مهما كانت العقبات فلا بديل للسلام !

 


 

 


ثلاثة أحداث وقعت الأسبوع الماضي، سلطت الضوء من جديد على الأوضاع في إقليم دارفور السوداني، وأثبتت إلى حد ما أن أمر هذا الإقليم معقد، ويحتاج إلى وقفة جادة تضمن تحقيق السلام على أرضه، بعد أن زادت معاناة أهله الذين ما زال أغلبهم يعيش في المهجر أو في معسكرات النزوح الداخلية.

الأحداث الثلاثة كانت متناقضة تماماً، وتدل على مدى الارتباك الذي يسود المشهد الدارفوري، إذ إن أحد الأحداث يرسل إشارة متفائلة باختراق وشيك في مفاوضات السلام غير الرسمية التي دارت في برلين الأسبوع الماضي،

بينما الحدث الثاني يتمثل في انفجار الوضع الأمني بين قوات حركة التحرير جناح مناوي وقوات المجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان بقيادة نمر عبد الرحمن من ناحية، وقوات الحكومة من الناحية الأخرى، فأعادت الإقليم لأجواء الحرب، وعكست مهددات الوضع الراهن في دارفور، بل وكادت تقضي على موجة التفاؤل التي أعقبت محادثات برلين،

أما الحدث الثالث فهو الاجتماع الذي ضم ممثلي الحكومة وممثلي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة مع قيادة قوات حفظ السلام في دارفور، للبحث في استراتيجية الانسحاب التدريجي لقوات حفظ السلام من إقليم دارفور. ورغم أن الفكرة تقوم على الانسحاب التدريجي وإعادة الهيكلة، إلا أن توقيت الاجتماع في الوقت الذي دارت فيه المعارك بدا وكأنه جهد سابق لأوانه، فما زال هناك طريق طويل لتحقيق السلام في دارفور.

هذه الأحداث الثلاثة تعكس هشاشة الوضع، وأن الأمور في هذا الإقليم لن تعرف استقراراً حقيقياً، إلا إذا توصلت أطراف الصراع إلى حل سلمي تفاوضي توافقي، يخاطب جذور الأزمة، ويعالج المظالم التاريخية، في ظل نظام ديمقراطي يضمن شمولية المشاركة في صناعة القرار الوطني، والعدالة في توزيع التنمية والخدمات ورعاية حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة والإنصاف والتبادل السلمي للسلطة.

لو استطاعت الحكومة أن تنحاز إلى خيار الحل السلمي وأبدت استعداداً لتقديم التنازلات التاريخية المطلوبة، وأدركت أن البندقية لا تصنع سلاماً، لو حدث ذلك كله لأقدمت على التفاوض بروح جديدة وبتوجه جديد، وإذا لم تدرك ذلك فستظل الأمور تسير في حلقة مفرغة، وتظل الأوضاع مهددة بالانفجار من حين لآخر مهما بدت هادئة في الظاهر،

فالتناقض بين ما دار على مائدة المفاوضات في برلين وما جرى على أرض الواقع في شمال وشرق دارفور ليس مستغرباً في حالة نزاع مسلح تجاوز عمره الأربعة عشر عاماً، وتجاربنا مع صراع الشمال والجنوب أنه أفرز أحداثاً مشابهة، حينما يبدو السلام قريباً، وفجأة تنفجر الأوضاع العسكرية بصورة تكاد تجهض كل محاولات الوصول للسلام،

مما يقتضي حذراً وحكمة في التعامل مع هذه الأحداث،

وتغليب منهج السلام على كل ما عداه،

والالتزام بالسعي للوصول للسلام عبر التفاوض،

لأن البندقية لا تصنع سلاماً !

 

آراء