يتفق الاقتصاديون حول تعريف مفاهيم الاستقرار المالي، الذي وصف بأنه القدرة علي تحقيق الاستقرار في كل عناصر القطاع المالي بصورة متوازنة. ويتكون القطاع المالي من ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في "المؤسسات المالية" ومكوناتها من البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى، والثانية "الأسواق المالية" تتمثل في أسواق رأس المال وأسواق النقد، والثالثة هي "البنية التحتية"، والتي وتعتبر أهم مكونات هذا المزيج، وتتمثل في الأطر التنظيمية والقانونية ونظم الدفع والمحاسبة ، هذا وتعمل جميع هذه المكونات لخلق البيئة المالية. تنتج أهمية البيئة المالية المتوازنة الناتجة عن دور القطاع المالي في الاقتصاد لتحقيق الإستقرار المالي. ونركز هنا على أحد أهم مكونات المؤسسات المالية ألا وهي البنوك المركزية، والتي تهتم مجتمعة بإرساء مفهوم الاستقرار المالي من خلال التعامل مع الأزمات المالية وقت حدوثها، وتأهيل المصارف للاستعداد للصدمات المتوقعة، ومنع إنتقالها إلى مكونات البيئة المالية الأخرى وباقي القطاعات الاقتصادية بالدولة، لذلك هناك مبادئ أساسية متفق عليها تتمثل في الشفافية، وحوكمة المؤسسات، وربط مؤشرات الاقتصاد الكلي مع السلامة المصرفية لتحقيق إنضباط الأداء سواء بالأسواق المالية، والمقدرة على التسويات المالية الداخلية والخارجية. وهنالك علاقة مترابطة بين الاستقرار المالي والاستقرار الاقتصادي، حيث أن انضباط إحداهما يوفر فرصة للآخر مشمولة بسياسات نقدية ومالية جيدة، مع تخصيص شفاف للموارد المالية، غير أنه من الملاحظ في كثير من الدول النامية أن انضباط البيئة الاقتصادية الكلية يسهم في تحقيق الاستقرار المالي وسلامة أداءالمؤسسات المالية لتعزيز السيولة والربحية مع توظيف المدخرات المحلية، وهذا مما يساعد علي تغطية مخاطر تقلبات أسعار الصرف والفائدة، والذي يؤمن بدوره استقرار المدفوعات الخارجية للمؤسسات المالية خاصة البنوك، في حين تهتم هذه الدول بوضع سياسات للاستقرار الاقتصادي من حيث معالجة المشاكل الاقتصادية قصيرة الأجل مثل مشاكل التضخم، ورصيد الاحتياطي النقدي، وهروب رأس المال الوطني للخارج. وتعد المشكلات قصيرة الأجل والتي هي محور إهتمام بعض الدول النامية تسلسلا مستمرا يحول دون تحقيق سياسات شاملة طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار المالي، إذ أن تراجع النشاط الاقتصادي يؤدي إلى عدم وفاء الشركات بإلتزاماتها تجاه المصارف، أو قد يتعذر قيام مشروعات جديدة نتيجة لضعف القدرة الشرائية، ونتيجة لذلك تكثر البطالة نتيجة لعدم استيعاب عمالة جديدة أو تقليص الموجود مما يقلل من الادخار العائلي، أو صعوبة الحصول علي قروض بنكية مما يسهم في زيادة حجم الديون المتعثرة لدى المصارف. ويخلق إرتفاع نسبة التعثر المؤقت أحيانا ما يسمى بالفقاعة السعرية في السوق وهي ناتجة من إرتفاع قيمة الضمانات المقدمة للمصارف للحصول على قروض بما لا يعكس القيمة الحقيقية للأصول. ويؤدي استمرار هذه الفقاعة لارتفاع متسابق لأسعار الضمانات، سواء كانت عقارية أو منقولة ، فتتحول المشكلات قصيرة الأجل إلى مشكلات مزمنة تلازم الاقتصاد الكلي. لذلك عرف بنك التسويات الدولي مفهوم الاستقرار المالي بإنه حالة ينتفي فيها وجود عوامل تؤثر على تقلبات مفاجئة وغير مبررة لأسعار الأصول، ومقدرة المؤسسات المالية على مواجهة الالتزامات التعاقدية. وينبيء مفهوم الاستقرار المالي لبنك التسويات بوجود عدم استقرار مالي في الدول النامية التي تعاني من "فقاعات السوق التسعيرية"، والتي لايمكن الخروج منها في ظل سياسات التخطيط القصير الأجل، وعدم الوصول إلى الشمول المالي في الدولة ، ولتبنى رؤية استراتيجية طموحة لتحسين الشمول المالى في الدول النامية والأقل نموا ، من خلال تعزيز التعاون بين البنوك المركزية العالمية ، واتحادات البنوك، والمعاهد المصرفية لدعم التثقيف المالى وتحسين فرص الوصول للخدمات المالية ، وذلك من خلال عدة محاور أخرى أهمها الشمول المالى في التنمية الاقتصادية، وأهمية الشمول المالى في تعزيز الاستقرار المالى والاجتماعى، والشمول المالى ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وذلك لتحقيق التناغم بين استراتيجيات المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشمول المالى والتعليم والتوظيف بهدف دعم الشمول المالي والاستقرار ،كذلك في سبيل مكافحة غسل الأموال، والحد من تمويل الإرهاب، ودور الابتكارات التكنولوجيه المصرفية لتعزيز الاستقرار المالى وتعميم الخدمات المالية . كذلك ساهمت كثير من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية في مبادرات لتحسين الاستقرار المالي للدول المتاثرة بالأزمات العالمية مباشرة والاخري التي إنتقل اليها تاثير الازمات العالمية ، وتركزت تلك المبادرات حول إصلاحات هيكلية بالأنظمة الرقابية للمصارف من خلال مفاهيم حوكمة البنوك المركزية. ويعرف بنك التسويات الدولية الحوكمة في المصارف بأنها الأساليب التي تدار بها المصارف من خلال مجلس الإدارة والإدارة العليا والتي تحدد كيفية وضع أهداف البنك والتشغيل وحماية مصالح حملة الأسهم وأصحاب المصالح مع الالتزام بالعمل وفقا للقوانين والنظم السائدة وبما يحقق حماية مصالح المودعين. أما الركائز الأساسية للحوكمة التي لا بد من توافرها حتى يكتمل إحكام الرقابة الفعالة على أداء البنوك فهي تتلخص في الشفافية، وتوافر المعلومات، وتطبيق المعايير المحاسبية الدولية، والنهوض بمستوى الكفاءات البشرية من خلال التدريب، ولا يرتبط نجاح الحوكمة في الجهاز المصرفي فقط بوضع القواعد الرقابية فحسب، ولكنه يرتبط أيضا بأهمية تطبيقها بشكل سليم، وهذا يعتمد على البنك المركزي ورقابته من جهة، وعلى البنك المعني وإدارته من الجهة الأخرى. ويجب أن تكون إدارة البنك مقتنعة بأهمية مثل تلك القواعد والضوابط، مما يساعد على تنفيذها،وهذا ما يكشف عن دور كل من مجلس الإدارة بقسميه التنفيذي وغير التنفيذي، ولجان المتابعة التي توفر له البيانات اللازمة عن أداء البنك، وإدارات التفتيش داخل الجهاز المصرفي التي تعرض تقاريرها على مجلس الإدارة والمساهمين، الذين يجب أن يقوموا بدورهم في الرقابة على أداء البنك ، إلى جانب المساهمة في توفير رؤوس الأموال في حالة حاجة البنك إليها.
nazikelhashmi@hotmail.com