أم بدة السودانية.. قصص وحكايا حزينة عن محاصرين وسط النيران

 


 

 

بورتسودان -الشرق/أحمد العربي
في العاصمة السودانية الخرطوم كلما اتجهت غرباً كلما اقتربت من الخطر، والخطر هنا مواجهات مستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة أم بدة، التي تمثل إحدى أكبر مدن أم درمان الكبرى ومدخل العاصمة الغربي.

وتقع مدينة أم بدة، غربي الخرطوم وتشكل إلى جانب محليات أم درمان القديمة وكرري (أم درمان الكبرى)، والتي تشكل إحدى مدن العاصمة الثلاث ومن أجلها أطلق عليها اسم العاصمة المثلثة.

والموقع الجغرافي لأم بدة، يمتد من غرب أم درمان القديمة إلى حدود ولاية الخرطوم مع ولاية شمال كردفان وتربط العاصمة بولاية شمال كردفان والولاية الشمالية بشبكة طرق رئيسية، علاوة على ذلك، تعتبر أم بدة من أكبر مدن العاصمة السودانية من ناحية الكثافة السكانية، وتحتضن أكبر أسواق الخرطوم، وهو سوق "ليبيا".

أهمية عسكرية وتنافس محموم
بعد اندلاع الحرب اكتسبت أم بدة أهمية عسكرية، إذ تعتبر مدخل قوات الدعم السريع للعاصمة الخرطوم ومن أهم مواقعها في أم درمان الكبرى، حيث فرضت سيطرتها على معظم أجزاءها وجعلت منها قاعدة لانطلاق عملياتها العسكرية نحو أم درمان القديمة، وسلاح المهندسين وغيره من المناطق العسكرية في أم درمان.

وعقب سيطرة الجيش على مدينة أم درمان القديمة، والتي كانت تنتشر في شرقها ووسطها قوات الدعم السريع، بدأ التمدد غرباً، حيث أم بدة والتي كان الدعم السريع قد جعلها ظهيراً له.

وقال مصدر عسكري لـ "الشرق"، إن "الجيش عقب إحكام سيطرته على شرقي أم درمان ووسطها (أم درمان القديمة)، بدأ التحول إلى مرحلة الهجوم على مناطق انتشار الدعم السريع في غرب أم درمان وهي أم بدة، وتقدم الجيش في مناطق شمال أم بدة وتركز هجومه من الشمال والشرق إلى الغرب والجنوب، إذ تراجع على إثره الدعم السريع من مناطق جنوب أم بدة ليفسح المجال للجيش، والذي حافظ على تقدمه بوضع ارتكازات ثابتة ونقاطاً لقواته، منعاً لعودة الدعم السريع".

وما بين تقدم الجيش وتراجع الدعم السريع وإصراره على إبعاد الجيش عن منصته الرئيسية في أم درمان، تتصاعد المعارك وترتفع أصواتها لكن ثمة ما يعرقلها أو يدفعها إلى الوراء.

تقاسم السيطرة
ويسيطر الجيش على الأجزاء الشرقية لمدينة أم بدة، بالإضافة إلى مناطق أخرى في شمالها، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على الأجزاء الجنوبية والغربية.

وقال مصعب صباحي، عضو المكتب التنفيذي لـ"محاميي الطوارئ" وهم مجموعة من القانونيين، لـ"الشرق"، إن الطرفين يتقاسمان السيطرة على أم بدة، إذ تشهد مناطق سيطرتهما أوضاعاً معيشية وإنسانية صعبة، حيث تنساب السلع في مناطق سيطرة الجيش مع ارتفاع في الأسعار، وتندر في مناطق سيطرة الدعم السريع".

وأضاف صباحي: "تشهد مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع انتهاكات تتعلق بسرقة الممتلكات الخاصة بالمواطنين"، متهماً الطرفين بـ "التورط فيها"، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية بشبهة الانتماء إلى الطرف الآخر.

ولفت إلى اعتماد سكان أم بدة بشكل أساسي على التكايا، وهو اسم محلي يطلق على الموائد الخيرية والتي تمول بواسطة الخيرين والتحويلات البنكية من خارج المنطقة، حيث أن 90 % من السكان فقدوا مصادر دخلهم، إلا أن المشرفين على هذه الموائد يتعرضون لمضايقات واعتقال من كلا طرفي الحرب الدائرة منذ أبريل 2023.
وتشير المجموعة القانونية، إلى أنه مع تقدم الجيش "ارتفع القصف المدفعي بين الطرفين وحصد معه ما يقارب 350 من المدنيين توزعوا بين مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع، مع توقعات بأعداد أكبر مع استمرار القتال".

