أليس في السودان رجل رشيد؟

 


 

 

 

أتسأل ويتسأل مع الكثيرين ماهو موقف زعماء الأحزاب ورؤساء النقابات ومدراء الجامعات والصحف السياسية والأندية الرياضية وكبار الفتانين وغيرهم من الشخصيات الوطنية عما يجري على أرض السودان منذ 4 أيام وارتفاع درجة العنف وسقوط العشرات من الشهداء والقتلى ومئات من الجرحى وتدمير كثير من المنشئات العامة والخاصة. هل السكوت والانتظار والتفرج هو موقف وطني أو رجولي إذا بعدنا عن القول هل هو موقف شرعي!!!

دون السعي للانتصار للشعب أو للنظام الحاكم ودون البحث للتبرير لمن يملك السلاح وعربات التاتشر ويطلق الرصاص الحي على الجماهير، فأنه يجب على كل مواطن سوداني وبالأخص من الفئات التي ذكرتها أعلاها العلم بأن الأمانة والموقف الشرعي والوطني والرجولي يستدعي أن يتذكر الجميع بأنه " لا يزال المسلمُ في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً" !!! وان كل من يلتزم الصمت ويتفرج في "بلاهة" وكأن الأمر لا يعنيه فهو مشارك في الجريمة والإثم.

نبدأ بأن نذكر كل نظامي يطلق الرصاص أو يمارس العنف ضد المواطن الأعزل بما قاله قبلنا آخرون " أيها النظامي لن يغني عنك يوم القيامة أنْ تأتي لتقول إنك قتلتَ لأنَّكَ كنتَ تتلقَّى تعليمات من جهاتٍ أعلى منك" !!! لأن المسؤولية هي فردية وقد تفلح في تبريرها في الدنيا بأنك تتلقى أوامر ولكن تذكر أن الله سائلك ومحاسبك كما يحاسب رؤسائك (إنَّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين). أن هؤلاء الشباب الذين يسقطون بالرصاص هم أبناء الشعب وهم بصورة أو بأخرى أبناء اهلك وجيرانك أو جيران لأبناء أهلك في مدن السودان المختلفة، أتمنى أن تعلم أيها الجندي أو الضابط بأنك عندما تستلم مرتب أو حوافز فالشعب هو الذي يدفعها لك من عرقه وكده لتحميه لا لتقتله وتحمي النظام الحاكم!!!

كذلك نذكر بكل من يقوم بأعمال التخريب بأنه أثم لان ذلك إفساد في الأرض والله لا يحب المفسدين، كما أن تلك المنشآت هي ملك للشعب وتخريبها هو إهدار للمال العام وتبذير وأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين.

ومن باب المقارنة السريعة نقول، عندما اندلعت مظاهرات أصحاب السترات الصفراء بفرنسا، قامت مواطنة فرنسية بكتابة عريضة ووقع عليها كثير من أفراد الشعب ورفعت للرئيس ماكرون فكانت إجابته لها ولهم في 20 ديسمبر 2018م مباشرة "السيدة الفاضلة، لقد عانيتم من ارتفاع أسعار الوقود وقمتم بالتوقيع على هذه العريضة ولقد وصلتني وردي عليها هو التالي، أنتم على حق.... صحيح أن العمل على مكافحة الاحتباس الحراري هو نضال ضروري ، ولكن يجب ألا يعارض مشاكل نهاية العالم لمشاكل نهاية الشهر...ولذلك قررت زيادة المرتبات...وإلغاء بعض الضرائب...أن قيامكم بإرسال عريضة موقعة هو عمل وطني وإذا كنتم موافقون أتمنى مواصلة الحوار معكم حتى نتبادل الراء بصورة منتظمة فالرجاء إرسال عنوانكم البريدي على هذا العنوان
https://www.elysee.fr/poursuivre-dialogue الأمر متروك لنا لجعل هذا الغضب فرصة لإيجاد حلول عبر الحوار". إذن تنازل السيد ماكرون واستجاب لمطالب المتظاهرين بكل تواضع.

وكان يمكن للمسئولين في السودان الاستفادة من التجربة الفرنسية الحديثة العهد،وذلك بأن يخرج البشير أو وزير الداخلية أو أي مسئول لتهدئة الأوضاع ومخاطبة الشعب في حب حقيقي بدلا عن تصريحات أحدهم " ديل ثلاثة شفع حرقوا لساتك"!!! أو أن يقول رئيس جهاز الأمن والاستخبارات السيد صلاح عبدالله "قوش" بأنهم (راقبوا الكباتن الكبار بالستاليت وإنهم أتوا من إسرائيل للتخريب)!!! أو يخرج اللواء يونس محمود وينعق نعيق الغراب والخراب ويتوعد ويقسم بإراقة الدماء "المساومة بيننا وبين اليساريين يبقى دمها الركب ...وعلي اليمين نموت فيها.."، او يوصف السيد الصادق المهدي ما يحدث من مظاهرات بأنه " بوخة المرقة"!!! ، ولعل الوحيدين من المقربين من الحكم الذين قالوا كلمة حق في هذه الأيام هو الشيخ عبدالحي يوسف في دعوته لاتقاء حرمة الدماء والأستاذ محمد لطيف في مقاله"حتى لا تغلقوا شارع القصر" والذي حذر فيه من الطوفان "سياسة الحكومة بغلق إذنيها من سماع أنين الجوعى والمرضى،..ثم إغلاق المدارس،..ثم إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إغلاق الجامعات،..، والطوفان سيبلغ مداه يوم تضطر الحكومة لإغلاق شارع القصر"!!!
نعم قلنا كان يمكن للحكومة أن تدعو مثلا قادة الأحزاب لاجتماع تشاوري عاجل ولكنها بدلاً عن ذلك قامت باعتقال 14 من قادة قوى الإجماع الوطني من أمام دار حزب البعث بإمدرمان، واعتقال آخرين من منازلهم مثل الأستاذة إحسان فقيري، بل تواصل إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في كل مدن السودان بدون فرز!!! يبقى أن هذه الأساليب لمعالجة الوضع لن تزيد النار إلا اشتعالا وتملي الصدور بالأحقاد والرغبة في الانتقام وهو أمر بدأ الظهور في مدينة كريمة وسيتكرر في عطبرة والقضارف وغيرها من المدن وحينها لن يعصم المسئولين من الطوفان عاصم!!!

أعتقد أن العقلاء والحكماء في البلد من الفئات التي ذكرناها أعلاه وغيرها بجانب شخصيات أخرى مثل الاستاذ محجوب محمد صالح، د.منصور خالد، د.الجزولي دفع الله، د.الطيب زين العابدين، اللواء (معاش) عثمان عبدالله، د.البطحاني، د.محمد فتحي ابراهيم، عبدالعزيز الصاوي،ابراهيم الشيخ، د. الواثق كمير، د.الوليد أدم مادبو،د.حيدر أبراهيم،د.سيد عبدالقادر قنات، أبوعركي البخيت، د.الشفيع خضر، د.الحبر يوسف نور الدائم، د.علي قاقرين، مولانا محمد الحافظ وغيرهم، يجب أن يتنادوا سريعا ويقومون بالتجمع في ساحة الشهداء خلف القصر الجمهوري القديم ويقومون بتشكيل مجلس يقوم بالتفاوض مع قيادات الجيش وقيادات الشرطة والقوات النظامية و قيادة الدعم السريع بأن اللحظة حاسمة لحقن الدماء من خلال الانحياز للجماهير وتأمين مؤسسات الدولة وحراستها ضد المخربين والمندسين من أي جهة كانوا. مع ترك الجماهير لتعبر بالمظاهرات السلمية عن قبولها أو تأييدها أو رفضها لسياسات النظام الحاكم أو حتى مطالبتها بإسقاط النظام سلميا.

فإن أصرت الجماهير على المظاهرات السلمية وأرتفع سقف مطالبها باستقالة الحكومة وسقوط النظام ووصل الأمر إلى مرحلة العصيان المدني، حينها يمكن تشكيل حكومة من العقلاء والحكماء من الأسماء السابقة ويضاف إليها من يرون انه كفاءة من المهنيين و القدرات الوطنية غير الحزبية وتعطى تلك الحكومة فرصة ثلاث سنوات على الأقل لتحقيق شيء من السلام الوطني وبناء الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة في القوات النظامية وغيرها، مع العمل على تحييد مؤسسات الدولة من كل التأثيرات السياسية وذلك بتفكيك التمكين الذي أتت به الإنقاذ من خلال التركيز على تغيير وترسخ المفاهيم الفاضلة وعلى رأسها أن الوطنية تعني الانتماء والولاء للوطن وليس للحزب. في خلال هذه الثلاث السنوات يمكن للأحزاب القديمة والجديدة العمل في جو معافى مليء بالحريات لطرح برامجها السياسية والالتقاء بالجماهير والتنافس الشريف لتقديم الأفضل للشعب والوطن.

ونختم بالدعاء الذي يناسب الزمان والمكان " اللهم أرزق هذا الشعب السوداني طريق الرشد والإصلاح والتغيير، اللهم أرزقهم الحكمة مع العزم، والتعقل مع الحسم، اللهم أرزقهم ودلهم على طريق الخير وقيض لهم منهم ذوى الأيادي النظيفة والعقول الراجحة وأهل الحكمة".

أنشد الشاعر زمراوي
" يا وطني لا تَحزنْ
فالفجرُ أراه يدقُّ
على الأبوابِ السَّمراءْ !
لا تحزنْ يا نبعَ الثُّوَّارِ
فالثورةُ حينَ
تفاجئُنا كالبرقِ الخاطفِ،
تأكلُهم كالنارِ الحمراءْ!
و تحصدُ أبناءَ الغولِ
وتَسحقُ أحفادَ العنقاءْ!
الثورةُ آتيةٌ لا رَيْبَ.
صدِّقني يا وطنَ الشُّرفاءْ!

Wadrawda@hotmail.fr

 

آراء