ملاحظات حول تسعير المصارف الإسلامية
دفع الاهتمام المتزايد بالخدمات المصرفية الإسلامية بالكثير من المهتمين بالمنتجات المالية الإسلامية للبحث عن وسائل وطرق لتسعير الخدمات المالية التي تقدمها تلك المصارف الإسلامية، وذلك لما تمثله من إضافة نوعية إلى أدبيات الصناعة المصرفية الإسلامية الكامنة في صيغ الاستثمار وأدواته، والمختلفة كليا عن نظيراتها في البنوك التقليدية.
وبما أن فلسفة هذه المصارف تقوم بالأساس على المشاركة بالربح والخسارة والتي يصعب أحيانا قياسهاإلإ بعد انتهاء المصرف من تقديم الخدمة وعليه يمكن قياس تسعير بقية الخدمات، على عكس ما هو موجود في المصارف التقليدية، إذ أن تكلفة الائتمان تحدد بموجب سعر الفائدة. ويعد عامل التكلفة هذا محددالإتخاذ القرار في طلب التمويل من عدمه، وبناء على هذا يمكن أن تتحدد علاقة العملاء مع المصرف. ويتأثر عامل التسعير كذلك بعنصر الكلفة وظروف السوق وعامل المنافسة مع الخدمات المصرفية في إطارها العام، لذا فإن موضوع تسعير الخدمات يتطلب الأخذ في الاعتبار الميزة التنافسية التي تسعى لها المصارف الإسلامية لطبيعة خدماتها في عدم التعامل مع سعر الفائدة.
ونتناول هنا أحد أهم أدوات صيغ الاستثمار وهي البيوع الاستثمارية وتسعير المرابحة في المصارف الإسلامية في تحديد العلاقة بين التسعير وتحديد الربح وكيفية احتسابه في عقد المرابحة، وكذلك العوامل المعتمدة في تحديد سعر المرابحة ووسائل تسعيرها في المصارف الإسلامية، وبالتحديد المرابحة للأمر بالشراء. ولتك الجوانب أهمية كبيرة وذلك لاعتبارات عدة منها انخفاض درجة المخاطرة بشكل كبير مقارنة مع بقية الأدوات الأخرى مثل المضاربة والمشاركة ، وتحقق بالتالي عائدا أفضل على الاستثمار المتحقق وكذلك لكونها أداة تمويل قصيرة الأجل تساعد المصرف على استرداد أمواله بسرعة وتوظيفها في عملية أخرى، ويمكن النظر لكل ذلك آخذين في الاعتبار حاجة المصارف الإسلامية للسيولة بشكل مستمر.
إن عقد المرابحة هو اتفاق بين طرفيْن، يبيع بموجبه أحد الأطراف (المصرف) سلعاً أو أصولاً محليّة أو مستوردة، بعد شرائها وتملّكها وقبضها، إلى الطّرف الآخر (العميل)، مع إصدار وعد من الطّرف الأول بشراء السّلعة المتفق عليها وفق شروط وأحكام معيّنة. ويتكوّن سعر البيع من التكلفة الفعلية المعروفة للطّرفين، وهامش ربح متّفق عليه. ويشتري المصرف السلعة المتفق عليها بمواصفات مُحددة وبكمية مُعينة، بناءً على طلب الزبون الواعد بالشراء، بثمن عاجل من المورّد الأصلي، بعد أن يوقّع الزبون وعداً بشراء السلعة بثمن آجل، بعد أن يتملّكها المصرف وتدخل في حيازته المادية أو الحكمية. ثم يدفع الزبون مبلغاً من المال يسمّى (هامش الجديّة)، يُحفظ لدى المصرف إلى حين بيعه السلعة على أساس عقد بيع المرابحة.
