رحيق الأمكنة: جامعة الخرطوم نموذجاً
ليست الأمكنة (الأماكن) فضاءات ساكنة، أو ظواهر جغرافية ثاوية على أديم الأرض، وإنما هي مسارح تتشكل عليها فصول من حيوات الذين عاشوا بين ظهرانيها، واشتركوا في صناعة أحداثها، أو شاهدوا طرفها منها؛ ولذلك تظل أحداثها عالقة في أذهانهم، وتشغل جزءاً من مخيلتهم الجمعية. فجامعة الخرطوم واحدة من تلك الأماكن، التي لها طعم مختوم في ذائقة المجتمع السوداني. بدأت نواتها الأولى من كلية غردون التذكارية التي افتتحها البريطانيون في 8 نوفمبر 1902م، تخليداً لذكرى الجنرال تشارلس غردون، حاكم السودان (1844-1885م) في العهد التركي المصري (1821-1885م)، والذي وضعت قوات المهدية حداً لحياته العامرة بالبطولات في سراياه بالخرطوم في 26 يناير 1885م. وبعد مضي عقدين ونيف من الزمان (1926م) أُلحقت مدرسة كتشنر للعلوم الطيبة بكلية غردون التذكارية، وتبعتها مدرسة القانون، والزراعة والبيطرة عام 1938م، ثم مدرستا العلوم والهندسة عام 1939م. وأخيراً توِّج هذا التطور الأكاديمي بإنشاء مدرسة الآداب عام 1940م، التي جمعت في رحابها الآداب والاقتصاد والقانون.
وبعد الحرب العالمية الثانية (1945) جُمعت هذه المدارس في هيئة أكاديمية سُميت بكلية الخرطوم الجامعية، وذلك باستثناء مدرسة الطب التي ضمت إلى كلية الخرطوم الجامعية عام 1951م. وفي ذلك العهد كان لكلية الخرطوم الجامعية علاقة وطيدة مع جامعة لندن، من حيث الاعتماد الأكاديمي للدرجات العلمية التي كانت تُمنح لخريجيها، وبرامج التوأمة بين الجامعتين، والمناهج الدراسية. وفي تلك الفترة كانت كلية الخرطوم الجامعة تُعد من أرقى مؤسسات التعليم العالي في إفريقيا والوطن العربي.
وببزوغ فجر الاستقلال عام 1956م، تمت سودنة الوظائف الإدارية العليا، وبعض الوظائف الأكاديمية، بكوادر سودانية مؤهلة، وبموجب ذلك أُعدل اسم كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة الخرطوم. وبعد عامين (1958م) من السودنة عُين السيد نصر الحاج علي، أول مدير سوداني لجامعة الخرطوم، وظل في منصبه حتى عام 1962م. في الفترة من 1962 حتى 1990م شغل المدراء الآتية أسماؤهم على التتابع منصب مدير جامعة الخرطوم، هم:
• بروفيسور النذير دفع الله يوليو، 1962 - يوليو 1968م.
• بروفيسور عمر محمد عثمان، يوليو 1968 - أغسطس 1971م.
• بروفيسور مصطفي حسن أسحق، أغسطس 1971 - يوليو 1974م.
• بروفيسور عبد الله الطيب المجذوب، يوليو 1974 - نوفمبر 1975م.
• بروفيسور عبد الله احمد عبد الله، نوفمبر 1975 – فبراير 1977م.
• بروفيسور علي محمد فضل، فبراير1977 - فبراير 1981م.
• بروفيسور عمر محمد بليل، فبراير 1981 - أبريل 1985م.
• بروفيسور يوسف فضل حسن، أبريل 1985 - أبريل 1990م.
وعندما قُبلتُ بكلية الآداب عام 1983م كان البروفيسور عمر محمد بليل مديراً لجامعة الخرطوم، ثم خلفه البروفيسور يوسف فضل حسن، محقق موسوعة محمد نور ضيف الله المشهورة بـ "كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان"، واستمر في منصبه إلى أبريل 1990م.
