إثارة الشغب بنية التحلل أو العصيان المدني من أهل القانون

 


 

 


abdelgadir@hotmail.com

عندما ثبت وجود فساد في  مكتب والي الخرطوم لم يقدم الوالي إستقالته بل صرح وبجراءة يحسد عليها بأن هناك ضابط صغير السن "خدعه الشيطان" وقام بتزوير بعض المستندات مستخدما ختم الوالي؟؟؟ قدر الجزء الظاهر من الفساد بمبلغ 20 مليون دولار وإنتشرت أخبار "شمارات" بضلوع إبن الوالي وشقيق رئيس الحزب الحاكم في الخرطوم في ذلك الفساد، وبالطبع لم يقدم أحدا للمحاكمة!!! . ثم جاءت حيلة فقهية قانونية "مدغمسة" سميت بالتحلل.  وقيل إنه تمّ التحلل من قبل المتهمين وأرجعوا الأموال الى خزانة الدولة، وبقيت الحقيقة غائبة لا يعلمها إلا الله و بعض المسؤولين و ذلك الضابط الصغير والذي لقى حتفه في فجر أحد الأيام بعدها بسبب حادث سيارة!!!   
    تعددت قضايا الفساد وكلها تتجاوز المليارات بالجنيه الجديد، "من حقائق الفساد في السودان ما أظهره تقرير المراجع العام في نهاية العام الماضي بأن حجم الاعتداء على المال العام يقدر بأكثر من أربعة مليارات دولار"، و ظهر القليل من قضايا الفساد تلك الى العلن مثل قضية الاقطان والتي تجاوز الفسادالمالي فيها 300 مليون دولار، ولعله من قبيل الصدفة أيضا أن إغتيل  أحد الخبراء في قضايا الأقطان قبل إنتهاء هذه القضية!!! ، وظهرت قضايا حاويات المخدرات وغيرها مما يشيب له الرأس!!!
     تم تعيين د. عوض الحسن النور  "المستجلب" من دولة الامارات بواسطة شقيق زوجته الذي هو أيضا  أحد عرابي الإنقاذ و رئيس تحرير جريدة الراية السابق و شقيق أمين حسن عمر!!! نعم تم تعيينه وزيراً للعدل، وقام د.عوض الحسن بإجراء التحسينات والديكور على مستوى مكتبه  ثم على مستوى ترتيب الوزارة، ثم أعلن رغبةّ جادةّ في محاربة الفساد وأمسك بملفات بعض القضايا الهامة، و إستبشر الناس خيراً بإن "الثورة التصحيحية" السلسة ستبدأ من هنا، و شكك البعض الأخر بأن عصابة المافيا التي ترعى الفساد هي كل الشبكة الحاكمة في نظام الإنقاذ ولن يفعل دكتور عوض الحسن إلاّ كما فعل الشيخ فرح ود تكتوك مع تعليم بعير أحد ملوك مملكة الفونج أي الإنتظار....!!!  
     ثم جاءت قضية فاصلة ترجح وجهة نظر المشككين، ألا وهي قضية إبن وزيرة الدولة للعدل تهاني تور الدبة والتي تم فيها ضبط مخدرات في سيارة الوزيرة التي كان يقودها إبنها ، وصدر الحكم بشأنه بالسجن عاما مع إيقاف التنفيذ بحجة أنه طالب، والغرامة 5 الف جنيه!!!  ولم يسمع  للدكتور عوض الحسن حينها صوت!!! ، ثم بعدها بأيام تم تكريم وزيرة الدولة للعدل بمدينتها الأصلية سنار كرد على تلك الجهات التي طالبت بإقالة الوزيرة. وأثنى الدكتور فيصل حسن ابراهيم وزير الحكم الاتحاديى والذي حضر الحفل كأعلى سلطة تنفيذية ممثلة للحكومة المركزية، أثني على  الدور الذي تلعبه الوزيرة وقال انها نموذج للمرأة السودانية المصابرة والعصامية الحديدية!!!.   
    ثم أجاز البرلمان السوداني الشهر الماضي "تعديلات في القانون الجنائي السوداني، تنص على عقوبات رادعة بالسجن والغرامة لــ”مثيري الشغب” و”المهربين”. ونصت التعديلات بالسجن مدة لا تتجاوز الخمسة سنوات أوالغرامة أو العقوبتين معا في حال الإتلاف الجنائي.  وبالسجن عشر سنوات والغرامة أو العقوبتين معاً وفي حالة الإتلاف بالإغراق، أو استعمال النار أو المواد الحارقة أو الناسفة أو السامة للمرافق العامة أثناء الشغب..... كما اسقط مقترح مجلس الوزراء في المادة 68 من القانون الجنائي الخاصة بعقوبة الشغب، وجرى تعديل في المادة 182 المتعلقة بالاتلاف الجنائي التي نصت على السجن مدة لا تتجاوز 10 سنوات وبالغرامة لكل من يتلف بالاغراق او استعمال النار او المواد الحارقة او الناسفة او السامة لمرفق عام او خاص أثناء الشغب".
    نعم يا "هداك الله"، عقوبة السجن من 5 إلى 10 أعوام لمثيري الشغب، كلمة الشغب هنا يمكن أن تكون هي إطلاق صرخة احتجاج على الغلاء أو شتم الحكومة أو إلقاء خطبة لعدة دقائق في الأسواق العامة أو حتى التجمع لعدد من الشباب في أحد الساحات ولو بدون اي شعارات مرفوعة كنوع من الاحتجاج الصامت. وغيرها من أنواع التعبير السلمي.
    كان أول ضحايا  "تباشير" هذا القانون هو مقتل الطالب صلاح قمر، الطالب بالمستوى الرابع بكلية الاقتصاد بجامعة الجنينة، الذي إعتقل من قبل الاجهزة الأمنية بعد مظاهرة طلابية سلمية داخل الجامعة يوم 31/01/2016م ثم أعلنت وفاته يوم 02/02/2016م جراء التعذيب الذي تعرض له.
    الغرض من هذا المقال هو التحذير من إقتراب الطوفان، من خلال التأكيد على الموت السريري لكل ما يتعلق بالعدل، وهو  يعني إنتشار شبح الموت في كل ما عداه، والدليل هو إن أي قضية فساد كبيرة تم كشفها يصاحبها موت به شبهة تدنيه من "التصفية" الجسدية!!!. و تلك التصفيات تتم بأسأليب خفية وبأيدي خفية لها سلطة!!! والدليل كذلك على الموت السريري للعدل هو إن أي إحتجاج على الظلم أو مطالبة بحقوق يصحبه موت!!!
    وهاهو قد جاء قانون الشغب كنوع من التهديد بقوة القانون بالسجن ما بين 5 الى 10 سنوات وأحيانا العقوبة هي القتل والدليل هو جريمة قتل الطالب صلاح قمر، ولما كان مقتل طالب مقتل أمة، فلا أجد سوى الدعوة لموقف "قانوني" من أهل القانون!!!.  فكل الحوار الذي يدور منذ أكثر من شهر لا يعني شيء إذا لم تحترم حياة الطلاب!!! أيضا من نذر الشؤم ما تناقلته الأخبار هذه الأيام، بأن لجان الحوار الوطني في الخرطوم قد وافقت على تبعية جهاز الأمن والإستخبارات لحزب المؤتمر الحاكم!!! وهو يعني فيما يعني إستمرار حالة الموت السريري للعدل!!!
    إذن رغم "فزاعة " إن أهل القانون لا يحق لهم التظاهر او التجمع او تبني وجهات  نظر سياسية، لو كان هناك في السودان أهل وحماة للقانون من محامين وقضاة ووكلاء نيابة ووزيرة العدل نفسها عليهم جميعا التقدم بإستقالاتهم كنوع من الاحتجاج على الموت السريري للعدل مع إعتبار ذلك نوع من إثارة الشغب بنية التحلل حتى لا تطالهم مذبحة قضاة ثانية.
    تلك الوقفة القانونية إن لم تكن من باب الاحترام للشعب السوداني و لأساتذة وزملاء سابقون لهم مثل شدو وجلال علي لطفي والمرحومة مولانا نجاة خليل و عبدالمجيد أمام ودفع الله الرضي  ودفع الله الحاج يوسف، فلتكن من باب إحترامهم لأنفسهم ولأبنائهم وتحذيراً للشعب من إقتراب الطوفان.
    أنشد الشاعر محمد عبد الباري
    .....
    " شَجَرٌ من الحدسِ القَدِيْمِ هَزَزتُهُ
    حَتّى قَبضتُ المَاءَ حينَ تبخّرَا
    لا سِرّ .. فانُوسُ النُبوة قالَ لِيْ
    ماذا سيجري حينَ طالعَ مَا جَرَى
    فِيْ الموسمِ الآتي سيأكُلُ آدمٌ
    تفاحَتَيْنِ وَذنبهُ لن يُغْفَرَا
    الأرْضُ سَوفَ تشيخُ قبل أوانِهَا
    الموتُ سوفَ يكونُ فينا أنهُرَا
    وَسَيعبُرُ الطوفانُ مِن أوطانِنَا
    مَنْ يُقنع الطُّوفان ألا يَعْبُرَا"

    فهل كنتم يا أهل القانون في مقدمة من يتصدى لذلك الطوفان!!!

    wadrawda@hotmail.fr

 

آراء