أهمية النظم المالية والمحاسبية الشفافة في إدارة العمل الطوعي في السودان

 


 

 

 

لقد طلب مني الاعزاء في شركة ريلينس لتقنية المعلومات ان اقدم، و بصورة مستعجلة، محاضرة قصيرة حول دور النظام المالي في ترقية و تطوير ادارة اعمال المنظمات الطوعية و حساباتها، تساهم في نشر قيم محاسبية و مالية معينة في فضاء عمل المنظمات الطوعية في السودان. إلا ان ارتباطات اخرى قد حالت دون ان اكون حاضرا لتقديم هذه المحاضرة، لذا ارسل مضمونها كتابة عسى ان تفيد بما تطلقه من اشارات قصيرة.

في الواقع و من خلال انخراطي المستمر طيلة العشرين عاما الماضية في التخطيط و التنفيذ للعديد من الانشطة الطوعية في السودان، ادركت انه من الضروري بمكان الانتباه الى أن نظام ادارة الحسابات المالية الخاصة بالمنظمات الطوعية ، لان ذلك سيؤثر بشكل كبير في (1) تنفيذ خططها، و (2) سمعتها و نظرة المجتمع اليها و (3) و في مساهمتها الايجابية في عمليات التنمية و (4) امتثالها للقوانين و القيم العالمية المتصلة باهداف العمل الطوعي.
ان من القيم الجديدة في الادارة، و لا سيما تلك المتصلة بعمل و انشطة المجتمع المدني، تلك المتصلة بالحكم الراشد، و التي من بينها سيادة حكم القانون، و الشفافية و المحاسبية، و هذه القيم و المبادئ، ظلت تعمل عليها المنظمات الطوعية في السودان منذ زمن، و بصورة مستمرة، من خلال تدريب المجتمع عليها، او رفع كفاءة العاملين في المنظمات بخصوص نشر تلك القيم.
و اصبح من الضروري على المنظمات ان تجعل تلك القيم مطبقة في مشروعاتها، بعد ان صارت موضوعا للتثقيف و التدريب لعدد من السنوات. و اصبح من باب المصداقية مع الذات و الاتساق مع الاهداف و المبادئ، ان تلتزم المنظمات الطوعية بتلك المبادئ، و عدم الاتساق مع تلك المبادئ يؤثر كثيرا على سمعة المجتمع المدني، و يفقده المصداقية، و يترك انطباعا سالبا لدى المواطنين عن المجتمع المدني و النشطاء العاملين فيه.
لكن العديد من الظروف كانت ومازالت تقف عائقا ضد جعل تلك القيم مطبقة على واقع عمل المنظمات، من بينها انتشار الفساد في المؤسسات العامة في الدولة، مما يجعل المنظمات في العديد من الاحوال غير قادرة لمواجهة او التصدى لتلك الظاهرة، بل قد تضطر في بعض الاحوال ان تمارس بنفسها ذلك الفساد، مما يجعلها في وضعية ضرورة اخفاء المعلومات او عدم نشرها بسبب مخالفتها للقيم المرعية في المجتمع المدني او لكونها مخالفة للقوانين الوطنية. و بجانب تلك المعضلة نجد ايضا افتقار المنظمات الوطنية للقدرات و الكفاءات التي تمكنها من ادارة الحسابات الخاصة بالمنظمة بصورة تتسق مع المعايير و القيم، و كذلك ضعف المقدرات المالية للمنظمات قد يسهم في عدم القدرة في الحصول على كفاءات ادارية تتمتع بالمعرفة و القدرة لتنفيذ السياسات المالية السليمة.
اصبح الان من المهم على المنظمات الطوعية الامتثال لنظام مالي و محاسبي شفاف و متطابق مع المعايير الدولية. ساذكر هنا احد أهم مؤشرات تلك الاهمية:
لقد اصدر فريق العمل المعني بالإجراءات المالية The Financial Action Task Force (FATF): و هي مجموعة عمل عالمية غير حكومية، مقرها حاليا في باريس، توصيات خاصة بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، و هي توصيات واسعة تغطي نظام العدالة الجنائية وإنفاذ القانون والتعاون الدولي والنظام المالي وتنظيمه. من بين تلك التوصيات، كانت التوصية رقم 8 و التي تتعلق بشكل خاص بمنظمات المجتمع المدني و المؤسسات غير الربحية. و طلبت التوصية من الدول وضع قيود و تدابير عاجلة بخصوص الانظمة المالية للمنظمات الطوعية بهدف حماية المجتمعات من إساءة استعمال العمل الطوعي في عمليات تمويل الإرهاب، و من بين تلك التدابير هو اتباع نظام مالي و محاسبي شفاف يجعل معرفة مصادر الاموال و طرق صرفها و موضوعات صرفها واضحة و متسقة مع القوانين.
و بالتالي اصبحت المنظمات الغير حكومية الدولية الكبرى، تضع تلك التدابير العالمية الجديدة في حسبانها، و كذلك اصبحت تفرض على المنظمات الطوعية الوطنية العاملة معها شروط مشابهة، و بالتالي اصبح هذا اتجاه عالمي، و اصبح على المنظمات الراغبة في العمل مع المنظمات الطوعية الغير حكومية الكبرى، و ايضا العمل في شراكات مع المنظمات الدولية الحكومية مثل الامم المتحدة و الاتحاد الاوربي و الاتحاد الافريقي، ان تمتثل الى التدابير الدولية الجديدة الخاصة بالنظم المالية و المحاسبية للمنظمات، و الا ستجد نفسها تدريجيا خارج نطاق العمل الطوعي الفاعل و المؤثر.
كل هذا يقود الى الحديث عن أهمية ابتدار نظم محاسبية و مالية لمنظمات العمل الطوعي في السودان ، يلبي احتياجات المجتمع السوداني في هذا الصدد، و يساعد كذلك في جعل المجتمع المدني السوداني قادر على المساهمة الفعالة في مشروع التنمية السوداني، و يقدم تجاربه و خبراته و معرفه للمجتمع السوداني و مؤسساته الديمقراطية الحديثة، بالقدر الذي يساعد في بناء السلام و العدالة و التنمية المستدامة في السودان. ان النظام المالي الذي يفي بمتطلبات المجتمع المدني السوداني في الوقت الراهن، يجب ان يتسق مع المعايير الدولية الجديدة، وان يمتثل لقواعد سيادة حكم القانون، بما في ذلك الشفافية و المحاسبية.
2 اكتوبر 2019

advosami@hotmail.com

 

آراء