناً بين نظام بوتفليقة و نظام السي سي، وأن يحمل الجزائر على رفع يدها عن ليبيا حتى تقع لقمة سائغة في حضن الجماعات الإرهابية المسلّحة المنطلقة أساساً من أحشاء الإخوان المسلمين، وتحديداً من "التنظيم الدولي" وواسطة عقده الثالوث المعروف: تركيا و إيران و قطر، بالإضافة "للكادر السري"، أي النظام السوداني وتوابعه بشمال وغرب إفريقيا (فرع القاعدة وبوكو حرام).

-    و يحسب نظام البشير أن عزل ومحاصرة مصر من ناحية حدودها الغربية سيشكل إضعافاً للمحور الذي يتصدى الآن لنظام الأسد ولدولة داعش الشبحية Phantom بسوريا وشمال غرب العراق، ولدولة الحوثيين الإنقلابية في اليمن - ذلك المحور الذي يتألف من السعودية والإمارات ومصر، والذي يخوض غمار ثلاث حروب جوية في وقت واحد: ضد نظام الأسد، وضد مواقع الدواعش بالعراق، وضد الحوثيين وفلول ع ع صالح باليمن (السعيد)؛ وإضعاف هذا المحور يعني بالضرور تقوية المحور المناوئ بزعامة إيران ومعها حزب الله بلبنان ونظام الأسد والشيعة العلويين بسوريا والشيعة الحوثيين باليمن، وباقي الحلفاء - التنظيم الدولي للإخوان المسلمين و النظام السوداني... إلخ. و لا يخدعنّك البتّة يا رعاك الله أن النظام السوداني قد انفتح مؤخراً على السعودية وخطب ودّها وتبرّع ببعض الطائرات الحربية العتيقة للمجهود الحربي، وأعلن تنصّله من الحلف الاستراتيجي مع إيران؛ هذا مجرد تمثيل في تمثيل و ضرب من سلوكيات التقيّة - مثلما فعل البشير عندما استولى على الحكم في الخرطوم عام 1989، إذ ذهب مجتاحاً للقصر الجمهوري، بينما ذهب مدبّر الإنقلاب وعرّاب النظام الشيخ حسن الترابي إلى سجن كوبر.

-    وقدّم البشير للجزائريين شيكاً على بياض يسمّى الأراضي الزراعية بالسودان، داعياً القطاعين العام والخاص للإستثمار المكثف رأسياً وأفقياً فيها على جناح السرعة،  وأخذ نصيبهم منها قبل أن يتقاسمها العرب السعوديون والخليجيون والمصريون فيما بينهم. ولا ادرى هل شالته الهاشمية الجعليّة (التي يتلبطّ فيها)، أم هو الاستلاب الخنوعي الناجم عن مركب النقص أمام هؤلاء البيض المُلُس الناعمين المهندمين المدبلجين بالثقافة واللغة الفرنسية، أم هي فقط تعليمات التنظيم الدولي الهادفة لرشوة الجزائر بغرض تحييدها فيما يختص بالصراع الليبي الداخلي؟ ومن ناحية أخرى، هل الأراضي السودانية ملك لآل البشير أو للإخوان المسلمين المجرمين حتى يتجوّدوا بها بمثل هذه السذاجة والانبطاح لكل من هبّ ودبّ؟ وما هي علاقتنا التاريخية أو التجارية أو الاستراتيجية مع الجزائر وأهلها؟ وماذا جنت أو ستجني الخزينة العامة من هذه الصفقات؟ وهل أبداً انعكست أو ستنعكس على الحالة الاقتصادية السودانية المتردية؟ وهل تتم هذه الأشياء بحضور الإعلام الحر والرأي العام السوداني، ناهيك عن أصحاب الأرض من أهل البادية؟