ووردت في بعض كتب الفقه الإسلامي في شأن عقود البيوع قاعدة خاصة بوضعية (جائزة السداد المعجل)، وسميت بقاعدة (ضع وتعجل) ، وهي عبارة عن التنازل عن جزء من الدين في مقابل الوفاء به قبل حلول أجله. ووردت كثير من الفتاوى حول إستفسارات من أهل الشأن والمحللين المالين حول تأثير ذلك علي ربحية المصرف، رغم أنه لا خلاف بين المجتهدين في جواز الوفاء بالدين قبل حلول أجله برضا الدائن والمدين، وكذلك في جواز تنازل الدائن عن جزء من دينه دون شرط مسبق. وعلى ذلك فيمكن للمصرف أن يتنازل عن جزء من الدين لمن قام بسداد الدين قبل حلول أجله دون شرط لأن ذلك لا يعد من الربا، ولا يتضمن شبهة الربا (كما جاء في مجلة "الأحكام الشرعية" مادة 753). ودرجت كثير من البنوك المركزية في منطقة الخليج علي سبيل المثال على فرض رسم يقدر بنسبة (1%) تحت مسمى خصومات أسترجاع الارباح المسددة مبكرآ علي المصارف الاسلامية والتقليدية ، على حد سواء وذلك بصفتها الجهه الرقابيةالمالية التي تقوم على خلق التوازن لتحديد الأطر المالية العامة للدولة. وهنا يرى بعض المحللين أنالاختلاف في طبيعة مكونات الخدمات المقدمة من قبل المصارف الاسلامية والتقليدية تستوجب النظر في خصوصية كل نظام في التعامل مع رسم (استرجاع الأرباح).
يرى بعض المصرفيين (وأنا منهم) أن خصومات إسترجاع جزء من الربح مقابل التخلي عن الزمن المحدد بالتبكير في السداد لا يصب في مصلحة المصارف التي تسعي دائما إلى الحصول على الإيرادات كاملة، والتي تم تقديرها مسبقآ وفقآ لفترة زمنية محددة، ووفق موازنة محكمة تبني عليها الالتزامات عند الطرف الاخر تقديرآ على ذلك. غير أن إسترجاع التمويل قبل الوقت المحدد قد يحقق قدرامن السيولة للمصرف يمكن إعادة تشغيلها أو إستثمارها. الا أن ذاك يتطلب قدرا من المصروفات والتكلفة ودرجة من المخاطر لتوظيفها مرة أخرى. كما إنها قد تكون غير خاضعة للتخطيط المسبق.
غير أنه يوجد في ذات الإطار خلاف بين مجالس الرقابة الشرعية في المصارف حول جواز فرض غرامات تأخير في عمليات المرابحة التي تتجاوز فتراتها الزمنية المحددة والمتفق عليها في العقد ( بحسب ما ورد في الكتاب الثالث من فتاوى الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية السوداني). غير أن هذه المجالس تتفق على جواز أن يتفق المصرف مع العميل المدين على أن يدفع تعويضاً عن الضرر الذي يصيبه بسبب تأخره عن الوفاء، شريطة أن يكون الضرر الذي أصاب المصرف ضرراً مادياً وفعلياً، وأن يكون العميل موسراً ومماطلاً. ولعل خير وسيلة لتقدير ذلك التعويض هو أن يحسب على أساس الربح الفعلي الذي حققه المصرف في المدة التي تأخر فيها المدين عن الوفاء بدينه. فإذا أخر المدين الدين ثلاثة أشهر مثلاً، ينظر المصرف لما حققه من ربح في هذه الأشهر الثلاثة، ويطالب المدين بتعويض يعادل نسبة الربح الذي حققه. وإذا لم يحقق المصرف ربحاً في تلك المدة لا يطالب بشيء، إسنادآ إلى أنه ينبغي أن يتخذ المصرف كل الاحتياطات الممكنة التي تمنع العميل من المماطلة، ويتجنب المطالبة بالتعويض وذلك بتوثيق الدين بكفيل أو رهن، كما ينبغي أن يكون الرهن مصاحباً للعقد أو سابقاً له، فالرهن يمكن أخذه عن الدين الحادث كما يمكن أخذه عن الدين الموعود قبل حدوثه.
ونختم القول بإنه ربما كان من الأفضل أن يتم خصم معين لمن يقوم بالسداد قبل حلول الدين، (دون اتفاق مسبق مع العميل)، خاصة إن إقتضت مصلحة المصرف حصوله على ديونه قبل موعدها من بعض العملاء، وذلك بصفة فردية تقديرية من المصرف ، كما أنه لا مانع من أن يعلم المصرف العملاء بهذه السياسة مسبقاً دون إرتباط شفوي أو كتابي في العقد أو بعده ، وإنما يكون ذلك بإرادة منفردة من المصرف، ودون أن يتدخل المصرف المركزي في ذلك.
nazikelhashmi@hotmail.com