وداعا المناضل هاشم السعيد … بقلم: تاج السر عثمان

 


 

 

 

رحل عن دنيانا المناضل الشيوعي النقابي هاشم السعيد بعد صراع طويل مع المرض وعن عمر مديد كان شاهدا فيه علي تاريخ الحركة السياسية والنقابية المعاصر، خاض فيها نضالا ضد الاستعمار البريطاني والأنظمة الديكتاتورية وتعرض للسجن والتشريد، وتابع تاريخ الحركة الصحفية والأدبية ، ساهم في الكتابة في صحف العامل السوداني “لسان حال العمال “والأمة والنيل والطليعة " لسان حال اتحاد العمال" والميدان والرأي العام والصحافة والأيام، وكان شاعرا وله دواوين شعر مثل: " عازف النأي" وخطيبا مفوها في الليالي السياسية والعمالية في ميدان المولد في عطبرة مع قاسم أمين وعبد الخالق محجوب والوسيلة ومحمد إبراهيم نقد والأمين حاج ابو والشاعر صلاح أحمد ابراهيم الذي كان يلقي شعرا حماسيا وملهما وغيرهم من قادة الحزب الشيوعي الذين كانوا يحضرون لعطبرة في خمسينيات القرن الماضي.
هاشم السعيد من أبناء "البركل" مركز مروي بالولاية الشمالية ، درس في الخلوة والمدرسة الأولية بمروي ودرس التلمذة الصناعية بعد التحاقه بالسكة الحديد .
بدأ حياته العملية في مدينة بورتسودان وواصل الدراسة والتثقيف الذاتي ، وكان من أصدقائه في بورتسودان المؤرخ صالح ضرار والد المؤرخ ضرار صالح ضرار وحامد حمداي الذي كان عضوا بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني " حدتو" بمصر والذي أهداه مؤلفات شيوعية ، حامد حمداي كان أحد كتاب مجلة الفجر السودانية التي أصدرها عرفات محمد عبد الله في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن أصدقائه في بورتسودان الشاعر محمد بشير عتيق الذي سكن معه في منزل واحد.
كان لهاشم السعيد نشاط واضح في الحركة الوطنية بنادي الخريجين ونادي سواكن، وكان مثابرا علي الدراسة والقراءة والاطلاع والتثقيف الذاتي في أمهات كتب التراث والأدب العربي والصحف السودانية والمصرية وغيرها.
إنتقل هاشم السعيد الي مدينة عطبرة وسكن مع الجزولي سعيد ومحمد عثمان جمعة، وكان عضوا في حزب الأمة ونائبا لسكرتيره في عطبرة عبد الله بشير له الرحمة، وبدأ يطلع علي الكتب الشيوعية التي أهداها له حامد حمداي مع الجزولي ومحمد عثمان جمعة وكان من أهمها كتيب صغير بعنوان " الاقتصاد محرك التطور الاجتماعي".
في يوليو 1947 حضر المرحوم د. مصطفي السيد إلي عطبرة وقابل هاشم السعيد وبعد مناقشة اقنع هاشم بالانضمام للحركة السودانية للتحرر الوطني ، وافق هاشم علي الانضمام وقام د. مصطفي بتوصيله لقيادة الحركة التي كانت تتكون من: قاسم أمين، الشفيع أحمد الشيخ، إبراهيم زكريا وأرباب العربي.. وانضم للحركة الجزولي سعيد ومحمد عثمان جمعة.
كان د. مصطفي السيد الذي كان طالبا في كلية الطب قد حضر في إجازته الصيفية الي عطبرة عام 1946 بتكليف من قيادة الحركة السودانية “حستو” لتأسيس فرع لها في عطبرة، كانت أسرة د. مصطفي من عطبرة، ونجح في تجنيد قاسم والشفيع وابراهيم زكريا وأرباب العربي ،بعد ذلك توسعت الحركة وانضم لها الجزولي سعيد والحاج عبد الرحمن ومحجوب علي وعلي محمد بشير. الخ، وكانت قيادة الحركة السودانية " حستو" في عطبرة تتكون من: الجزولي سعيد وقاسم أمين وابراهيم زكريا والشفيع أحمد الشيخ وهاشم السعيد.