( وفي هذا الصدد فإنني أحيل القراء الكرام لمقال العلامة شوقي بدري الأخير بالصحف الإسفيرية الذي تناول زيارة البشير هذه وتبرعه للجزائريين بالأراضي السودانية، سارداً تجاربه مع هؤلاء الأقوام في أوروبا. وأذكر بهذه المناسبة حادثتين:- - عرّفتني زميلة جزائرية كنت أحترمها حتى ذلك الوقت بجامعة ليدز في انجلترا عام 1981، عرّفتني بأستاذ أوروبي قادم من باريس قائلة هذا الفاضل من السودان. فسأل الرجل: أي السودانات؟ ولعله قصد السودان الفرنسي أم البريطاني كما كانا يعرّفان بأطالس الأربعينات والخمسينات؛ وهنا قالت له: إنه من السودان الذي كنا نجلب منه العبيد؛ فاستشطت غضباً ولقنتهما درساً فى التاريخ والجغرافيا ولعنت سلسفيل أحمد بن بيلا الذي كنا متعلقين به، "والذي طوّعه السجن فانقلب أخاً مسلماً،  ولم يرتفع لمستوى إبن جيله المناضل نيلسون مانديلا الذي صمد 27 سنة بمعتقل جزيرة روبن وخرج رئيساً لجنوب إفريقيا الحرة الديمقراطية، أرض one man one vote". والحادثة الأخرى هي ما قرأته في أحد كتب م ح هيكل الذي يتحدث فيه عن مؤتمر قمة عربي مصغّر بعد نكسة يونيو 1967 بالقاهرة، حضره الرئيس الجزائري هواري بومدين قبل الآخرين، وكان جالساً مع عبد الناصر ورئيس آخر، لعله الملك حسين، وتناهي إليهم أن رئيس مجلس السيادة السوداني اسماعيل الأزهري قد وصل، وأمر عبد الناصر بإحضاره للاجتماع فوراً، ولكن بومدين تدخل وتبرع بالذهاب للتعاطي مع الزعيم الأزهري، وكان له ذلك؛ فخرج وعاد بسرعة فائقة، ولما عبر الرئيس عبد الناصر عن دهشته قال بومدين: لا تلقوا بالاً له، فقد أقنعته بعدم ملاءمته لحضور الاجتماع. ولم يسترسل هيكل أكثر من ذلك، غير أن اللبيب الذي يفهم بالإشارة يستنتج الآتي:- لا بد أن بومدين قد قال للرئيس الأزهري الذي جاء أصلاً للإعداد لمؤتمر اللاءات الثلاثة المزمع بالخرطوم: ما شأنكم أيها "السوادنة" بالعرب؟ لماذا تحشرون أنوفكم في الشأن العربي أكثر من اللازم؟)

    و الخبر الثالث الذي توقفت لديه هو تعيين الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الاستثمار السابق ووزير الخارجية الأسبق وأحد أبرز قادة المؤتمر الوطني سفيراً عادياً (وليس فوق العادة) بالمملكة العربية السعودية، وهو أمر يتعلق أيضاً بمسألة بيع الأراضي السودانية للمليونيرات العرب، واستلام الكمّيشن  واستحقاقات السمسرة، وترتيب الشراكات المريبة التي تنطوي عليها هذا العمليات. ونسبة لمعرفتي بالدكتور مصطفى منذ 1981 ومتابعتي لمسيرته منذئذ، فإن الأمانة تقتضي إلقاء الضوء على هذه الشخصية الخطيرة، وعلى الملابسات الراهنة محلياً وإقليمياً التي تكتنف إرسال م ع اسماعيل ممثلاً للنظام في الرياض:

1.    لا يخالجني أدنى شك في أن الخارجية السعودية سوف لن تقبل ترشيح الدكتور مصطفى لسبب بسيط وهو أن هذا الرجل كان سكرتير "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي"، مؤتمر الأممية الإخوانية الأول من نوعه الذي انعقد بالخرطوم في أول أيام حكومة الإخوان المسلمين - في 22 أبريل 1991- بحضور ممثلي الإخوان المسلمين من كل العالم، بما في ذلك الكويت  والسعودية وكافة دول الخليج. ولقد عكس نشاط الدكتور مصطفى بذلك المؤتمر، وتواصله وتفاعله مع المؤتمرين، أنه من أهم الكوادر الأصيلة بالتنظيم الدولي؛ ولم يبدر من الدكتور حتى الآن ما يشير لتنصّله من مسؤولياته بذلك التنظيم، على الرغم من أنه تنصّل من ولي نعمته الدكتور الشيخ حسن الترابي الذي استقطبه للمؤتمر الشعبي، وعينه سكرتيراً له وهو مازال حصرماً وغرّاً عائداً لتوّه من البعثة الدراسية بليدز، انجلترا، حيث كانت ميزته الوحيدة أنه صديق مقرب من الأستاذ محمد حسن الترابي مبعوث جامعة الجزيرة بليدز وإبن شقيقة الدكتور حسن، وزعيم جماعة الإخوان بالمملكة المتحدة آنئذٍ؛ ولقد تنصّل من الدكتور حسن أيام المفاصلة في 1999، رغم أنه لم يكن من العشرة الموقّعين على المذكرة المشهورة، إذ كان يلعب على كل الحبال و يراقب الموقف من داخل القصر، وفي نفس الوقت من داخل فيلا الشيخ حسن بالمنشية، بقرون استشعار شديدة الحساسية؛ وحتى آخر لحظة ما كان أحد يستطيع أن يتكهّن إلى أي الفريقين ينتمي الدكتور مصطفى- جماعة المذكرة المقيمين بالقصر الجمهوري في معية عمر البشير، أم عصبة الترابي المقيمين لديه بالمنشية؟! و لما هدأت العاصفة و تمايزت المعسكرات بوضوح قاطع، فوجئ الناس بوجود مصطفى ضمن جماعة القصر، وترسخت لديهم قناعة بأنه كان يتواجد بمنزل الشيخ حسن كمجرد "غواصة" mole لفريق المذكرة.

