كسر إحتكارالإعلام غاية ووسيلة
aloomar@gmail.com
على نقيض المأمول لم تزدهر حريات الإعلام العربي عقب ما قيل " الربيع العربي" . المشهد أصبح أكثر شحناً بمفردات الإستقطاب السياسي الحاد . رغم تعدد اقنية الإعلام والمؤسسات لم تتحرر الصحافة من قبضة الأنظمة . غالبية الصحف أصبحت مملوكة على نحو مباشر للدولة أو مستتبعة بواسطة رجال أعمال يديرون أموالهم تحت مظلة الدولة . هكذا أضحت الصحافة ضمن ثمرات زواج السلطة والثروة.
في ظل هذا الواقع أمسى معظم الصحافيين نشطاء سياسيين . الساحة مفروشة بالجمر ، مزروعة بالحواجز أوملغومة بالإملاءات والإغراءات . كل صحافي مهني منحاز بالضرورة إذ لامكان للإنحياز . في غياب الحريات مع تعاظم الإستقطاب هبط العرض .الأداء يتجه نحو الإسفاف أحياناً . البيئة لم تعد تعين على الإبداع . التنفس المهني يمارس بشق الأنفس.
رياح " الربيع العربي " لم تهب على الخرطوم غير أن السودان ليس بعيداًعن محيطه. هو جزء من عالم يزداد إنقسامات وتمزقاً لجهة الفوضى. كما في الوطن العربي لا تلبي الصحافة طموح الشعب في ظل إستتتباعها الدولة . ربما يكون حال الصحافة السودانية الراهن يعبر إحدى أكثر فتراتها تردياً ان لم يكن أغلبها في إطلاق.
الحكم مرده الهيمنة الحكومية . الإحتكارأفضى إلى تهالك البنىة التحتيةللصناعة. شكل أغبر ، مضمون رث إلا ماندر. البيئة في مجملها طاردة .الناشرون متزمرون تحت أعباء مكلفة . الصحافيون على مسارب الشظف والهجرة.المهارات المعاصرة في فنون المهنة غائبة . الصورة ،سيدة الثقافة البصرية ،في أدنى مواصفاتها المعيارية حين تظهر.هناك فجوة تكنولوجية .
للصحافة دورلايمكن حجبه أو تغييبه. هي سلطة حاضرة دوماً في الإبلاغ والتنوير . هي السلطة الرابعة ذات الباع الأطول في الكشف والمحاسبة. مكانة الصحافة معيار حيوي لقياس حال المجتمع والدولة. الصحافة مرآة المجتمع . هي حاملة فكر النظام وروحه .
وضع الصحافة السودانية يثير قلق العاملين فيها والمعنيين بأمرها . الشعب لايقبل عليها –حين يفعل – بنهم أوشغف . أجهزة الدولة مكابرة إذ تدعي الرضا إزاء الصحافة . محاولة إعادة النظر في قانون الصحافة يعكس قدراً من ذلك القلق . تعديل القانون خطوة ايجابية إن أفلح المكلفون الذهاب في الطريق القويم . الأزمة أكبر وأعمق . نعم هذه حالة لايمكن عزلها عن محيطها العام كما لايمكن تفكيكها عن أزمة الوطن والمجتمع المركبة. انتظار الذي لم يأت يعمق الأزمة. الدور الطليعي يحتم التحرك في إطار الممكن .
دون التوغل في جدل عقيم من الممكن الإتفاق على زحام في المشهد الصحافي بحمولة من الإصدارات تفوق إمكانات البني التحتية ،قدرات الكوادر المهنية .إنتاج يومي فوق احتمال القراء . هوكذلك إستنساخ مكرور القسمات والمضمون . المشهد برمته مصنوع لم تفرزه خيارات أو احتياجات . مثل الوضع الراهن لا يتيح فرضية "دع مليون زهرة تتفتح" كما يزعم البعض. الركض اليومي لايستهدف التميز أو الرضاء المهني .الطاقات الفنية المحدودة مبعثرة بفعل الضغوط الحياتية وتعدد الجبهات.
ربما أجدى للجميع مبادرة أهل المهنة لجهة تصحيح الوضع . هم لايتحملون كل أوزار التدني . للدولة الباع الأطول . واجب القيادات الصحافية يفرض مثل هذه المحاولة. الأمانة تقتضي القول بعض الرؤى الضيقة تعرقل متل هذا التحرك. ربما تشكل فكرة إعادة الهيكلة مخرجاً .السؤال عندئذ البناء على أي منهج ووفق أي رؤى تنجز المهمة ؟ مالم تأسس العملية وفق منظور كسر الإحتكار على قاعدة تنوع المنابر في ظل إطلاق الحريات لننتقدم خطوة.هذه مهمة تتطلب بالضرورة المشاركة الجماعية وصولاً الى قناعات بحيث لا تأتي جبراً من عل.
الدولة نفسها تعاني أعباءً ثقال لن تكون قادرة على حملها بعد حين . هي المسؤولة عن تخليق مشهد االزحام. صناعة الرأي العام لا يتأتى بالكثرة المكرورة.التراخيص الممنوحة لم تكن وفق رؤى . الشخصي غلب السياسي والفكري . التجربة أبانت إخفاق سياسة المنح والمنع في الإستمال والإسكات. الترغيب كما الترهيب لايبني مؤسسات أويصنع رأياً عاماً. إعتقال صحافي واحد أو تعطيل صحيفة عن الصدور قبلاً أو بعداً يشكل جرحاً مؤلما في صورة الدولة على الصعيد الخارجي إن لم يتد سلباًفي الداخل.
المناخ البانورامي العالمي يوضح تعالي توجهات إنهاء الإحتكار مقابل توسيع التعددية في الأفق الإعلامي .التعدد لا يعني الكثرة بل فتح المدى امام التيارات السياسية ،الفكرية والإجتماعية للتعبيرعن ذاتها وتطلعاتها .التعددية الشكلية الراهنة لا تؤمن التنوع أوتعكس واقعاً ديمقراطياً.
حينما نتحدث عن الحريات السياسية لابد بالضرورة من ضمان حرية الصحافة إذ هي أبرز منابر العمل السياسي والثقافي . في غياب منابر صحافية أمام المعارضة تكفل لها ممارسة النقد وترويج أفكارها وبرامجها لا يمكن الحديث الأمين عن وجود الحريات أو الكلام عن نظام ديمقراطي. كثرة الطبعات الصحافية اليومية ليست غير استكمال المشهد الديمقراطي المفترض بديكور زائف . في ظل التجربة المعيشة يسود" دعهم يقولوا ما يشاؤون ونحن نفعل ما نريد"
على الدولة والصحافة الحكومية والمستتبعة مواجهة تحديات ملحة عالقة في الأفق .الأزمة الإقتصادية الضاغطة تجفف فرص مواصلة الإنفاق على كل الإصدارات اليومية المسستبعة . مظلة الإعلان تنحسر مع إنكماش مجالات الإستثمار .الإعلانات الحكومية تمثل زراع الدولة للهيمنة على الصحافة . في ظل الأزمة لن تتمكن الدولة من مواصلة الإغداق السخي المشروط . الإغلب التوجه نحو التخلص من العبء الثقيل مقابل ممارسة مزيد من الضغوط . التداعيات في مجملها تضاعف السلبيات على المشهد . ربما هذا أدعى للمبادرة بدلاً عن أنتظار حلول علوية أوترقب مجهول .