انتشر قبل يومين على نطاق واسع مقطع فيديو، يوثق لتعذيب مجموعة من المواطنين السودانيين على أيدي عدد من الأشخاص الساديين قساة القلوب. مكان تصوير الفيديو واللهجة التي يتحدث بها هؤلاء الساديون تؤكد أنهم من ليبيا وأنهم مواطنين ليبيين. الفيديو ليس الأول الذي يعكس أحوال السودانيين المأساوية في ليبيا، كما أنه لا ينقل أول صور للتعذيب يتعرض لها ليس السودانيين فقط، بل كافة الأفارقة من دول جنوب الصحراء، آي الأفارقة "سود البشرة"، مما يحيل مباشرة إلى عنصرية بغيضة تضاف إلى السادية التي يتصف بها من يمارسون التعذيب والتنكيل بكل أفريقي جاء عابرا بهدف الهجرة. الشيء الجديد في الفيديو الأخير هو طرق التعذيب البشعة التي يتعرض لها هؤلاء الشباب السودانيين، إلى جانب الوقاحة والدناءة التي يبديها ممارسو التعذيب وهم يطالبون بفدية محددة مقابل إطلاق سراحهم وإيقاف تعذيبهم أو الموت دون ذلك.
المحزن في قضية هؤلاء الشباب، إنهم خرجوا من بلادهم – السودان – أملا في إبدال أوضاع وظروف سيئة يمرون بها وتمر بها مناطقهم – دارفور -، فهو خروج بدافع الهجرة النبيلة، بما أن الهدف الرئيسي من هذه الهجرة هو تحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق ظروف حياتية أفضل من التي يواجهونها في بلدهم الأصلي – السودان – أما ليبيا فلا تمثل في كل هذا "الطموح" أكثر من مجرد معبر إلى بلاد أخرى هي أوربا – الحلم. إذن رحلة طموح مشروع وأحلام بريئة تتحول إلى مأساة على أيدي مجموعة من السفاحين "السايكوباتيين".
كثير من المعلقين على هذه الحادثة والحوادث المشابهة لها، ربطوا بين ما يجري للأفارقة "المهاجرين" بشكل خاص في الأراضي الليبية ومساعي الاتحاد الأوربي للحد من الهجرة الأفريقية إلى البلدان الأوربية، لتصبح القراءة في هذه الحالة أن سيناريو التعذيب وتجارة الرق الأفريقي كلها معطى ضمن الحرب على الهجرة الأفريقية والمحاولات المستميتة لإيقافها. عذبوا، اقتلوا، اشتروا وبيعوا، انشروا مقاطع الفيديو الفظيعة، حركوا الرأي العام الأفريقي، أثيروا الجميع، والمحصلة النهائية نشر الخوف والرعب والابتعاد التلقائي عن ليبيا المعبر الأول للأفارقة نحو أوربا.
نعم، نظرية المؤامرة، تغلف الرأي السابق، لكنه في كل الأحوال لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة، لاسيما إذا انتبهنا إلى حالة الصمت الدولي التي قوبلت بها هذه الأعمال والممارسات الشنيعة ضد الأفارقة المهاجرين داخل ليبيا.
الفيديو الأخير، كما ذكرت سابقا، يخص سودانيين، مواطنين سودانيين من ولايات دارفور وجدوا أنفسهم تحت رحمة من لا رحمة له فأذاقهم أشد صنوف العذاب. هؤلاء مسؤولية من؟ بلا شك هم مسؤولية مباشرة لحكومة البلاد، وهي الجهة الأولى المسؤولة عنهم وعليها التحرك بفاعلية أكثر لتحريرهم واتخاذ موقف قوي ضد "الجهات" الليبية التي تستغل ضعفهم وتحاول عن طريقهم تحقيق الإثراء الحرام وتنفيذ أجندة الآخرين. فهل تتحرك حكومتنا لإنقاذ مواطنين سودانيين ذاقوا من الذل والإهانة ما ذاقوا ونالوا من التعذيب ما لا يتحمله بشر.
لن أنقل تفاصيل مقطع الفيديو لبشاعتها وعدم قدرتي حتى على استعادة مشاهدها المروعة.
mansourem@hotmail.com