*استمعنا في المنتدى الأدبي السوداني بسدني الثلاثاء الماضي لإفادة شاهد عيان لأيام مجيدة في تأريخنا الوطني ما زالت خالدة في ذاكرة ووجدان الشعب السوداني رغم كل محاولات التعتيم عليها أو تلوينها ونسبتها إلى حزب ما أو زعامات بعينها.
*إنها أيام أكتوبر١٩٦٤م التي اندلعت في جامعة الخرطوم لكنها سرعان ماعمت القرى والحضر وحدث التفاف شعبي غير مسبوق حولها إلى أن انتصرت الإرادة الشعبية بعد أن انحازت لها القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.
* محدثنا في المنتدى الذي كان طالباً بالسنة الثانية في كلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية قال في بداية حديثه إن الأجواء كانت ضاغطة للاتجاه نحو الحل السياسي لمشكلة "جنوب السودان" بعدأن ثبت للجميع أن طريق الحرب طريق مسدود وبلا طائل.
* قال شاهد العيان المقيم حالياً في سدني جعفر عبدالله إن أول ندوة أقيمت حول مشكلة الجنوب كانت باللغة الإنجليزية ‘ بعدها ارتفعت أصوت تطالب بإسقاط النظام الأمر الذي أدى لحظر قيام الندوات.
*أصر الطلاب على قيام الندوة وأعدوا أنفسهم لقيامها لكن الشرطة تدخلت وطلبت منهم إلغاءها‘ حينها طلب سكرتير اتحاد طلاب الجامعة منهم أن يتفرقوا بسلام‘ لكن المجلس الأربعيني عقد جلسة طارئة وقرر رفع مذكرة احتجاج يستنكر فيها دخول الشرطة الحرم الجامعي‘ كماقرر قيام ندوة داخل الجامعة يوم ٢١ أكتوبر١٩٦٤م‘ وعند محاولة وفد الاتحاد تقديم المذكرة تم اعتقالهم.
*مضى جعفر قائلاً : تم تشكيل لجنة الظل لتسيير أعمال الاتحاد وإقامة الندوة وبالفعل بدأ العمل على قيام الندوة قرب داخلية عطبرة الجديدة تحت الإنشاء آنذاك‘ لكن الشرطة تدخلت وتصاعد الموقف بعد إطلاق الرصاص على الطلاب وازداد التوتر بعد استشهاد أحمد القرشي وإصابة بابكر عبد الحفيظ الذي استشهد في المستشفى.
*لسنا في حاجة إلى سرد التفاصيل التي تحتاج بالفعل إلى إعادة قراءة وتحليل لكن لابد من التوقف عند تجربة قيام جبهة الهيئات التي كانت تقود الحراك الجماهيري من داخل نادي أساتذة جامعة الخرطوم‘ وكيف تشكلت بعد ذلك الجبهة القومية الموحدة بمشاركة الأحزاب السياسية والتي أدارت التفاوض مع المجلس العسكري إلى ان تم الاتفاق على قيام مجلس وزراء مدني على أن يستمر الفريق إبراهيم عبود رئيساً بلا صلاحيات تنفيذية.
*بدأت الأحداث تتسارع وظهرت الخلافات بين القوى الحديثة والأحزاب إلى أن أجبر رئيس الوزراء سر الختم الخليفة على الاستقالة لتعود الدائرة الجهنمية مدورة في دولاب الحكم .. ولم تستقر حتى الآن.
* ابتدر النقاش عصمت الدسيس منتقداً ما أسماه النظرة الرومانسية للتأريخ وقال إن مثل هذه النظرة الاجترارية قفلت مسار التغيير المدروس وجعلت السودان ينكفئ على الماضي تحت سقف هذه المحطات التأريخية.
*احتدم النقاش وسط الحضور ليخلصوا إلى ضرورة الاستمرار في تناول التجارب السودانية من جميع جوانبها للاسترشاد بالإيجابي منها وتجاوز سلبياتها‘ ونحن نسعى للانتقال إلى غد أفضل يتحقق فيه السلام الشامل العادل والتحول الديمقراطي والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة في السودان الذي يسع الجميع.