وضع مستقر لا يخلو من هجمات
ويروي أحمد، وهو أحد قاطني مناطق سيطرة الجيش بمدينة أم بدة في تصريحات لـ"الشرق"، قائلاً إن "الوضع الأمني الآن بات مستقراً نسبياً، لكنه لا يخلو من هجمات الدعم السريع والتي تكون في شكل تسلل بواسطة الدراجات النارية، بينما يتصدى لها الجيش مدعوماً بمستنفرين من المنطقة، حيث في كل منطقة يسيطر عليها هناك مستنفرون يحملون السلاح ويقيمون حواجز إلى جانب حواجز الجيش المنتشرة في مناطق أخرى".

ولفت إلى أن المستنفرين يعملون على "رصد الوافدين لأحيائنا والتعرف على هويتهم. عقب إعادة الجيش سيطرته على منطقتنا، نزحت أعداد كبيرة من السكان إلى مناطقنا هم الآن في بيوت غاب عنها أهلها، بسبب القصف المدفعي العنيف المتكرر، لكن من بقي مثلي وآخرين لا نملك مالاً لمغادرة بيوتنا ولا نعرف إلى أين نتجه، لذلك نحن هنا".

وأشار أحمد إلى وجود مركزين طبيين فقط، يعملان لخدمة أكثر من 100 ألف شخص، "مع موجة النزوح لمناطقنا المتكررة"، قائلاً: "عندما يصاب أحدنا نتيجة القصف المدفعي على مناطقنا يتم نقله لأحد مركزي العلاج وإن كانت الإصابة بليغة، فيتم تحويله لمستشفى النو، لكن عن طريق آمن يحدده الجيش، خشية المتسللين من الدعم السريع أو قناصته".

ولفت إلى أن "الكهرباء مستقرة نوعاً ما، لكن المياه عادت مؤخراً بشكل متذبذب، ليس لدينا شبكات اتصال تعمل ونضطر إلى الصعود لمبانٍ مرتفعة لإلتقاط إشارة شبكة الاتصال الهاتفية".

بدوره، يروي عماد لـ"الشرق"، وهو صاحب سيارة نقل، أنهم يعملون في نقل الركاب من شرقي أم بدة إلى شمال أم درمان، وذلك عبر تسجيل وانتظار الدور، موضحاً أن "كثيراً ما تعود رحلتنا أدراجها، بسبب القذائف المدفعية"، في حين لفت إلى أن الأسواق تعمل في المنطقة، لكن الأسعار مرتفعة جداً، لافتاً إلى انتشار الحمى والملاريا بشكل ملحوظ في تلك المناطق بأعداد كبيرة.

"انتظار الموت"
في السياق، قال أحد سكان جنوب مدينة أم بدة لـ"الشرق": "مناطقنا مقطوعة عنها تماماً الخدمات الأساسية، لا ماء ولا كهرباء أو اتصالات، ونعتمد فيها على أجهزة الإنترنت الفضائي المملوكة لأفراد في الدعم السريع، حيث يتم تأجيرها للمواطنين بنظام الساعات".

وأضاف: "لا نستطيع الخروج، لأنه يقال أن الذي يخرج من مناطقنا ويتجه لمناطق الجيش يُتهم بالتبعية للدعم السريع، كما هو الحال عندما يحضر آخر من مناطق سيطرة الجيش، إن خرجت لن تعود بأمر قوات الدعم السريع، والتي تعتبرك خائناً متعاوناً مع استخبارات الجيش، ولكن البقاء هنا أشبه بانتظار الموت على سريرك. القصف المدفعي ومعارك الجيش مع الدعم السريع تقترب من كل مناطقنا، ولا نملك المال لمغادرة منطقتنا. نعتمد على التكايا وتخلو مناطقنا من الأسواق".

ولفت إلى "انتشار الحمى والملاريا والإسهالات المائية، وذلك نسبة لانقطاع الإمداد المائي، حيث نحصل على المياه من الآبار وقليلاً ما تعمل شبكة المياه".

وأكد أنه بدون خدمات إلى جانب الأمراض المنتشرة، فإن أصوات القصف المدفعي وقذائفه، إلى جانب انتهاكات الدعم السريع والجيش وفق شهود عيان ومحامي الطوارئ، يجعل سكان أم بدة يعيشون واقعاً مؤلماً، ينتظرون تهدئة أو نهاية لحرب لا تبدو أنها قريبة".

 

آراء