حمدوك.. استقالة في وقت حرج تثير قلقاً بشأن مستقبل السودان

 


 

 

أعلن عبد الله حمدوك استقالته من منصبه كرئيس وزراء للسودان بعد فترة كانت حافلة بخلافات حادة بين المكونين المدني والعسكري في البلاد، ما زاد المشهد السوداني غموضا. فما مغزى توقيت الاستقالة؟ وإلى أين تتجه البلاد الآن؟
بعد شد وجذب وتوترات شديدة بين المكونين المدني والعسكري في مجلس السيادة السوداني انتهت باعتقاله هو شخصياً ووضعه قيد الإقامة الجبرية ومقتل ما لايقل عن 50 سودانياً برصاص قوات الأمن، قرر عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني الاستقالة تاركاً خلفه مشهدا شديد الضبابية والتعقيد.

وقال حمدوك في خطاب استقالته: "قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء، مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا.. والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية".

مغزى التوقيت

على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال الفترة الماضية، عبر كثير من السودانيين عن غضبهم من استمرار حمدوك في منصبه، وطالبوه بتقديم استقالته عدة مرات.. غضب تصاعد بعد اتفاق وقعه مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ندد به كثيرون خصوصاً التحالف المدني الذي دعمه في السابق.

ويرى الدكتور الرشيد محمد ابراهيم، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الخرطوم أن استقالة حمدوك جاءت وسط تعقيدات شديدة للمشهد السوداني. ويعتقد الخبير السياسي السوداني أن حمدوك "ربما كان يأمل أن تقوم الحاضنة السياسية وقوى إعلان الحرية والتغيير بالوصول إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية، وهو ما كان يمكن أن يضمن لرئيس الوزراء أن يستمر في منصبه".

وأشار إبراهيم في حواره مع DW عربية إلى أن حمدوك "حاول تأخير قراره حتى تتمكن الأطراف المتنازعة من التلاقي في منطقة وسط لتكوين كتلة سياسية تحمي الفترة الانتقالية وتساند الاستقرار خلال هذه الفترة، لكنه حينما يأس من ذلك أدرك استحالة القيام بمهامه كرئيس للوزراء".

بدوره، يؤكد كريستين فيليس رورز، رئيس مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في الخرطوم أن "حمدوك لم يعد لديه خيارات أخرى. فبعد اتفاقه مع الجيش على عودته لمنصبه، بهدف منع إراقة الدماء في الشوارع، إلا أنه من الواضح أن قراره لم يغير شيئاً على الأرض، ولم يتمكن من تشكيل حكومة تكنوقراط، واستمر قطع الاتصالات والانترنت، بل ووصل عدد القتلى إلى أكثر من 50 منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021"، بحسب ما قال خلال حواره مع DW عربية.

ويرى الخبير السياسي الألماني أن موقف حمدوك أصبح حساساً للغاية، "فالمكون المدني وعلى رأسه الشباب في الشارع يرفض بشدة اتفاقه مع الجيش ويرى في ذلك خيانة لثورة - إن جاز التعبير- فيما يراه الشباب أنه أصبح كورقة توت للجيش، وبالتالي لن يدعم أحد منهم أي حكومة قد يشكلها حمدوك منبثقة عن هذا الاتفاق، ما جعله يدرك أنه عاجز عن القيام بما يجب عليه فعله في منصبه".

لماذا فشل التوافق بين المدنيين والعسكريين؟

كان حمدوك قد أكد في خطاب استقالته أنه حاول دون جدوى التوصل إلى توافق بين الفصائل المنقسمة بشدة، وأضاف: "لقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق إلى الكارثة.. ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء ولكن ذلك لم يحدث".

يقول الدكتور الرشيد محمد ابراهيم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن جذور الفشل في التوافق بين المكونين المدني والعسكري تعود إلى فترة ما بعد سقوط نظام البشير، والتي ظهر خلالها أن هناك تبايناً لدى الطرفين حول مفهوم الفترة الانتقالية من حيث الوسائل والأدوات بل وربما من حيث الأهداف والغايات، الأمر الذي جعل كل طرف ينظر للآخر باعتباره عدوا محتملا وليس صديقا محتملا ..هذه النظرة هي التي جعلت الفترة الانتقالية غير مستقرة، نظرا لغياب الثقة".

وأضاف أن "أهم دلائل فقدان الثقة هو الجدل بشأن مسألة المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة النظام السابق والعدالة القضائية وذلك من قبل المدنيين تجاه العسكر. أما العسكر فهم أيضاً بدورهم استخدموا مسألة التلويح بالانتخابات المبكرة في وجه المدنيين والتهديد المبطن بالتعاون مع الإسلاميين من خلال المصالحة معهم".

ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد الأسباط من باريس أن السبب الأساسي لفشل التوافق بين المدنيين والعسكريين "هو إصرار العسكريين على الوجود في المشهد السياسي ومحاولاتهم المستميتة لاختطاف ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية وإدارة الأمن، فيما يطالب الشارع بحكم مدني، بحسب ما قال لـ DW عربية.

لكن اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب، الخبير الاستراتيجي والمتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات القومية في الخرطوم، فيرى أن "بقاء القوات المسلحة في الحكم أمر اقتضته ضرورة الانحياز لثورة ديسمبر ليصبح وجود القوات المسلحة في الفترة الانتقالية أمراً واقعاً".

وأضاف في حواره مع DW عربية أن الموقف المتفجر في الفترة الانتقالية "ليس لإصرار العسكريين على الوجود في المشهد السياسي وإنما دخلت في القرار عوامل متعددة أدت للتمسك بالبقاء، واحدة منها ما يعرف بالعدالة الانتقالية واحتمال توجيه تهم للعسكريين في مسالة فض الاعتصام والقتلى في الاحتجاجات بعد قرارات أكتوبر".

ويضيف الخبير الاستراتيجي السوداني أن من الأسباب أيضاً "المهددات التي تحيط بالسودان من نزاع حدودي مع إثيوبيا وتفجر الموقف في ليبيا ونزاع مع جنوب السودان والإشكاليات في تشاد ودارفور ووجود خلايا إرهابية في السودان، وكلها أسباب تجعل الجيش يحاول البقاء لمجابهة هذه التحديات في الفترة الانتقالية. وهي تحديات تهدد الأمن القومي السوداني، على أن تعود القوات المسلحة حامية للحدود والأرض والدستور بعيداً عن السلطة بعد الانتخابات".

من سيقبل برئاسة الوزراء بعد حمدوك؟

ويزيد إعلان حمدوك استقالته من منصبه من حالة الغموض إزاء المستقبل السياسي في السودان بعد ثلاث سنوات من الانتفاضة التي أفضت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

وتكمن المشكلة في الوقت الحالي في أن من سيقبل بمنصب رئيس الوزراء وسط الأوضاع الحالية سيواجه سيلاً من الاتهامات، وربما لهذا السبب ينأي كل من يذكر اسمه في هذا السياق بنفسه عن الأمر، ومنهم الدكتور مضوي إبراهيم أستاذ الهندسة بجامعة الخرطوم ومؤسس ورئيس منظمة السودان للتنمية الاجتماعية (سودو):

ويعتقد الدكتور الرشيد محمد ابراهيم، أن الطريق أصبح سهلاً أمام الفريق عبد الفتاح البرهان في أن يمضي في قراراته التي بدأها في 25 اكتوبر/ تشرين الأول وأوقفتها عودة حمدوك، "فالبرهان وضع بالفعل خارطة طريق أعلنها في مؤتمر صحفي أساسها فترة انتقالية دون أحزاب وتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة وإجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه في الوثيقة الدستورية".

ويستبعد إبراهيم تحقق سيناريوهات الفوضى في البلاد، ويشدد على أن "التدابير الأمنية وحدها لا تكفي لمعالجة إشكالات هي ذات طبيعة سياسية .. فالحوار ومحاولة الالتقاء مع الشارع السياسي تبقى هي الصيغة الأفضل بالنسبة للسودان والتي يمكن أن تجنبه الكثير من المشكلات التي واجهت دول الريبع العربي لاحقاً".

أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد الأسباط من باريس فأكد أن "البرهان ومن معه يواصلون المضي قدماً في قرارات ما بعد الانقلاب في محاولة للانفراد بالحكم في مواجهة شارع يصر تماماً على الحكم المدني"، واصفاً الموقف بأنه "معركة كسر عظام يستخدم فيها الشارع أداوت النضال السلمي المدني وهي أدوات ناجحةوناجعة جربها السودانيون عدة مرات في فترة ما بعد الاستقلال"، مؤكداً أن "إرادة الشعب هي الغالبة طال الزمن أو قصر".

ويرى الأسباط أن خروج حمدوك سيعقد المشهد كثيراً، وأن كل إنجازات الرجل من رفع لاسم السودان من قوائم الإرهاب والمساعدات الدولية التي بدأت تتدفق على البلاد وغيرها "كل هذا توقف تماماً وانتهى الأمر إلى جعل العسكريين في مواجهة الشعب والمجتمع الدولي بشكل واضح وصريح". هذه النقطة التي تحدث عنها الأسباط أكد عليها كثير من المغردين السودانيين:

من جانبه، يرى اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب الخبير الاستراتيجي أن "استقالة حمدوك وضعت الجميع في مفترق طرق باعتبار أنه كان يمثل رمانة ميزان الثورة السودانية ويحظى بقبول محلي وإقليمي ودولي، وأيضاً كان يمثل الواسطة بين القوى السياسية المدنية والمكون العسكري في مسألة الاجتماعات والمفاوضات، وخروجه من المشهد السياسي سيحدث إرباكاً كبيراً"، مشيراً إلى أن الإشكالية الأكبر تتمثل في "رفض الشارع السياسي لأي شخصية أخرى يمكن أن يدفع بها المكون العسكري إلى هذا المنصب".

ويرى الخبير الاستراتيجي السوداني أن "الأوضاع التي تحتاج إلى ترتيب فوري هي تعيين رئيس وزراء بصورة عاجلة للغاية وتعيين حكومة تكنوقراط، والتفاهم مع الشارع السياسي وتلبية مطالبه الخاصة باللاءات الثلاثة (لا شرعية لا تفاوض لا شراكة) وهذه إشكالية كبرى أخرى لأنها تعني خروج المكون العسكري تماماً من المشهد السياسي وهو أمر صعب على الأقل خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية".

ويرى كريستين فيليس رورز، رئيس مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في الخرطوم أن "الأمر يعتمد حالياً إلى حد كبير على ما إذا كانت صدمة استقالة حمدوك - إذا جاز التعبير- ستجبر الجانب المدني والعديد من المجموعات والتيارات السياسية على التجمع وتقديم ثقل موازن في مواجهة الجيش"، مبدياً خشيته من أن تكون "هذه فرصة الجيش الآن للسيطرة على مقاليد الأمور بشكل كامل".

عماد حسن
نقلا عن DW
////////////////////

 

آراء