ساهم هاشم في معركة تأسيس هيئة شؤون العمال وكان سكرتيرا للجنة التي قادت اضراب العمال في يوليو 1947م والتي كانت تمثل كل ألوان الطيف السياسي مثل : محمد علي قرني وعرفة السيد ، بابكر عبد الله ، قسم الله صباح الخير. قامت اللجنة بعمل تلغرافات لزعماء الأحزاب عبد الله خليل ، إسماعيل الأزهري، السيد علي ، السيد عبد الرحمن، وتم خلق أوسع مساندة ودعم للإضراب ، حتي نجح الاضراب واعترفت الحكومة بهيئة شؤون العمال، وتم انتخاب قيادة للهيئة من جميع الأقسام برئاسة سليمان موسي وبدأت تقدم مطالب العمال. لما لم تستجب الحكومة للمطالب أعلن العمال الاضراب المفتوح ابتداءاٍ من 15/3/47 إلي 16/4/ 1947 " 33 يوما".. وخلال هذه الفترة رغم حالة الطوارئ لم تتوقف المظاهرات والتعبئة للعمال ، استمرت المظاهرات رغم اعتقال سليمان موسي والحكم عليه بالسجن.
وجد الاضراب دعما كبيرا من جميع قادة الأحزاب السياسية ، ومن تجار ومواطني عطبرة والجزارين وبائعي الخضروات وجاء المزارعون من القري حول عطبرة يدعمون العمال بالخضر ويوزعونها عليهم ، وكذلك عم البصيلي التاجر المشهور بعطبرة الذي فتح مخازنه ووزع العيش مجانا للعمال. حاولت الإدارة البريطانية الالتفاف علي مطلب تكوين النقابة بعمل " لجان العمل في الورش" ، ولكن العمال رفضوا ذلك واستمر الاضراب، واصل العمال معركتهم حتي استجابت الحكومة لمطالبهم وإعلان قانون النقابات للعام 1948 الذي اعترف بتكوين النقابات، ولعب هاشم السعيد دورا كبيرا في التعبئة للإضراب وكان يدير أغلب الليالي السياسية التي كانت تشرح وتتابع مطالب العمال ومستجدات المعركة.
بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953 وقيام انتخابات 1954 ، تم تكوين الجبهة المعادية للاستعمار التي كانت تضم الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين ، وأعلنت عن برنامجها لخوض الانتخابات العامة، وقامت فروع لها في الأقاليم، تم تكوين الجبهة المعادية للاستعمار في عطبرة وكان سكرتيرها هاشم السعيد الذي تولي المسؤولية بعد نقل السكرتير السابق ارباب العربي ، قامت الجبهة بنشاط واسع وتنظيم الليالي السياسية ، وكان هاشم السعيد أيضا سكرتيرا للجبهة المتحدة لاستقلال السودان التي كانت تحالفا واسعا تضم الأحزاب والاتحادات والتي كانت تهدف لجلاء الاستعمار وكان رئيسها المحلاوي.
ساهم هاشم السعيد وقيادة الجبهة المعادية للاستعمار في تأسيس اتحادات المزارعين في المديرية الشمالية وتم عقد مؤتمر المزارعين في عطبرة والذي حضره قاسم أمين والوسيلة، وتم ارسال متفرغين حزبيين لبناء حركة المزارعين في الشمالية منهم : ميرغني كوهين وعبد الرحمن أحمد الذي كان يتنقل بحماره في قري الشمالية ومروي.
وكان هاشم عضوا في لجنة الحزب الشيوعي بالمديرية الشمالية في الخمسينيات من القرن الماضي التي كانت تضم الحاج عبد الرحمن وعبد الله عبيد وتاج السر حسن آدم والأمين حاج ابو وهاشم سوركتي وخضر مبروك وأحمد شامي ..الخ.
وفي انتخابات نقابة عمال السكة الحديد عام 1965 تم تحالف بين الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي وفاز التحالف بالأغلبية، وتم اختيار هاشم السعيد ليكون سكرتيرا ومحمد الحسن عبدالله رئيسا للنقابة ، في هذه الفترة حققت النقابة مطالب كثيرة وكانت النقابة السابقة بعيدة عن مطالب العمال ، وتم عودة النقابة الي اتحاد العمال.
لعب هاشم السعيد ورفاقه في تلك الفترة دورا كبيرا في بناء الحركة النقابية والحزب الشيوعي في مدينة عطبرة والمديرية الشمالية، حتي أصبح الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبري في عطبرة ، حيث نافس مرشح الحزب الشيوعي الحاج عبد الرحمن في انتخابات عام 1965 وفاز في انتخابات 1968 ، ونافس محمد العيدروس في انتخابات 1986 ، وفاز منافسه بفرق ضئيل.
له الرحمة والمغفرة والعزاء لاسرته ولكل الشيوعيين والنقابيين، فقد كان حقا من رواد الحركة الوطنية والنقابية السودانية.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء