إستفتاء الجنوب و ضمان الحرية و النزاهة و الشفافية … بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
1 October, 2010

 


-1-
عمود : محور اللقيا
إنعقد في مبنى الأمم المتحدة الإجتماع الخاص لمناقشة قضايا السودان في يوم 24/ 09/ 2010 و حضره الرئيس الأمريكي باراك أوباما و كان خطابه كالمتوقع يشدد على تكملة القضايا العالقة من إتفاقية نيفاشا للسلام , خاصة قضية إستفتاء تقرير المصير للجنوبيين و التشديد على إجرائه في موعده , مع إعطاء بعض الوعود برفع جزء من العقوبات عن حكومة الشمال , على أن يكون الجزاء الأوفى بعد ذلك حين تحل مشكلة دارفور حلا جذريا , فيتم رفع العقوبات و شطب الديون و رفع إسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب و رفع التمثيل الديبلوماسي بين أمريكا و السودان إلى مستوى السفراء ! بدوره أكد الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية في خطابه أن الإستفتاء سوف يتم في موعده و سوف يكون حرا و نزيها و شفافا , و على نفس الشاكلة أتى خطاب السيد سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية و رئيس حكومة الجنوب مؤكدا على ضرورة أن يكون الإستفتاء في موعده و أن يكون نزيها و شفافا , لكنه أضاف أن كل المؤشرات تدل على خيار إستقلال الجنوب ! ألا تتفقون معي ان هذه الإضافة قد وردت مجافية للحيادية و للنزاهة المطلوبة من شركاء إتفاقية السلام حتى يقول شعب الجنوب كلمته ؟ هذا الأمر قد صار يتردد كثيرا من إنفصاليي الحركة الشعبية كنوع من الحرب النفسية و البروباقاندا , دون أن تقابله تصريحات أو دعوات مضادة , و ذلك لإنعدام الحرية التي تسمح بذلك في الجنوب و لإنعدام الأمان الذي يجعل العواقب لمن يدعو لذلك غير سليمة , و لنا في الإنتخابات الأخيرة أمثلة كثيرة تعضد ما ذهبت إليه !
لقد قامت الإنتخابات الماضية نتيجة لإتفاقية نيفاشا للسلام و نتيجة لإتفاق الشريكين لإحتوائها , كل من إقليمه , و لذلك فقد أتت ممثلة لمعنى الإنفراد بالسلطة و تغييب الأحزاب المعارضة بقوة التنظيم و النفوذ و المال , و بذلك كان التزوير متفقا و مسكوتا عليه , اللهم إلا عندما نال الرئيس البشير عددا قليلا من الأصوات في الجنوب فاحتج المؤتمر الوطني على ذلك و اتهم الحركة الشعبية بالتزوير فردت عليه : ( و ماذا فعلتم أنتم في الشمال ؟ ) . هذه المرة الوضع يختلف كليا , فلا يوجد إتفاق بين شريكي نيفاشا لخوض الإستفتاء , بل على النقيض توجد إختلافات عدة أهمها تمسك كل شريك بطرف من خياري الإستفتاء . اما حال البلد فهو على حافة هاوية ذات قرار سحيق , أو كما قالت هيلاري كلينتون قد صار كالقنبلة الموقوتة , و هو موعود بالتشظي و التفتت ! هذا المصير البائس للسودان قطعا له مسببات قد أفرزته و هي كالآتي :
المسبب الأول الذي جعل السودان يصل إلى ما وصل إليه من تدهور هو إتفاقية نيفاشا للسلام و ما تمخضت عنه من بنود . لقد كانت إتفاقية ثنائية بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان . لم يشرك المؤتمر الوطني أحزاب المعارضة الشمالية معه , و كذا لم تشرك الحركة الشعبية أحزاب المعارضة الشمالية المنضوية معها في التجمع الوطني الديموقراطي . على ذلك إستغل شركاء الإيقاد موقعهم خاصة أمريكا و مرروا خطط اليمين المسيحي و توصيات مراكز الدراسات الإستراتيجية فيها عن إعادة صياغة العالم حسب المصالح الغربية . هكذا حيكت مؤامرة الإنفراد بحزب المؤتمر الوطني و الضغط عليه مع وعودٍ كالبرق الخلب بهطول المساعدات و رفع العقوبات . لقد نالت الحركة الشعبية لتحرير السودان من إتفاقية نيفاشا للسلام كل ما لم تستطع نيله بالحرب ! الحركة الشعبية لم تكن تلق التأييد من كل الجنوبيين و لم تكن تسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب السودان , و كانت إذا إضطرت تهاجم الأهالي في قراهم و تستحوذ على الأبقار و تقود الشباب و الأطفال لتجنيدهم , و ما الإعتذارات المتكررة التي أعلنتها الحركة الشعبية للأهالي بعد حكمها للجنوب إلا نتيجة لما كانت قد إقترفته في حقهم .
المسبب الثاني لهذا التدهور هو شرط الإستفتاء الذي لم يكن شيئا مذكورا في الإتفاقيات التي جرت مع الحركة الشعبية في فترة الديموقراطية الثالثة أو قبلها , و حكومة الإنقاذ هي أول من أتت به في محادثات الدكتور علي الحاج مع الدكتور لام أكول في المانيا في عام 1992 و التي منها تمخضت إتفاقية الخرطوم للسلام . هذا الإستفتاء يعتبر الأول من نوعه في العالم الذي يقوم داخل دولة معترف بها عالميا كي يفصل جزءا منها ! لقد أقر مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية الذي عقده التجمع الوطني الديموقراطي في عام 1995 مبدأ الإستفتاء في جنوب السودان , لكنه ربطه بمقوماته المتمثلة في الدولة المدنية و بسط الحريات و إقرار المواطنة و تلبية رغبات الجنوبيين حتى تكون الوحدة جاذبة لهم .
المسبب الثالث و ثالث الأثافي هو ديمومة الشمولية و الآحادية و التربص و الإقصاء , و بذلك لم تكن قرارات الإتفاقية عن بسط الحريات و إلغاء القوانين المقيدة لها و إشراك المعارضة إلا نوع من ( الكماليات ) غير الضرورية و غير المحاسب عليها من قبل المراقبين الدوليين . هكذا غضوا الطرف لأن مصالحهم تتطلب ذلك و لم يغضوا الطرف عن اي تأجيل مرتقب للإستفتاء ! إن وضع الإنتخابات في الإتفاقية بتوقيتها الذي يأتي قبل الإستفتاء قد حتم ان يفوز فيها نفس اللاعبين شريكي الإتفاقية , و إلا فكيف تنفذ بقية بنود الإتفاقية في حالة فوز حزب آخر أو حزبين آخرين في الشمال و الجنوب ؟ إن الأحزاب الأخرى لم تشارك في إتفاقية نيفاشا و لم توقع عليها و لن تكون ملتزمة ببنودها . هكذا كان التغاضي عن التزوير الذي حدث في الشمال و في الجنوب حتى تعود نفس الوجوه لتكملة المشوار بعد ان تنتهي الإنتخابات الصورية !
حزب المؤتمر الوطني يفتخر بأنه أول من طبق إستفتاء تقرير المصير داخل الدولة الواحدة المعترف بها دوليا , رغم معرفته التامة بأن ذلك ضد قرارات الإتحاد الأفريقي الذي يشدد على ترك الحدود الدولية الموروثة من الإستعمار كما هي , حتى يزيل بذلك أسباب الإنفصال الكثيرة و التي من أهمها حب الإستحواذ على ثروة الإقليم كما يحدث الآن في إقليم دلتا النيجر المملوء بالنفط في نيجريا و الذي به ثورة مسلحة تطالب بثروة الإقليم و تهدد بالإنفصال منذ سنوات مضت . إن الإستحواذ على نفط الجنوب هو من أهم الإغراءات المقنعة بالإنفصال لدى الجنوبيين , و في هذه الحالة يجب العودة إلى دعوة السيد الصادق المهدي إمام الأنصار و رئيس حزب الأمة القومي للتنازل عن نفط الجنوب للجنوبيين منذ الآن . تكفي السودان الشمالي ال 30 % المنتجة من النفط في الشمال , زائدا رسوم النقل عبر خطوط الأنابيب , و رسوم التصدير عبر ميناء بشاير . كما يمكن الإتفاق على نسبة من دخل البترول الجنوبي تذهب للحكومة المركزية , كما يحدث في تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تساهم الإمارات المنتجة للنفط بنسب معينة في الحكومة المركزية لدعم الإمارات غير النتجة للنفط . كل شيء ممكن بالإتفاق و بالنظر لمصلحة الوطن .
أرى أن مقالتي هذه قد طالت و لم أتطرق بعد لضمان الحرية و النزاهة و الشفافية . فلنترك ذلك للمقالة القادمة في السبوع القادم بإذن الله .
omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء