aloomar@gmail.com
سلبية المؤتمر الحاكم إزاء مذكرة ال52 لا تتطلب قدحاً ذهنياً بغية الفهم .إدارة أحزاب المعارضة ظهرها للمبادرة ممارسة تفتقد الموضوعية. صمت المثقفين المنشغلين بالشأن العام عصي على الإستيعاب . إستبداد الإحباط بالمبادرين ينطوي على قدرمن شح الأناة .المذكرة تستوجب جدلاً على نطاق عريض في ظل الجمود المطبق على المشهد السياسي . المبادرة تتيح فرصة لتحريك الساكن من الزاوية النظرية في حدها الأدنى . من الممكن إستنفار الأطراف المعنية في حوار مفتوح في شأن الإصلاح الوطني لجهة تأسيس برنامج عمل مشترك . موت المبادرة الفجائي يؤكد مجدداً اننا لا نجيد إتقان لعبة الحوار .
المذكرة لم تستهدف فقط تفريغ شحنة إنفعال وطني من قبل المبادرين . مضمونها قصد إخرج كلام كثير متداول في المجالس والمنتديات الى العلن على نحو مبلور. الجدل المرتجى يفتح الأفق أمام بناء مرتكز إصطفاف شعبي واسع من أجل سودان أفضل .المبتدرون إنطلقوا من قناعات مشتركة بفقدان الثقة في سعي المحاور السياسية من أجل إيجاد حلول جذرية عاجلة لقضايا الشعب المكدسة . الهدف الأسمى يتجسد في إعادة تأسيس علاقات أمثل بين الشعب والسلطة . الإصلاح يمثل أحد أبرز بنود تسوية الأزمة السودانية المركبة.
المبادرة تنطلق من الثوابت الوطنية وتستلهم مقاصد الآخرين بما في ذلك الحفاظ على الدولة . أصحاب المذكرة لا يقفون في مواجهة النظام بل في مقابلته .هم لا يلقون الكرة في ملعب الدولة بل في ملاعب الجميع. من هنا يبدو الصمت ضموراً في الإستيعاب و قصوراً في الرؤى .
تجاهل أهل السلطة المتعمد يصدر عن عقلية تنظر إلى أي حديث عن الإصلاح تهديداً مباشراً للمكاسب. هم يلبسون موقفهم ثوب الحفاظ على الإستقرار . السلطة في قناعات هؤلاء ملك حزبي لا مجال للتفريط فيه . هي نظرة الإستئثار الجشع . الخوف الكامن هنا من نتائج الإصلاح قابل للتبرير.هذه عملية تستقصد تعزيز دور المجتمع المدني بالإضافة إلى تفعيل المشاركة في مؤسسات الدولة والرقابة الشعبية .ربما لم يعد في صفوف المؤتمر الحاكم من يلوح بشعار الإصلاح حالياً .الغالبية الباقية ترى في المذكرة إملاءت وأخطار . البعض يحاجج بنصب طاولة حوار عملاقة مما ينفي قبول فتح جبهة حوار أخرى .هؤلاء لم يدركوا موت المسألة بوفاة الترابي .ألم نقل كما انفرطت الحركة الشعبية وتبدد حلم السودان الجديد برحيل غرنغ يتذاوب المؤتمر الشعبي وتتلاشى مسألة الحوار الوطني مع غياب الترابي .بين الموقعين شخصيات يفرض جهدهم الوطني الإحترام عوضاً عن التجاهل المتعمد .العاقل من يفز برضاء هولاء إن لم يستهدف إستمالتهم .
من حق المؤتمر الا يصدر بيانا برفض المذكرة أو قبولها إذا كفلنا الحق نفسه لأحزاب المعارضة . بعض يرى في المبادرة خروجاً عن المؤسسية . عدد من القيادين يمنحون الإلتزام الحزبي أولوية قصوى. الجدل مفتوح على الترجيح بين الحزبي والوطني . دون التوغل في مثل هذا الإشتباك أو المساس بالمؤسسية يظل الحوار أكثر جدوى من الصمت . لا وجه للمقارنة بين الحياة والموت . في القضايا الوطنية لامجال للتعالي بقدر ما هناك مساحة لنكران الذات .هكذا يصبح تقليل مساهمات الغير ضرب من الغرور الزائف
المبادرة ليست وثيقة زاهية متكاملة . ربما تبدونقطة إنطلاق المبادرين مبهمة. لحظة إنكشاف المذكرة إكتنفها الغموض المريب .هي كذلك تأتي في غياب بؤرة وطنية متماسكة البناء والرؤية تعبر عن الآمال الشعبية. محاور المعارضة عاجزة عن بناء آليات للنهوض بتطلعاتها . ثمة قناعة واسعة التداول وسط المعارضة بإخفاق اي محاولة للتغيير مجردة من الضغوط .هذه قضية قفزت عليها المبادرة عمداً. المبتدرون يتحركون على خارطة الواقع . المذكرة محاولة لكسر إنغلاق السلطة وفتح ابوابها أمام رياح التغيير السلمي . هي كذلك محاولة لجمع أشتات المعارضة . ألا يشكل الحوار العلني الواسع في شأن الإصلاح في حد ذاته إنجازا في ظل الظروف الراهنة ؟ فتح أقنية الحوار لايغلق بالضرورة الأفق في وجه جبهات العمل المغايرة . على نقيض ذلك من الممكن تكريسه حبهة متقدمة معززة إن لم تصبح بديلة .
سقوط المجموعة في فخاخ الإحباط لايوافق روح المبادرين . بين الكوكبة عقليات نيرة و عيون شاخصة وقامات ذات رصيد وحنكة في العمل العام . مثل هؤلاء لايتوقعون قبولاً حسنا ميسراً. الإعتدال النابع من الواقع ليس مبرراً للإنكسار في الحراك السياسي. الرفض المعلب أكثر وفرة من الإستبصارالذكي .لذلك جاءت معظم ردود الأفعال سالبة .الإستسلام ليس من مكونات الطامحين في إحداث التحولات الكبرى . قوة الكلام من قوة المتحدثين . هناك إقصاء مكرس لاينبغي مقابلته بإقصاء طوعي .
أما طاف بخلد المبادرين أكثر من مثبط إبان الإعداد ؟ وصول المذكرة الى القيادات العليا لا تعني ابلوغ المراد . من غير المستبعد عند تمام اللقاء المفقود تعرض المجموعة إلى تأنيب بحجة تسريب المذكرة إلى الإعلام . مصير المبادرة عندئذ الإحالة إلى المستودع .ربما يقارع البعض العنوان الأفضل هو الشارع وليس القصر.