في الإعتقاد بعودة غوش، أو إعادته، بغية الدفاع عن البشير في موقعه قدر من الحقيقة. الغالب الغائب في الواقع رجوع غوش من أجل نفسه. رأس المخابرات عائد مستهدفاَ رئاسة الدولة. هو متأهب لخوض أي دفاع عن الرئيس أو هجوم من أجله. لكنما ذلك ليس سوى حلقة من معارك غوش الخاصة. الفريق لن يخوض معارك من أجل الآخرين. هو يفعل ذلك في سبيل تحقيق طموحه الذاتي.
إنها حرب مستقبله العائد من أجله. بغير هذا الفهم لا تتأتى قناعة برجوع رجل إلى منصة يعيد الناس معها نبش ماض ليس بالمجيد. الزمن فعل فعلته التقليدية إبان غيابه عن المشهد. ألأيام راكمت غبار النسيان على الذاكرة الجمعية بينما نعم هو بجرعة من التصالح مع الذات في بعاده ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ذك مدخل يرسٌخ عودة صلاح غوش متأبطا مشروعا ذاتيا طموحاً وجهته قصر الرئاسة. هل تأبط غوش شراً أم خيراً؟ ذلك هو السؤال. من هذه الزاوية نرصد خطوات الفريق العائد. تظاهرة الحرية داخل سجن كوبر لا تستهدف تجميل النظام. غايتها منح غوش إطاراَ يريد تسويق صورته بعد الرجوع عبره. هي خطوة جميلة لا يفسد إبتذال إخراجها من بهاء مضمونها. محور مشروع رئيس الخابرات العائد يتجسد في أنسنة النظام لا تغييره . الرجل أعاد على مسامعنا في أكثر مناسبة إنشغاله بنهج العزم والحزم تجاه المتلاعبين بقوت الشعب . ربما لا يجافي الواقع القول بإختيار البشير إعادة غوش للإستقواء على خصومه في الداخل والخارج. هذه النظرة لا تدحض إغتنام غوش فرصة بغية إنجاز طموح شخصي. من المرجح، إن لم يكن المؤكد، إستيعاب رجل المخابرات الظروف الموضوعية المكتنفة المشهد السياسي برمته. البشير في مأزق حرج. خصوم الرئيس لايملكون قناعة القدرة على إطاحته. المعارضة مفككة.الأزمة الإقتصادية مستحكمة. الإختيار الإنتقائي وسط الظروف غير المواتية يجعلان غوش رجل المرحلة. في مثل هذه الأحوال يغلب على تلاقي حلفاء الأمس تبادل الشروط. الأقوى هو الغالب. الضعيف هو القابل. عنصر الزمن يلعب الدورالحاسم. كم أمام الرئيس من أجل إعادة ترتيب الأوراق؟ ما هي الفترة الزمانية المتخيلة لبقاء الرئيس على سدة السلطة؟ هل من الممكن الرهان على غوش بغية تأمين نهاية سعيدة للرئيس؟ أليس لدى رجل المخابرات ما يرجح كفته على أنداده؟ الإجابات على تلك الأسئلة ومتناسلاتها ترسم صورة للشروط غير المرئية المتبادلة بين المشير والفريق. هي صورة تكرُس الإعتقاد بعودة غوش متأبطاَ مشروعاَ وجهته القصر. بغض النظر عن النبش في ماضي الرجل، من اليسير الإتفاق على، وجود فرصة تاريخية أمام غوش لإحداث تحول جوهري سلمي في زمن قصير. الكل مدرك مساسة مثل هذا التحول. على هذا الطريق غوش مطالب بادئ ذي بدء بخلع ذهنيته الأيديولوجية ذات النزعة اليقينية المتعصبة. تلك خطوة حتمية بغية قبول الفكير الآخر الناقد. هي خطوة تنهي إخراج النظام من التنظيم. هي بداية التحول من إعلاء الحزب على الوطن، تفضيل الموالين على الأكفاء. إطلاق كل المعتقلين تشكل منعطف لجهة الإنفتاح. غوش يدرك حتماَ أكثر من غيره كيف يبدد الإستبداد طاقات التعايش. هو كذلك أكثر من غيره يعلم إلى أين يفضي إحتكار سلطة القرار. بعد نحو عقود ثلاثة من القمع والشراسة هاهو الإنقاذ وحش بلا أنياب. الشعب لا يعد فقط المشاريع المعطلة، الفرص المهدرة كما الأخطاء المتراكبة في زمن الإنقاذ. بل أكثر من ذلك يحصي الجرائم، الفضائح كما الخطايا المرتكبة. أنسنة النظام لم تعد ممكنة. ذلك أحد أكبر التحديات الماثلة. هل يكفي إستبدل الوجوه أم الذهاب لجهة بنى النظام في سبيل إسترداد مؤسسات الدولة تعافيها؟ تلك هي المعضلة؟ ملامح مشروع الأنسنة تبدومع بروز طاقم إدارة رجل المرحلة . الرهان الأكثرجدوى يتمحور في عقليات تبدع خارطة تنمية شاملة توازن بين التحديث الإجتماعي والبناء السياسي. كم من الجهد والوقت تستنزفنا عملية الخروج من فخاخ القبلية والعشائرية على درب إستئناف محاولاتنا السالفة لجهة بناء مجتمع مدني يشد عصب نسيجنا الوطني؟ تلك قضية مفصلية. إنجاز مثل هذه التحولات لا يتأتى بالقفز فوق أطراف المعادلة السياسية والقوى الإجتماعية الفاعلة. غوش مطالب بإقناع تلك الأطراف وتلك القوى بجديته في فتح أقنية حوار بناء. من شأن ذلك المساهمة في رسم مرحلة إنتقالية سلمية مختزلة الجهد والوقت على طريق تحول ديمقراطي متكامل. بالإضافة إلى المتربصين داخل النظام يتشكل العنصر الحاسم في مشروع غوش في مدى قبول الرجل ومشروعه لدى الشارع العام. السباق في هذا المضمار بين رصيد غوش في الماضي وخطواته في الحاضر.