(سياحة صوفية فى سماوات ربانية) مع العاشقه الألهية رابعه العدويه !
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم الكاتب الصحفى
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
(رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى )
(رب زدنى علما )
حقا أن التجرد من الشهوات الجسديه أمام الأشواق الروحيه نقلة تعبديه تطرد الوساوس الإبليسيه إن الشهوات والنزوات ما هى إلا أوساخ شبقية حيوانيه بينما السفر فى السموات الروحيه الربانيه هى ذروة حلاوة متعة الصلوات والعبادات والتجليات ونلتقى اليوم مع إمامة العاشقين والمحزونين المجذوبين الذين ذاقوا وشربوا من كأس الوجد الربانى حتى الثمالة مع السيدة رابعة العدوية .
هى أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدويه البصرية مولاة آل عتيك المتوفية نحو سنة 185هجريه كانت البنت الرابعة لأبويها وهى بخلاف رابعة بنت إسماعيل الشامية زوجة الصوفى أحمد بن أبى الحوارى والمتوفية سنة 335 هجريه ، والأولى دفنت بالبصرة ، و الثانية قبرها ببيت المقدس .
ويروون عن العدوية أنها ،و هى طفلة خرجت هى وأخواتها من شدة الجوع وقت أن نزل القحط بالبصرة فوجدها رجل باعها بستة دراهم ، وكانت تقرض الشعر ، وتغنيه ، وتعزف على الناى ، ولها مزاج فنى رقيق ، وميل طبيعى الحزن ولعلهل لذلك كانت تحب الناى على العود .
وشعرها أنثوى فيه لغة النساء ، وربما إستعملها سيدها للغناء فى مجالسه ، وكان ذلك يسخطها عليه بسبب إتجاهاتها الدينية القوية حتى أنها شرعت فى الهرب ، وناجت ربها قائلة :
(إلهى إنى غريبة ، ويتيمة ، وأرسف فى قيود الرق ، ولكن همى الكبير هو أن أعرف أراض أنت عنى أم غير راض ؟)
أى أنها ربما كانت تخشى أن تبوء بغضب الله بسبب ما كان يجبرها عليه سيدها ، وقد زادها ذلك من التهافت على العبادة والإبتهال إلى الله أن يقيلها من عثرتها ، وقد تسمع عليها سيدها فى ليلة فوجدها تقول ، وهى ساجدة { إلهى أنت تعلم أن قلبى يتمنى طاعتك ، ونور عينى فى خدمة عتبتك ، ولو كان الأمر بيدى لما إنقطعت لحظة عن خدمتك لكنك تركتنى تحت رحمة هذا المخلوق القاسى من عبدتك ! } فلما كان الصباح طلبها سيدها ، وأعتقها ، فكان ذلك مدعاة أكثر للتوجه بالشكر لربها فإنصرفت بكليتها إليه ، وقد تحررت من رقها ، وكانت إذا إنتهت من صلاة العشاء تصعد إلى سطح دارها بعد أن تشد عليها درعها ، وخمارها وتدعو :
{ إلهى أنارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامى بين يديك } ثم تقبل على الصلاة ، فإذا كان السحر ، وطلع الفجر قالت :
{ إلهى هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر فليت شعرى أقبلت منى ليلتى ، فأهنأ أم رددتها علىً فأعزى ؟ ، فوعزتك هذا دأبى ما أحييتنى ، وأعنتنى ! } ، وقد تقول فى حياتها الجديده وقد طويت الصفحة القديمة :
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل
وعدت إلى مصحوب أول منزلى
ونادت بى الأشواق مهلا فهذه
منازل من تهوى رويدك فأنزلى
وإنشادها الآن يتوجه لسيدها الحقيقى ، وشعرها فيه من نسجها وليس أبياتا من أشعار المحبين كالتى كانت تحفظها ، وتقولها لمولاها من آل عتيك :
يا سرورى ومنيتى وعمادى & وأنيسى وعدتى ومرادى
أنت روح الفؤاد أنت رجائى & أنت لى مؤنس وشوقك زادى
أنت لولاك يا حياتى وأنسى & ما تشتت فى فسيح البلاد
كم بدت منة وكم لك عندى & من عطاءونعمة وأيادى
حبك الآن بغيتى ونعيمى & وجلاء لعين قلبى الصادى
ليس لى عنك ما حييت براح & أنت منى ممكن فى السواد
إن تكن راضيا على فإنى & يا منى القلب قد بدا إسعادى
وتزهد رابعة فى الزواج ، وتخطب مرتين فى الأولى لعبد الواحد بن زيد ، وهو صوفى مثلها ، وفى الثانية لأمير البصرة محمد بن سليمان الهاشمى ، ويعدها بمائة ألف مهرا وبعشرة ألاف فى كل شهر دخلا ، فخاصمت الأول عدة أيام إلى أن صالحها عليه إخوانهما من الصوفيه فجاءها على إستحياء فقالت له :
[ يا شهوانى ! إطلب شهوانيه مثلك أى شئ رأيت فى من الة الشهوة ؟ ! ] وكتبت إلى الثانى تقول :
[ ما يسرنى أنك لى عبد كما ذكر لها فى خطبته ، وأن كل مالك لى ، وأنت شغلتنى عن الله طرفة عين ! ] وتقول رابعة:
راحتى يا أخوتى فى خلوتى & وحبيبى دائما فى حضرتى
لم أجد لى عن هواه عوضا & وهواه فى البرايا محنتى
حيثما كنت أشاهد حسنه & فهو محرابى إليه قبلتى
إن مت وجدا وما ثم رضا & وا عنائى فى الورى وا شقوتى
يا طبيب القلب يا كل المنى & جد بوصل منك يشفى مهجتى
يا سرورى وحياتى دائما & نشأتى منك وأيضا نشوتى
قد هجرت الخلق جمعا أرتجى &منك وصلا فهو أقصى منيتى
وأشهر أبيات رابعه فى الحب الإلهى هى التى تقول فيها :
أحبك حبين حب أهل الهوى
وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب أهل الهوى
فشغلى بذكرك عمن سواكا
وأما الذى هو أنت أهل له
فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى
ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
غدا إن شاء الله نواصل مع رابعة العدوية فى أمان الله .
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
كاتب صحفى ورئيس منظمة ( لا للإرهاب الأوربية )
elmugamarosman@gmail.com