2.    وسبب آخر لعدم قبوله كسفير هو أن هذا الرجل تمت مكافأته على خيانته لمعلّمه الشيخ حسن بتعيينه وزيراً للخارجية، وكانت فترته بتلك الوزارة هي التي شهدت بناء وازدهار العلاقات مع إيران الملالي حلفاء الإخوان المسلمين، وشهدت الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي بموجبها تم تشييد مصنع اليرموك للصناعات الحربية بالعاصمة السودانية (الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية قبل بضعة شهور)، ومصنع الشفاء بالخرطوم بحري (الذي مسحه من الوجود الأسطول السابع الأمريكي عام 1998)؛ كما شهدت فترته بالخارجية ترسيخ العلاقات مع نظام صدام حسين والانصياع والتأييد لموقفه الخاص بالكويت منذ غزوها في الثاني من أغسطس 1990 حتى طرده منها مذموماً مدحوراً.

3.    ومكمن الخطر الأساسي في حالة الدكتور مصطفى أنه من أنصار التمسّك بالعلاقة الإستراتيجية مع إيران، وفي نفس الوقت مصانعة الدول الخليجية  والضحك على ذقونها، كما ذكر بعظمة لسانه في اجتماع القيادات العسكرية  والأمنية السودانية قبل عام بالضبط من الآن، والذي تسرّبت وقائعه للصحف الورقية والإسفيرية - وقمت بتلخيصه ونشره في مقال بعنوان (المحور الإيراني السوداني- تأبط شراً)، ظهر في "الركوبة" و Sudaneseonline  يوم 30 سبتمبر2014م، وقد صدّرته بمداخلة م ع اسماعيل في ذلك الاجتماع:

(في المكشوف، دعونا نحافظ على علاقات جيدة مع دول الخليج، و لكن علاقتنا بإيران علاقة استراتيجية، ويجب أن تدار سراً من قبل المخابرات العسكرية و الأجهزة الأمنية) د. مصططفى عثمان اسماعيل الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم- 13 أغسطس 2014 م.

4.    إذاً، فإن الدور المتوقع من الدكتور مصطفى هو مصانعة الإخوة السعوديين لكفكفة بصرهم عن العلاقات المشبوهة بين الخرطوم وطهران، وعن الطبيعة الشريرة للنظام السوداني، في ظل الأجواء الأخيرة المواتية بعد مشاركة السودان - ولو رمزيا - في "عاصفة الحزم"؛ وهذا الدور يحتاج لشخص بمهارات الدكتور مصطفى في إجادة فقه التقيّة وتجويد الدبلوماسية بعد سنينه العديدة كوزير خارجية؛ وهو حقيقة دائم الابتسامة ومهندم ويبدو ودوداً وطويل البال، على الرغم من أنه ضامر المخزون الثقافي، (ولن أنسى أنه ذات مرة - في عام 1984- على إثر استقالتي من الحزب الشيوعي عندما كنت معه في ليدز مبعوثين بجامعتها، أن سألني في لحظة صفاء: "هل صحيح يا فاضل أن الشيوعيين يتزوجون أخواتهم؟"؛ أنظر يا صاحبي لنطاسي الأسنان هذا الذي كان يتلقى دراسة فوق الجاميعة، وكان رئيساً لرابطة السودانيين بليدز، وأحد أهم زعماء الإخوان المسلمين بالمملكة المتحدة !).

5.    وهنالك دور أمني ينتظر السفير مصطفى كذلك، وهو ملاحقة المعارضين السودانيين بالخارج والتنكيل بهم كلما وجد سبيلاً لذلك، وهذا ما تم الإعداد له على نار هادئة عبر السناريو الآتي ذكره:

-    لقد جرّبت الخرطوم إرسال كادر أمني إخواني رفيع المستوى ضمن البعثة الدبلوماسية في جدة، وظل قنصلاً بها لعدة سنوات، وهو الدبلوماسي أحمد يوسف محمد، الذي نقل بعد ذلك عام 2013 سفيراً بالإمارات العربية المتحدة واستقر بها حتى هذا العام. وهذا الكادر المتنفّذ كان قد طرد من الولايات المتحدة عام 1998 لتورطه في تهريب الأسلحة بسيارته الدبلوماسية لصالح المجموعة التي كانت تخطط لنسف مبنى الأمم المتحدة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز هذا الخبر بتاريخ 11 أبريل 1998:

 (    The New York Times- The United Nations, April 10 - The United States announced today the expulsion of a Sudanese diplomat whom it accused of supplying inside information to Islamic terrorists who were convicted last year of plotting the destruction of  the United Nations and other New York landmarks after the bombing of the World Trade Centre.

    The Sudanese Mission was told on Tuesday that its second secretary, Ahmed Yusif Mohamed, had been involved in terrorist and espionage activities and must leave the country within two days, said James P. Rubin, a spokesman for the United States Mission.)

    و بعد عودته للخرطوم تم نقل أحمد يوسف للبعثة الدبلوماسية بفيّينا عاصمة النمسا كسكرتير أول، ولكن النمساويين سرعان ما اكتشفوه وطردوه فوراً. وكانت محطته التالية هي القنصلية السودانية بجدة حيث طاب له المقام لعدة سنوات، ومن بعدها تم ترفيعه ونقله سفيراً بأبوطبي، إلى أن غادرها هذا العام، بعد أن تم تكريمه بواسطة الخارجية الإماراتية في آخر يوم لإقامته، ولعله تكريم لشعب السودان في شخصه، (والملاحظ أنه على كل حال لم يكمل فترته الموسومة بسفارة أبوظبي التى تمتد عادة لأربع سنوات).

    وهكذا، وجد الدكتور مصطفى الأرض ممهدة للعمل الدبلوماسي متعدد الأغراض بالدول العربية التي يظنون أنها لا تكترث كثيراً لخلفية المتنفذ الدبلوماسي الإيديولوجية  والأمنية. وربما تتجاوز السلطات السعودية عن الشوائب التي تكدر صورة السفير المرشح الدكتور مصطفى بسبب بلائه في تشجيع المستثمرين السعوديين فى الأعوام القليلة الماضية عندما كان وزيراً للإستثمار، فقد لعب دوراً مفصلياً في المؤتمر الذي عقد بمطلع هذا العام بالرياض حول الاستثمار في السودان؛ ولقد منح السعوديين ملايين الأفدنة لزراعتها أعلافاً و قمحاً بفيافي البطانة وفلوات شمال السودان، عن طريق الآبار الجوفية المكتنزة بمياه عذبة لا نهائية؛ وخير من يتابع تنفيذ هذه المشاريع وتخليص أوراقها من براثن وأضابير البيروقراطية السودانية هو الدكتور مصطفى بحكم علاقته اللصيقة بالمسثمرين وبكافة أنواع الاستثمار، وبحكم موقعه المتنفذ فى الحكومة ( لمدة ربع قرن) وحزبها الحاكم.
    وربما تكون المؤهلات المذكورة أعلاه هي التي أقنعت البشير بإرسال هذا الكادر القيادي للسفارة في الرياض، ولكن يخالجني شك بأنه في الحقيقة يحاول أن يقفز من السفينة الآيلة للغرق  بطريقة بهلوانية وفهلوية للغاية. ويبدو أنه قد تم تهميشه بعض الشيء فى الآونة الأخيرة، إذ خرج من مولد توزيع الحقائب الذي أعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بدون حمص، ولقد حل محله بالخارجية التي كان يحلم بالعودة لها، حل محله زميله بمهنة طب الأسنان وصديقه منذ السبعينات د. ابراهيم غندور. وربما أحس مصطفى أن (الميري إذا فاتك فلتتمرغ في ترابه)، وآثر (الرقاد فى السليم) فقبل بمنصب السفير بالمملكة، إذ أن الشرق الأوسط كله والسودان خاصة مليء بالمفاجآت والإهتزازات البركانية، باستثناء العربية السعودية. كما قد استشعر الدكتور مصطفى بحكم عيشه وسط النخبة المتحكمة بالقصر الجمهوري أن النظام أخذ يتخبط، مثل النميري في آخر أيامه، وربما ينقلب البشير فجأة على الكوادر الإخوانية، مثلما فعل الرئيس نميري قبيل مغادرته للولايات المتحدة بآخر مارس 1985، عندما أرسلهم جميعهم إلى معتقل شالا بدارفور، عازماً أن يذبحهم عن بكرة أبيهم بعد عودته من أمريكا؛ ولكن لحسن حظهم تفجّرت إنتفاضة أبريل 1985 في نفس ذلك الأسبوع، ولم يعد النميري، إنما بقي بالفيلا التي أعدها له صديقه حسني مبارك بمصر الجديدة بالقاهرة.

    وخير ملاذ للدكتور مصطفى هي السعودية بلد الأمن والأمان منذ عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، مثله مثل عيدي أمين دادا و الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

    ولكن، وحتى يتم القضاء على نظام البشير الذي يلفظ انفاسه الأخيرة، سيظل م ع إسماعيل عيناً mole للمحور الإيراني الإخواني داخل العاصمة السعودية، من النوع الذى قال عنه وليام شكسبير في هاملت:

A mole it is that troubles the mind’s eye.

والسلام.


fdil.abbas@gmail.com

 

آراء