إعلام عاجز وأسمدة مشعه وأمتعة مبعثره

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
الى صحيفه سودانايل
لعنايه الاخ رئيس التحرير: طارق الجزولي
مع المعزة و التحيه
علامات استفهام
محمد إبراهيم الشوش
إعلام عاجز وأسمدة مشعه وأمتعة مبعثره

للاعلام في بلادنا –  ولا اعني السودان فقط فللسودان نظائر واشباه – شنّه ورنّه وهيصه وهيلمانه:  له اكاديميات وكليات واقسام جامعيه ودرجات علميه رفيعه تصل الى درجة الماجستير والدكتوراه وله هيئات ومجالس ونقابات و وزارة بطولها وعرضها تستنزف الملايين من الجنيهات و الدولارات التي لا تملك البلاد منها ما يغطي علاج المريض واطعام الجائع ورفع الجهل عن الاميين وتحقبق الامن للخائفين. ولقد ظلّت تحتفظ بمكانتها برغم انفصال الراديو و التلفزيون و وكالة الانباء و هي الركائز الثلاث للعمل الاعلامي. وقد اثبتت معركة مسار – سناء – ان حكاية التبعيه للوزير مباشرة لا معنى لها اذا تمرد احد اباطرة هذه الأجهزة. ولم يفقد الاعلام صيته منذ ان كان مكتبا صغيرا للاتصال يرشد و يوجه و يرسل التقارير عن الناشطين من الطلبة و السياسيين كما يذكرنا العالم الاديب عبدالله علي ابراهيم احيانا عندما تتاوره روح المشاكسه التي ورثها في عهوده الايدلوجيه. فقد ظل الاعلام طودا راسخا تتعلق على ساريته الثقافه او الرياضه او الشباب او الشؤون الاجتماعيه وفق ما يقتضيه الحال لارضاء الموالين و جذب المعارضين.
و اكبر دليل على سحر الاعلام عندنا ان الصحافه حتى وهي ملقاة على الارض تلفظ انفاسها الاخيره لا تزال تجلب لبعض المتنافسين عليها مجدا و اموالا و عمارات.  و تتكاثر حتى فاقت االخمسين هكذا بلا رعايه من الدوله او تسهيلات و بلا توزيع و بلا اعلان و بلا قراء. و سبحان الله يعطي الملك من يشاء بغير حساب.
وبرغم هذا السحر و كل هذه الهيصة فقد ظل مفهوم الاعلام غائما ان لم نقل معوجا و منحرفا عن رسالته الحقيقية. فالأعلام يعني في المكان الاول نقل الخبر و تمليك الجماهير المعلومات الصحيحة غير المزيفة او الملونة او المتحيزة و التي تتيح للمفكرين و اصحاب القرار اتخاذ الطريق الصحيح و ذلك لا يتأتى الا بتحليل الخبر تحليلا دقيقا يكشف كل جوانبه و يزيل ما يعلق به من غموض او ارتباك. هذه بكل بساطه هي رساله الاعلام وهي بكل صراحا ايضا المهمه التي لا يقوم بها الاعلام عندنا و لايجيدها ان حاولها. فهو اعلام راي و ليس اعلام خبر. و ذالك لسبب بسيط ان اعلام الراي لا يكلف جهد اذ هو مجرد تكليف لكتاب معينين يجيدون تسويد الصفحات للتعبير عن مسائل تخصهم ولا دخل لها بما يجري. و كثيرا ما يشغل الكاتب الحيز الممنوح له ليكيل المدح لمسؤول يرجو منه خيرا او ليهجو شخصا يرجو فيه تشفيا بينما اعلام الخبر يتطلب اعدادا دقيقا و حضورا شخصيا قد يوئدي الي التضحيه بالحياة ذاتها.   فالمتابعه الشخصيه الميدانيه هي عصب الاعلام و قد يحتاج الميدان الى اقدام و شجاعه.