شعار الجامعة
قدَّم البروفيسور النذير دفع الله كتيباً تعريفياً عن شعار جامعة الخرطوم في احتفالات الجامعة باليوبيل الفضي في نوفمبر 1981م، حيث كتب عن فكرة تصميم الشعار، قائلاً: "أخذتُ أفكر بتأني، مشركاً معي الفنان إبراهيم الصَلحي. جال فكري على مر الأيام حول ثلاثة معالم، هي: 1/ المعرفة المتفتحة، يُرمز إليها بالكتاب المفتوح؛ 2/ خصوبة أرضنا وكرم أهلها ومهد حضارتنا، يُرمز إليها بالنيل وفرعيه، النيل الأزرق والنيل الأبيض؛ 3/ نهضة التعليم الحديث في السودان، الذي يتمثل في قيام أول مدرسة حديثة، تطورت بمرور الأيام، لتصبح مجمع المدارس العليا، ثم الكلية الجامعة، ثم الجامعة؛ 4/ شعار في كلمات تتضمن غاية الغايات، وهي: معرفة الله سبحانه وتعالى، والحقيقة التي تمثل الوسيلة، والتي بتسخيرها يُبني الوطن، وتُسهم في تقدم الإنسانية، هكذا: الله- الحقيقة- الوطن- الإنسانية." ويسترسل النذير قائلاً: "بعد أن قام الأستاذ الصلحي بتجهيز النماذج التي اتفقنا عليها، دعوت إلى منزلي عمداء الكليات، والمشرف على شؤون الطلاب، ومشرف الداخليات، وأعضاء لجنة اتحاد الطلبة، وعرضت عليهم النماذج الأربعة. ولكن واحد من المجتمعين، وهو الأخ الدكتور عثمان سيدأحمد إسماعيل أبدى تحفظاً في غاية الواجهة، وهو أن كل النماذج أتت خلواً من شكل يرمز لحضارتنا السودانية الأصيلة." وكانت هذه الملاحظة الدافع للبحث عن معلم يشير إلى الحضارة المروية، وفي هذا يقول النذير: "وجدت شكلاً للوحة من الحجر عليها كتابة بالحروف المروية. اللوحة مستطيلة الشكل، وقد قدَّمها أحد أفراد الشعب هدية إلى الإله إيزيس أم الأجيال، التي تزداد حكمتها بتعاقب ما تنجب من أجيال (فكرة الجامعة). إيزيس في صورة كبش نفرتيتي. أكفيتُ بكتاب خ. ر. ط. م.، وهي الأربع علامات في نص اللوحة، لترمز لجامعة الخرطوم من جهة، ولتبرز التحدي الذي تواجهه الجامعة في إماطة اللثام عن حضارة سودانية عريقة، لا زالت لغتها مجهولة. وأكتمل التصميم في ديسمبر 1966م. ثم طُبع الشعار، وأُنتج بواسطة الفنان مجذوب ربَّاح." هذه قصة شعار جامعة الخرطوم، الذي أضحى يتكون من أربع كلمات: الله، والحقيقة، والوطن، والإنسانية، كُتبت بخط أقرب إلى الخط الديواني، على صفحة كتاب مفتوح، يرمز للمعرفة بفروعها المتنوعة، ويحتل الكتاب الجزء الأعلى من الشعار، ويقسم صفحة الكتاب عمودياً خطان متوازيان، الخط الأيمن أزرق اللون، والأيسر أبيض اللون، ويمثل نهر النيل، والخطان المائلان يمثلان النيل الأزرق، والنيل الأبيض، يمنة ويسرة على التـوالي، وما بين النيلين صورة لمبنى الجامعة، تنبعث منها خطوط برتقالية ممثلة شعلة العلم، ومبددة ظلامات الجهل المجسدة في الخلفية السوداء للوحة، وتمثل اللوحة المستطيلة في الجزء الأيسر من الشعار حضارة مروى القديمة، وبداخله أحرف منفصلة عن بعضها (خ ر ط م)، ترمز من طرف إلى اسم الجامعة، ومن طرف آخر إلى طلاسم اللغة المروية التي لم تُكتشف بعد.
البركس جامعة الخرطوم
دعنا أيها القارئ الكريم نبدأ حدثينا عن جامعة الخرطوم بإلقاء ضوء ساطع على داخليات البركس؛ لأن البركس له طعم خاص ومذاق مميز في ذائقة الذين عاشوا في رحابه، ونهلوا المعارف غير الأكاديمية الصرفة من معين فيضه الاجتماعي والثقافي الزاخر. فتاريخ البركس يرجع إلى عهد الحكم الإنجليزي المصري في السودان (1898-1956)؛ لأنه في ذلك الوقت كان ثكنات للقوات النظامية، وبعد الاستقلال تمَّ تحويله إلى داخليات لسكن طلاب جامعة الخرطوم التي توسعت بمتوالية هندسية من حيث الكم الطلابي والتنوع في المساقات العلمية. وكانت داخليات البركس تحمل أسماء عدد من أنهار السودان ومديرياته المختلفة، ونذكر منها: النيل الأزرق (أ/ب)، والنيل الأبيض، وبحر الزراف، وبحر الجبل، وجبل مرة، وأربعات، وبركة، والدندر، والرهد، والقاش، وعطبرة، وكسلا، وكردفان، ومروي، والقرشي التي أسست تخليداً لذكرى الطالب أحمد القرشي الذي استشهد عشية ثورة أكتوبر 1964م، والذي يُعد استشهاده أحد الشرارات الأولى التي أسهمت في إزكاء ثورة أكتوبر 1964م، علماً بأن البركس قد استضاف تلك الندوة الشهيرة التي سبقت اندلاع الثورة في 21 أكتوبر 1964م، وهي كما نعلم كانت غير مرخصة رسمياً من قبل القوات العسكرية وأجهزة أمن النظام العسكري الحاكم (1958-1964م) التي فرضت حصاراً محكماً على جامعة الخرطوم في ذلك الظرف العصيب. في ضوء هذه الخلفية الموجزة يمكننا القول إن البركس كان عالماً آخر، بفضل أعرافه وتقاليده الموروثة، ونظمه وقوانينه المرعية، وعلاقاته الاجتماعية المتقاطعة في قواسم مشتركة داخل نسيجه القطاعي، المكون من الطلبة، والفراشين، والكناسين، والغسالين، والمكوجية، والطباخين، والسفرجية، والحرس، وعمال البوفيهات، وبعض أبناء السبيل، وفوق هذا وذاك تيس البركس وأغنامه التوابع. وكان طلاب الأقاليم أحرص الطلاب على توثيق تلك العلاقات المتقاطعة؛ لأنها كانت تعينهم في تيسير كثير من أمورهم الاجتماعية المُكْلِفة، والمرتبطة باستضافة الصحاب من خارج الجامعة، والسكن في الداخليات أثناء العطلات الرسمية، وأحياناً بعد التخرج، وخلال فترة الطيران المدني (أي البحث عن العمل). وكان الأخ الصديق الدكتور توفيق الطيب، مرجعنا وأبرعنا في هذا الشأن، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق، عندما ذكرتُ أن غرفته في داخلية بحر الزراف كانت تعج بالضيوف القادمين من كل حدب وصوب؛ إلا أن الأخ توفيق بحكم علاقاته الممتدة وألوان طيفها المتنوعة كان قادراً على أن يوفر لهم كل واجبات الضيافة، من مراتب زائدة، وغرف استثنائية، ووجبات غذائية فاخرة بالسفرة الجديدة وغيرها. لم يكن البركس محلاً للنوم، والراحة، والخلود إلى النفس فحسب، بل كان خلية نحل دائبة بالنشاط، حلقات الأنس تحت ظلال أشجاره الوارفة مع أكواب الشاي وعصير الليمون، والصلوات الجامعة وتراتيل القرآن المنتظمة بمسجده العتيق، وملاعب التنس المحجوزة لأولاد الزوات، وحوض السباحة الذي كان يجمع بين النقائض: الحناكيش وأبناء المدن من طرف وأبناء الترابلة الذين عاشوا على ضفاف نهر النيل الخالد من طرف آخر، ويتعاظم الكسب الثقافي والاجتماعي لروابط الأقاليم بدار الاتحاد التي تقبع في الركن الشمالي الشرقي للبركس، وتطل في شموخ عفوي تجاه شواطئ النيل الأزرق ذات الخضرة العسجدية، وإن أنسى لا أنسى سينما النيل الأزرق، وأفلامها الماتعة والمائعة، ومدرجاتها الوثيرة التي كانت حكراً لأهل السعة والدعة، وسطوح داخليات النشر والأشجار المجاورة لها، والتي كانت من نصيب الذين يشكون من ضيق ذات اليد، ورقة الحالة المالية من أمثالنا. أول وصولي إلى داخليات البركس كان في صباح باكر من العام 1983م، وعبر البوابة الغربية الجنوبية المجاورة لمدرسة الخرطوم القديمة، ومنها انطلقتُ إلى الداخل متأبطاً شنطةً كبيرة، تدل على أنني طالب جديد، وفي وجهي سحنة من القروية ظاهرة مثل الشمس في رابعة النهار. وأثناء سيري المثقل الخطى سمعت صوتاً ينادي من على بُعْدٍ، وإذا به الأخ الصديق صالح عثمان صالح (قنتي/الرياض) الذي كان يقطن داخلية بحر الزراف، وفي غرفة مجاورة للأخ توفيق الطيب، وفي الغرفة المواجهة للسفرة الجديدة يسكن الأخ الدكتور عبد اللطيف محمد سيدأحمد، والدكتور المرحوم عبد الله عبد الرحيم. وأشعرتني صحبة هؤلاء الأفاضل بنوع من الطمأنينة، وبعد ذلك رتب الأخ عبد اللطيف أمر سكنى بداخلية النيل الأزرق (أ)، وفي الغرفة رقم (1)، صحبة الأخ أحمد حسين قروص (الدويم/ ملحق اقتصادي بروكسل)، ومنيل بشري محمد أفندي (المجلد/ قاضي محكمة استئناف)، وعبد المنعم جعفر السائح (الدويم)، وكرستوفر جرمه (الاستوائية). هكذا بدأت رحلة الحياة بجامعة الخرطوم، وهكذا توسعت أوعية التواصل الاجتماعي، فكان البركس يمثل نقلة نوعية من حيز المنطقة الجغرافي إلى رحاب الوطن المنبسط في شموخ تاريخي، وذلك بفضل تنوعه الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، والديني. وظلت تنصهر في رحاب هذا التنوع الفسيفيسائي بعض شوائب القبلية ورائحتها المنتنة، وفي المقابل تنداح دائرة الوحدة في إطار التنوع في وطن متعدد الأعراق والأجناس.
قهوة (مقهى) النشاط جامعة الخرطوم
يُعْدَ مقهى النشاط بجامعة الخرطوم من أعرق المقاهي الفكرية والسياسية في تاريخ الحركة الطلابية بالسودان، ولم يكتسب هذه الوضعية من فن عمارته الجميل، ولا خدماته المتميزة، ولكن اكتسبها من واقع نشاطه الفكري والسياسي، وموقعه الجغرافي في قلب مجمع الوسط بجامعة الخرطوم. بدأ مقهى النشاط بقهوة صغيرة لتقديم المشروبات الساخنة والباردة، حيث أرتبط اسمها باسم متعهدها عم السر كوكو، لكنه سرعان ما تحول إلى خلية نحل مفعمة بالنشاط، حيث يلتقي عندها قادة الحركة الطلابية والناشطين سياسياً الفاعلين ثقافياً بالجامعة. وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي تمَّ تحويل الصحف الحائطية وأركان النقاش من دار الاتحاد المجاور لداخليات الطلاب (البركس) إلى مقهى النشاط؛ لأن حكومة مايو في تلك الفترة ضاقت زرعاً بحركة الطلبة ونشاطها المعادي، وأحكمت الخناق على دار الاتحاد المطلة على شارع النيل، والواقعة بجوار سينما النيل الأزرق.
كان اليوم العادي يبدأ في قهوة النشاط بقراءة الصحف الحائطية، وأذكر منها آخر لحظة، صحيفة الاتجاه الإسلامي، وصباح الخير صحيفة الجبهة الديمقراطية، والكفاح صحيفة جبهة كفاح الطلبة، ومن صحف أصحاب الامتياز الصحافي أذكر صحيفة "أشواك السيال" للأستاذ محمد طه محمد أحمد، والأستاذ "عادل الباز" كان أيضاً له صحيفة متميزة في ذلك العهد. وبحلول منتصف النهار تبدأ أركان النقاش التي كان يؤمها العديد من طلبة الجامعة والزائرين من الخارج، وأشهرها أركان الإخوان الجمهوريين التي استطاعت أن تؤسس منهجهاً فكرياً متفرداً في النقاش بقيادة أساطينها آنذاك، الأساتذة أحمد المصطفى دالي، وعمر القراي، وأسماء محمود محمد طه، وكان يقف في مجادلتهم الإخوة محمد طه محمد أحمد، وطبيب الأسنان عبد السميع حيدر الذي جمد عاماً أكاديمياً كاملاً بكلية طب الأسنان، لقراءة الفكر الجمهوري والرد على أنصاره، ودفع الله بخيت. أما الجبهة الديمقراطية فكانت تمثل أحد الأعمدة الثلاثة في أركان النقاش بالجامعة، ومن نشطائها آنذاك الأستاذ الحاج وراق، والمهندس مأمون سيدأحمد، والأستاذ نزار أحمد، والأستاذة ماجدولين عبد الرحمن. وفوق هذا وذاك، يجب ألا أنسى إسهامات الأستاذ صديق أبو ضفيرة صاحب الرقم 13. ربما نختلف في الرأي مع أية مجموعة من تلك المجموعات في طرحها الفكري والسياسي؛ إلا أنها أسهمت في تنوير العقل الطلابي بكثير من القضايا السياسية والفكرية التي كانت محل خلاف، وجذب، ودفع، حسب المنطلقات الفكرية لكل مجموعة، وآليات عرضها للقضايا الخلافية.
وإلى جانب هذه الأركان الفكرية والسياسية كانت توجد بعض أركان النقاش الهازلة العابثة، التي كانت يعقدها بعض الذين رفتوا من الجامعة لأسباب أكاديمية أو صحية، وأذكر منها ركن الأخ بابكر كهربا الذي كان يتحدث دائماً عن الكهرومغناطيسية والنظريات المصاحبة لها، ويصف الحمار بالغباء لأنه يقع في خط موازٍ للمجال المغنطيسي للأرض. وإن أنسى لا نسى الأستاذ عمر محمد عمر أومو، الذي كانت تحفل أركان نقاشه بالحيوية والفكاهة، لما يتخللها من النكات والقفشات الضاحكة التي كانت تزيل بعضاً من رهق التحصيل والمذاكرة. وكان أومو يبدأ أركانه بالحديث عن علم الحيوان، ثم يشرح عملية تشريح الأسماك، ويتطرق بعد ذلك إلى الأحزاب السياسية والأحداث المصاحبة لحراكها الفكري، وأخيراً يختم أركانه بالحديث عن الجنس اللطيف، والعلاقات المشبوهة بين الطلاب والطلبات داخل الحرم الجامعي وخارجه.
وفي أمسيات كانت تعقد في فضاءات قهوة النشاط بعض الندوات السياسية، وخاصة في مواسم انتخابات اتحاد الطلاب والروابط الأكاديمية، ومن خلال هذه الندوات تعرفنا على طرح نخبة من السياسيين السودانيين، وأذكر منهم: حسن الترابي، ومحمد إبراهيم نقد، والصادق المهدي، وأحمد إبراهيم دريج، وفرانسيس دينق، وأبوزيد محمد حمزة، وعصام أحمد البشير، وأحمد المصطفى دالي. وذلك فضلاً عن المحاضرات العلمية التي كانت تعقدها بعض الكليات، وأذكر منها محاضرات الدكتور عبد الله الطيب، والدكتور جعفر ميرغني، والدكتور محمد سعيد القدال، والدكتور عدلان الحردلو. وبهذه الصورة المصغرة للنشاط الفكري، والسياسي، والاجتماعي المتمثل في أنشطة الروابط الإقليمية نصل إلى جامعة الخرطوم كانت شعلة من النشاط الذي لم يكن مختصراً على تحصيل العلمي داخل قاعات الدرس ومشكلاتها اليومية، بل كان ممتداً في فضاءات واسعة ورحبة، حيث يجد الطالب فيها الصالح والطالح، وبموجب بعضها يحدد مسار حياته الفكرية والسياسية بعد التخرج من الجامعة.
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
يعد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم من المؤسسة الطالبية المهمة التي شكلت طرفاً من أرث السودان في العمل السياسي والنقابي الناشط، إذ يرجع تاريخ تأسيسه إلى عام 1938م، تحت مسمى جمعية الثقافة والإصلاح، وفي عام 1942م عُدل اسم الجمعية إلى "لجنة اتحاد كلية غردون والمدارس والعليا"، وفي عام 1946م إلى "اتحاد الكلية الجامعية"، وبعد عامين من ذلك التاريخ إلى "اتحاد عام الطلاب السودانيين"، وبعد الاستقلال، وتحديداً في 1957م عُدل اسمه إلى "اتحاد طلاب جامعة الخرطوم".
جامعة الخرطوم الترتيب الأكاديمي العالمي
ظلت جامعة الخرطوم إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي من أرعق الجامعات الإفريقية والعربية التي يشار إليها بالبنان، وعلى المستوى المحلي كانت تتصدر جامعات السودان الأربع آنذاك: جامعة أمدرمان الإسلامية، وجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وجامعة الجزيرة، وجامعة جوبا. وللأسف تدهور مستواها في العقود الأخيرة، بدليل أنها لم تكن ضمن أفضل 20 جامعة في إفريقيا، أو 30 جامعة عربية حسب تقييم ويبوميتركس العالمي للجامعات للعام 2017م، ولا يوجد لها ذكر بين الجامعة العالمية المرموقة في تصنيف التايمز (World University Rankings 2016-2017) للعام نفسه. أين يكمن الخلل يا هؤلاء.
ahmedabushouk62@hotmail.com