بسم الله الرحمن الرحيم
abdelmoniem2@hotmail.com
إعلان تضارب مصالح:
هذا الرَّأي يتَّخذ دين الإسلام مرجعاً ومنهجاً متكاملاً مع العلوم الثابتة، والخبرة العمليَّة والحياتيَّة، وصاحبه له عزم على العمل السياسي لنهضة السودان والمشاركة في قيادة شعبه إن شاء الله:
"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا".
كان للوطن طعمٌ كمذاق الشَّهد، ونكهةٌ كالجوافة المُحبَّبة، وطيبٌ كعود الصندل، وصورة كالعروس المجلوَّة ثمَّ طاف عليه طائف من الجحيم فبدّل طعمه إلى حنظل، ونكهته إلى روث، وطيبه إلى نتانة، وصورته إلى عجوزٍ قبيحة شمطاء يتأذَّى منه القريب والبعيد، وبدل أن تخطب ودَّه وتسعي لصداقته الشعوب إذا بها تعافه كما تُعاف الجيفة.
نحن نستحقُّ أفضل من هذا.
ماذا دهانا؟ أولم يرفع الجدود قامته وشيَّدوا أوَّل معالم الحضارة؟ ودافعوا عن حِماه فلم يدخله عنوةً، منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، فاتحٌ إلا حينما اختلفت شعوبه وداخلها الطَّمع في السلطة في لاحق أيَّامهم؟ ولكنَّهم دحروا غزاته مرَّتين لا من جوعٍ أو من مسغبةٍ بل شوقاً للحريَّة فهي هواء حياتهم، مهروا لها الدِّماء رخيصةً.
والآن نرضي بالعبوديَّة لبشرٍ مثلنا ونُسام كما تسام البهائم، تُستهان حرائرنا، ويموت خيرة شبابنا في محارق الحرب أو في قوارب الموت أو زمهرير الشتاء، ينشدون عالماً أفضل، يفطرون أكباد أمَّهاتهم، وهم قد خلَّفوا وراءهم وطناً واسعاً ضاق بهم حصيلة جهلٍ وطغيانٍ واستبداد، وهو أفضل من كلِّ هذا، فماذا دهانا؟
ونحن نستحقُّ أفضل من هذا.
وهبنا الله ما لم يهب أحداً من العالمين. وهبنا أنهاراً من نبض الفردوس، وأراضٍ عذراء لا تزال تحنُّ إلى بعلٍ يخصِّبها زرعاً وعطاءً ونماءً، وكنوزاً لا تُحصي تمدُّ الأيدي تستجدي خطَّابها وينصرف عنها الخطَّاب وتنالها اللصوص والنُهَّاب.
ووهبنا عقولاً نابهاتٍ، وقلوباً ثابتاتٍ، وأناساً كالياقوت قيمةً وندرةً ولوناً، ثمَّ تصير أرضنا، بعد كلِّ هذا، بلقعاً جرداء؟ ويصير بأسنا بيننا شديداً، فيجهدنا العطش، وتفتك بنا الأمراض، ويلفُّنا الظلام، وننتشر في بقاع الأرض نطلب الرِّزق فيُستهان بنا ونُزدري، تمتصُّ الغربة حياتنا رويداً رويداً، فنمسي ونصبح كالأشباح أعيننا مشدوهةُ، وقلوبنا معلَّقةٌ بوطن ينزلق من بين أصابعنا كالماء ونحن لا نملك إلا أن نتحسَّر عليه كفعل الجبان العاجز؟
فنحن والله أفضل من هذا ونستحقُّ أفضل من هذا.
فقد كنَّا بركة العالم نجود على ضيفنا وجارنا، حالنا مستورة، ودارنا معمورة، وأطفالنا مسرورة، وكلمتنا مسموعة، وسمعتنا مشكورة، وكلُّ هذا لأنَّ عصبة ألمَّت بنا ذات ليلٍ بهيم أحسنت الظنَّ بنفسها ونهجها فأخطأت الظنِّ، ورمت بسهمها فأخطأت الهدف، وقد كان هذا كسبها في شأن رفعة الوطن، ولا نلومها على نيِّتها ونُخوِّنها كما تفعل، ولكنَّنا نأخذ عليها أنَّها لمَّا تبيَّن لها خطل سعيها، وقلَّة خبرتها، وتواضع مقدرتها، وفساد قادتها، لم تعترف وتنسحب وتطلب المغفرة وتتواضع لله، بل تمادت في غيِّها، وسوَّفت وبرَّرت، وسوَّلت لها نفسها، وغرَّتها الأماني، واستمرأت التَّسلُّط باسم الإسلام، فما رعت حقوقه، ولا فهمت مقاصده، ولا طبَّقت أخلاقه، فأوردتنا وأوردت نفسها موارد الهلاك.
فهي اليوم تشظَّي جمعها، وانفرط عقدها، فهي شراذم متناوشة متلاومة ومكتئبة نائحة، أو يائسة، أو عاجزة منعزلة، أو مشفقة، أو ناصحة، أو فاسدة، فلماذا نطيل عليها الصبر ونحن أفضل من هذا؟
نحن نستحقُّ أفضل من هذا.
استيقظوا من سباتكم، ومن خدركم، ومن مواتكم، ومن يأسكم يرحمكم الله، فنحن نستطيع إن أذن الله أن نفكِّر أفضل من هذا، وأن نقرأ الواقع أفضل من هذا، وأن نخاطب أفضل من هذا، وأن نُخطِّط أفضل من هذا، وأن نُنفِّذ أفضل من هذا، لأنَّنا أشجع من هذا، وأعقل من هذا، وأفهم من هذا، وأكثر حكمةٍ من هذا، وأعلى خُلُقاً من هذا.
لأنَّنا نستحقُّ أفضل من هذا.