أصدقك القول أخي حمدوك: لن نعبر إلا إذا !!

 


 

 

* أخي حمدوك، إن التشوهات الاقتصادية متجذرة في كل قطاعات الاقتصاد السوداني.. ولا ينكر إنجازاتك في إزالة (بعضها) إلا مكابر.. ولا ريب في أنك تمكنت من اقناع منظمات التمويل الدولية في أن السودان معرض لمخاطر ارتفاع أعباء الديون، وأن جديتك أثبتت لتلك المنظمات أن السودان جدير بالحصول على مساعدات مالية في شكل منح من البنك الدولي.. كما وأنك تمهد الطريق الآن لإعفاء السودان من ديونه الثقيلة..

* في ظني أن مؤسستي التمويل الدوليتين سوف تقفان معك حتى النهاية، وهي شاهدة على مجاهداتك لإزالة ما تبقى من تشوهات اقتصادية رغم المتاريس الموضوعة أمامك للحيلولة دون تحقيق سلامة الاقتصاد السوداني الموبوء بالتشوهات الموروثة..

* لكن لا يزال التشوُّه الأشد بشاعة والأعتى تخريباً للاقتصاد السوداني هو ( تسكع) 82% من المال العام خارج ولاية وزارة المالية.. إنه ليس تشوهاً فقط بل (غرغرينا) نتنة الرائحة انتشرت في جسد الاقتصاد السوداني.. وسوف تبعد نتانتها الشركات متعددة الجنسية عن الاستثمار الأجنبي المباشر في السودان..

* ولا ريب في أن يدك مغلولة إلى عنقك بصدد استرجاع المال العام كله إلى النظام المصرفي.. والكل يعلم أنك تواجه، حالياً، ما يواجهه العطار عند سعيه لإصلاح ما أفسده الدهر.. (والعسكر واقفين طابور!)

* وفي يقيني أنه لا قِبَل للشركات متعدية الجنسيات أن استثمرت في دولة تسلطت عليها طغمة عسكرية فاسدة اتخذت من الثيوقراطية (الأممية) والحكم الإلاهي منهجاً لتغطية فسادها الإداري والمالي، بعيداً عن المؤسسية، على مدى ثلاثة عقود.. ولا تزال اسقاطات نهجها هي المحرك الديناميكي لدولاب العمل العام في كل السودان.. ومن إحدى تجليات عدم المؤسسية تحكُّم الشركات العسكرية على حوالي 82% من المال العام.. ولا يعرف البنك المركزي كمية الكتلة النقدية، المبرئة للذمة في البلد، ولا علم لديه بكمية الكتلة النقدية المزيفة المتداولة في السوق..

* وإضافةً إلى تحكم الشركات العسكرية على تلك النسبة من المال العام، يتحكم المكون العسكري في الحكومة على جميع ملفات سلام جوبا.. وكان يكفي أن يسند إليه ملف الترتيبات الأمنية فقط.. لأن المكون العسكري (اللجنة الأمنية) جزء لا يتجزأ من مشكلة السلام العصية في السودان.. وقد صرح الجنرال شمس الدين كباشي، تصريحاً عبر فيه عن ما يدور في مخيلة تلك اللجنة حول السلام بقوله:- "إن حمدوك أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق"..

* إن كباشي، وكل اللجنة الأمنية، جزء من المشكلة فلا تتوقعوا منه البحث عن أنجع السبل لإيجاد حلول سلام مستدام في السودان.. وقد ظهرت نتائج تعنتاته (الأمنية) في تعثر مفاوضات سلام جوبا قبل أيام..

* أسمح لي أخي حمدوك أن أقول لك أن السلام الذي تحدثت عنه في خطابك سلامٌ سقط في جب المكون العسكري.. وأن أقول لك أنْ لا سلام يُعتد به إلا بعد دمج الحركات المسلحة والجنجويد في الجيش السوداني.. وكل من يزعم أن ميليشيا الجنجويد تعمل تحت إمرة القائد العام للجيش السوداني، فهو يتحاشى الحقيقة لمرارتها..

* وأؤكد لك أن عدم دمج الجنجويد في الجيش السوداني دمجاً واضحاً لا مجال للتأويل فيه قد يدفع بعض الحركات المسلحة إلى رفض دمج جيوشها في الجيش السوداني.. وربما أنتج ذلك شداً وجذباً يؤديان إلى حوار أسلحة الجيوش العديدة للقول الفصل.. ويضيع السلام المأمول!

* قال المبعوث الأممي فولكر يوم الثلاثاء 15 يونيو الجاري:
".... وجود عدة جيوش في دولة واحدة يمثل تهديدا لاستقرار البلد.."

* ذاك ما قاله فولكلر، وأعتقد أن ما قاله لن يغيب عن بال الشركات متعددة الجنسية الأكثر حساسية تجاه الأمن والاستقرار.. لذلك لا أتوقع أن تخاطر برؤوس أموالها للاستثمار المباشر في بلد فيه هذا العدد من الجيوش.. كما لا أتوقعها منها الخاطرة برؤوس أموالها إلا بعد تمحيص وتدقيق في أحوال البلد، وإجراء دراسات معمقة تسبق إجراء دراسة جدوى إقتصاية وفنية (Prefeasability study )
تبني فرضياتها على بيانات وإحصائيات صادرة من جهة موثوق بها في البلد المراد الاستثمار فيه، وتشتمل الدراسة على حسابات تقديرية لمدخلات ومخرجات الانتاج وصولاً لفترة استرداد رأس المال والربح..

* وأنت تعلم، أخي حمدوك، أن مثل هذه التقديرات لا يمكن بناؤها في بيئة يضربها التضخم الجامح.. ويتقافز فيها سعر صرف العملة المحلية بلا لجام بالإضافة إلى التشوهات المذكورة أعلاه..

* لذا أقول، وأتمنى أن أكون مخطئاً:- إن رؤوس أموال الشركات الأجنبية لن تتدفق إلى السودان ما لم تعد ولاية 100% من المال العام لوزارة المالية.. وما لم يتحكم البنك المركزي في الكتلة النقدية، المبرئة للذمة المتداولة في السوق.. وما لم يتم دمج جميع الجيوش في جيش سوداني واحد، عقيدته العسكرية عقيدة واحدة، تحت إمرة قائد عام واحد..

* ولا أخفي اعتقادي في أن المنح والقروض سوف تأتي لإغاثة السودان من السقوط في هاوية الفشل..

* سوف تتدفق تلك المساعدات و في ظني أن ما ذكرته عن المرحلة الرابعة، من مراحل برنامجك، هو أهم ما في خطابك.. وعليه العوض، حيث ذكرت أنها:- "مرحلة توجيه الطاقات نحو الإنتاج وتوجيه الموارد...."..

* في الحسبان أنك تقصد توجيه الطاقات والموارد ( المحلية) نحو الانتاج، وهذا ما ظل كثيرون منا يدعون إليه..

osmanabuasad@gmail.com

 

آراء