من أسوأ إفرازات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي استمر ثلاثين عامًا، إنشاؤه دولةً موازيةً للدولة السودانية الموروثة من الحقبة الاستعمارية، التي بقيت تمارس وظائفها، في الإشراف العام على الموارد، وتدير شؤون المال العام، في كل فترات الحكم؛ العسكرية منها والديمقراطية التي عرفها السودان، حتى مجيء الإسلاميين إلى الحكم.
ربما لا يعلم كثيرون، من غير السودانيين، حدة العداء التي واجهت بها الحركة الإسلامية السودانية، حركة الفنون والآداب في السودان، وما قامت به من عمليات تجريفٍ ممنهجةٍ لإضعافها من جهة، وتدجينها واستتباعها، وتطويعها لخدمة الإيديولوجيا الإخوانية السودانية، سلفية الجذور والطابع العام، من الجهة الأخرى.
انشغلت الأوساط السياسية السودانية، في الأيام القليلة الماضية، بحدثين: الأول، إصدار رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، قرارًا يقضي بتبعية الهيئة القومية للاتصالات إلى وزارة الدفاع.
صحونا، نحن السودانيين، بعد ثلاثين عامًا، لنكتشف أن رجلاً يفتقر إلى أدنى مقومات الزعامة من امتلاكٍ لقدرٍ معقول من الشعور بالكرامة الوطنية والشرف وكبرياء النفس وعزّتها، هو من ظل يتحكّم في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ في شؤوننا، طوال تلك السنوات الثلاثين الكالحة التي لم ير السودانيون ما هو أكثر سوءًا منها، في تاريخهم القريب.
يكتب محمود ممداني، في كتابه "دارفور: منقذون وناجون"، أن الجدل بشأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي في السودان، عبر فترة ما بعد الاستقلال، انحصر، إلى حدٍّ كبير، في الصراع بين التقليد والحداثة.
يحاول الدكتور النور حمد الكاتب والباحث السوداني الوصول إلى سردية تاريخية تعيد اكتشاف الوطن، والإجابة على سؤال الهوية، على نحوٍ أخير نهائي، وقد أعمل أدواته المعرفية في سبر أغوار المشكلة التاريخية والسياسية التي أقعدت بالسودان، كما يعد أحد أهم تجليات الدوامة الفكرية المنتجة، وإن حبسته دائرة