إرّحَلْ قبل أن تُرّحَلْ (2)

 


 

د. حامد بشري
31 December, 2018

 

 

قبل حوالي أربعة أعوام نْشرت مقالاً بنفس العنوان في أعقاب الهجوم والأغتصاب الجماعي الذي تعرض له مواطني قرية " تابت " وفيه طلبت من رأس النظام أن يرّحَل . وفي أعقاب أنتفاضة سبتمبر 2013 التي لم تكتمل في حينها وجهتُ ذات النداء . ونتيجة للتراكمات السياسية الخاطئة التي أنعكست علي السياسة الأقتصادية التي جعلت من السودان يتسول حتي للخبز بعد أن كان في السابق موعوداً بأن يكون سلة غذاء العالم أندلعت الثورة الشعبية في ديسمبر في المدن والحضر وغطت الشوارع والأحياء والأزقة ودور الرياضة والجوامع ولم يسلم منها حتي جامع كافوري مصلي عمر البشير حيث لحقته الهتافات واللعنات في مضجعه " الشعب يريد أسقاط النظام " . كل هذا وحتي هذه اللحظة لم يجد هذا المطلب أذناً صاغية لا من الجبهة القومية الأسلامية ولا من المؤتمر الوطني ولا من كل المسميات التي تتاجر بالعقيدة في سبيل أن تَحكمْ . المدهش ليس عدم وجود من يستمع لهذا المطلب الجماهيري وأنما في فشل حكم الأنقاذ الغير شرعي والذي أستمر ثلاثين عاماً وأستمد صلاحيات بقائه من بقالة أسلام سياسي مُزيف عجز أن ينجب أو حتي يستنسخ عقلاء من صفوته يستجيبون لصيحات الأمهات والأرامل والأطفال بل بالعكس ، الأنقاذ ومن معهم تمادوا في غيهم واستكبارهم حتي ظنوا أنهم خلفاء الله في الأرض . مقال الأسبوع الماضي بعنوان Game is Over كان بالتزامن مع صبيحة موكب المهنيين الذي أوضح بجلاء لكل ذي بصيرة بأن الوقت قد دنا لنهاية عهد الظلم.

اليوم يحق لنا أن نعتز ونفتخر أن المعارضة بكل مكوناتها الحزبية ومنظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية والنسوية والطلابية أتحدت ضد النظام القائم وبذا تكاملت كل مقومات وعوامل كنس النظام وأصبح الهدف واحداً وواضحاً هو أسقاط النظام وليس أي شيئ آخر . وغداً ستسير الموكب الثاني الذي يطالب بتسليم السلطة .

علي الرغم من الأنتفاضة الشعبية والهبة التي عمت كل الوطن والرفض والأستنكار اللذان تحولا الي مطالبة بالتنحي والرحيل الأ أن رأس النظام كغيره من الدكتاتوريين الذين لا يقرأون التاريخ الماضي ولا الحاضر لا زال يلجأ الي أجهزته القمعية لكي تكبح ثورة الشعب الشيئ الذي أصابها بالشلل والذهول مما رأته في المواكب والمظاهرات من شجاعة وفراسة وأقدام من الشيب والشباب والنساء والأطفال وهو لا يدري أن الأرادة الشعبية والشارع و أرواح الضحايا والظلم والقهر الذي أستمر ثلاثين عاماً هو المحرك الفعلي والأساسي لهذه الثورة . كل الذين خرجوا الي الشارع يعرفون ويعون أما الأنتصار والأنعتاق من هذا الظلم أو مزيداً من الطغيان والرجوع بعجلة التاريخ الي الوراء . المظاهرات والأحتجاجات والعرائض التي تطالب برحيل النظام ومراعاة الحقوق الأساسية المنصوص عليها في مواثيق الأمم المتحدة وعدم التعرض للمظاهرات السلمية بأسلحة البطش شملت كل ألدياسبورا . أذاعات العالم أجمعها وثقت هذه الجرائم ضد الشعب الأعزل حتي الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرس طالب الحكومة السودانية بالكف عن العنف والانضباط وضبط النفس والتحقيقات حول مقتل المتظاهرين الذين فاق عددهم الأربعين بخلاف الجرحي عكس ما دعا اليه رأس الدولة في لقائه مع قادة الشرطة حيث أشاد باداءها في التصدي للمتظاهرين كما حرّضهم علي القتل بترديده غير الموفق لآية القصاص.

أيعقل في القرن الواحد وعشرين أذا خرج مواطن/ة أي دولة وعبر عن حوجته للطعام أن يُقتل ناهيك عن ان هذه الدولة تدعي الأسلام وتخوض حروباً من أجل نشره ، وهل يعقل أن يشهر حاكم مدفعيته الثقيلة ضد شعبه الذي أنتخبه كما أدعي عمر البشير حينما يخرج هذا الشعب للتعبير عن رأيه . وهل يعقل أن يُعتقل أطفال صغار ويتعرضون الي أقسي أنواع العذاب البدني والنفسي بتهمة التخابر مع أسرائيل في حين أن وزراء الحكومة والدستوريين يطالبون بتطبيع العلاقات مع أسرائيل . هل يجوز للمواطن أن يستكين ويتسامح مع رئيس وحكام يتناولون ما لذ وطاب من الأطعمة وزوجاتهم يكنزون الذهب والفضه والأحجار الكريمة في نفس الوقت الذي يموت فيه المواطنون أما بسبب المسغبة او المرض أين كل هذا من قول الأمام علي بن أبي طالب " لو كان الفقر رجلاً لقتلته ".

هل يعلم النظام والقائمين عليه أن الولاء للنظام والوقوف معه يأتي بأحترام الدستور والشعب وليس بتمزيقه وقمع الشعب بأدوات البطش وأجهزة القمع ، يأتي بالحفاظ علي الأوطان وليس بتمزيقها، وبإخماد بؤر الانشقاقات وليس بإشعال نيران الحروب، وبالطمأنينة وليس عن طريق الأمن والأستخبارات وأجهزت التصنت ، بتعمير المشاريع الأقتصادية ذات العائد وليس بتدميرها ، بالحفاظ علي الخدمة المدنية وليس بتشريد الكفاءات وأحلال أهل الولاء ، باستيعاب الشباب في مشاريع التنمية وليس بتصويب الرصاص علي صدورهم العارية وقتلهم بدم بارد بإعطاء كل ذي حق حقه وليس بافقار المواطن لصالح دولة الحزب الواحد ، وبأحترام وضمان حرية وحرمة وسائل الأعلام والصحف وليس مصادرتها. الولاء يأتي بالأعتراف بحقوق الأقليات وليس بهضمها ، بحرية التنظيم السياسي وليس بمصادرته . يأتي بالحوار وليس بفرض الرأي الواحد .

أنتهي عهد أسداء النصح وما عليك يا عمر الأ أن ترحل قبل أن تُرحل .

أيها الشعب البطل قوموا الي ثورتكم يرحمكم الله

أتاوا في 30 ديسمبر 1989

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء