إرباك المشهد السياسي من قِبَلِ العسكر لأكثر من ستين سنة

 


 

 

بعد عام واحد من استقلال السودان عن بريطانيا اي في ١٩٥٧ حاول إسماعيل كبيدة الإنقلاب على أول حكومة منتخبة بقيادة إسماعيل الأزهري ففشل وكانت هذه المحاولة هي التي أسست لأدب الصراع التاريخي والازلي للعسكر ضد الحكم المدني الديمقراطي دون أن تتاح له الفرصة الكافية لتثبيت أركان الديمقراطية في البلد ولم يمر عام واحد على تلك المغامرة إلا وقفز العسكر مرة أخرى واستولوا على السلطة ( أو تم تسليمها لهم ) هذه المرة بنجاح وبذلك أجهضت الديمقراطية الوليدة واستمر حكم العسكر سبعة سنوات وضاقت مجموعات سياسية أخرى بالنظام العسكري فحركت الشارع وتم إسقاط حكم عبود وتشكلت حكومة مدنية استمرت خمس سنوات فقفز مغامر آخر على السلطة ( جعفر نميري ) وتم إقصاء المدنيين تماماً لمدة ستة عشر سنة تخللتها انقلابات وانقلابات مضادة بين العسكر لوحدهم وهذا هو حال العسكر عندما لا يجدون حكومة مدنية للإنقلاب عليها سينقلبون على أنفسهم ويتهمون بعضهم بعضا شاهرين دمغات التخوين والعمالة والضعف في وجه الجهة المقابلة ، فقد تعرض نظام مايو إلى ثلاثة انقلابات عسكرية تقريبا بداية بهاشم العطا وتلاه حسن حسين ثم محمد نور سعد وعادت الديمقراطية مرة أخرى بعد ثورة شعبية في ١٩٨٥ واستلم سوار الذهب السلطة وسلمها بعد عام للمدنيين ولم تمر ثلاثة أعوام حتى انقلب عليها البشير وكان الأطول حكماً برقم قياسي امتد لثلاثين عاماً تقريباً ثم تكررت المشاهد في ثورة ديسمبر بحراك قوي من الشارع وتحت ضغطه أعلن ابن عوف عن تنحية البشير ولم يقتنع الشعب بذلك فتم إجباره هو أيضاً على التنحي خلال أربع وعشرين ساعه وهكذا جاء البرهان وحميدتي بعد سفك دماء الثوار المعتصمين أمام القيادة متقاسمين السلطة مع المدنيين لفترة انتقالية إلا أن العسكر لم يتغير سلوكهم بالرغم من مرور
أكثر من ستين سنة بعد إستقلال السودان عن بريطانيا وعساكر السودان لا زالوا يفكرون بنفس عقلية إبراهيم عبود واسماعيل كبيدة ( يا صابت يا خابت ) منتصف القرن الماضي لم يتغيروا أبداً رغم كل هذه السنوات الطويلة التي كان لهم نصيب الأسد فيها وتغير كل شيء حولهم ولكنهم ظلوا بذات الاطماع للاستئثار بالسلطة والثروة دون الآخرين في الدولة وما أن توجه لهم انتقادات حتى يرفعون في وجوهنا أنهم حماة الأرض والعرض والشرف وصمام أمان وهم الأوصياء علينا ويجب ألا يزايد أحد عليهم وأنهم وأنهم إلى آخر المزايدات على وطنية الآخرين وحقهم في السلطة والثروة بذات الحقوق التي اعطاها هؤلاء العسكر لأنفسهم .
تاريخ الانقلابات في السودان لم يتوقف لحظة واحدة بسبب شره العسكر وتعطشهم للديكتاتورية وهضم حقوق الآخرين وإذلالهم بالإضافة للنظرة الضيقة عندهم لمفهوم الدولة والمواطنة وتطوير البلد وللإحتفاظ بما تحت أيديهم من ثروات وامتيازات ، لم يقف السودان ويحقق طموحه وأهدافه إلا بسبب الوأد المتواصل من العسكر لكل ثورة يقوم بها الشعب رفضاً للحكم العسكري الجائر والباطش والدموي ، وها نحن الآن أمام قوتين عسكريتين وقيادتين منفصلتين ولكنهما اتفقتا مرحلياً على الأقل للقضاء على هذه الثورة الغالية ولكن هيهات .

عبدالماجد موسى/ لندن
٢٠٢١/٩/٢٧
seysaban@yahoo.co.uk
///////////////////////

 

آراء