مفهومنا للخبر و نقله ان يتصل موظف بالصحيفه و هو عادة من صغار المحررين بالوزير او الوالي او رئيس الشرطه او اداره المحاكم ينقل عنهم حرفيا ما يجودون به دون زيادة او نقصان. وذلك لا صله له بالاعلام.
و لم يكن غريبا ان يبدا الاعلام و ينتهي في البلاد الناميه كاعلام راي. و كانت الصحف الكبرى عندنا كالاهرام مثلا تنشر على صفحاتها الاولى مقالات الكتاب المعروفين كطه حسين و العقاد و زكي مبارك كما تنشر اشعار احمد شوقي و البارودي و حافظ ابراهيم .
و لم يكن هنالك اي فرق بين الصحيفه اليوميه و الاسبوعيه و الشهريه و الدوريه الا في الورق و التصميم. كان الكتاب عباقره الكلمه و رواد الحكمه و لكنهم لم يكونو صحفيين او اعلاميين فلم يكونوا يشتغلون بما يدور حولهم من احداث.
و كنموذج لابتعاد الصحف السودانيه عن تحليل الخبر و متابعته, احدثكم عن قضيه خطيرة تناولتها احدى الصحف كمجرد تصريح نقلته بحذافيره عن احد المسئولين دون اهتمام بخطورته البالغه على السودان و اهله. فقد نشرت الصحيفه "المرموقه" قبل فتره عن ضبط مواد مشعه بميناء بورتسودان دون ان تعلق عليه او تتعب نفسها في متابعته و تحقيقه وما انتهى اليه و لم ترسل صحفيا و لم تتصل باحد في شانه.
مصدر الخبر اداره الجمارك التي كانت مهتمه بتمجيد عملها اكثر من اهتمامها بالخطر الذي كان يحدق بالسودان و لا يزال. و ليس في هذا الخبر ذره من اعلام برغم تفاصيله لمعلومات لا تقدم و لا تؤخر مثل اصرار الجمارك على ان المبنى الذي تم فيه اكتشاف المواد المشعه هو الميناء الجنوبي حتى لا يجمح خيالك انه الميناء الشمالي او الشرقي او الغربي معاد الله. و يقول الخبر ان رجال الجمارك قد اكتشفوا ان هنالك تزويرا في المستندات المصاحبه للشحنه. و الذي يعرف الجمارك في السودان يدرك ان هذا التزوير لا صله له بكشف المواد المشعة.فالجمارك مصره على فتح كل شحنه حتى و ان كانت تخص مواطنا بسيطا لا حول له و لاقوه و لا يحيط به اتهام : كرسي, كرسي, راديو, راديو, مشط, مشط (كما يقول القذافي) ولا تترك صندوقا الا و تبعثر محتوياته, و تزيل كل التغليف المحكم حتى وان ادى ذلك الى تحطيم بعض الاجهزه التى تعب المسافر المسكين في شرائها كما حدث لتلفزيوني مسطح الشاشه اخر موضه الذي اشتريته بحرّ مالي فوصل بعد المعالجه الجمركيه الدقيقه معطوبا لا فائده منه و كنت ادخره لشيخوختي لعل بعض برامجه السودانيه تزهدني في العيش في هذه الدنيا و تخفف عليّ مراره فراقها و لعل موظف الجمارك كان يبحث بداخله عن مواد مسرطنه او اجهزه تجسس تابعه لأسرائيل.
و لم تكن هذه تجربتي الاولى مع الجمارك فقبل عام من ذلك وكنت عائدا مع اسرتي من مهمه رسميه في قطر, نظر موظف الجمارك في تركيز الى جهازه الالكتروني( ولعله مصنوع في الصين) و خرج بنظرة ثاقبه ان هنالك امورا خطير في احدى حقائبي- وكانت تخص زوجتي- فشخبط عليها بطبشور في يده. و تم التقاطها و فحصها بواسطة بعض موظفي الجمارك يحيط بهم بعض المتجمعين الفضوليين لا ادري لأي غرض  و انا واقف اتحسر, و قد كنت اعتقد انه قد تم اختياري للوظيفه المعتبره التي يسيل لها لعاب وزاره باكماها بما كنت اتمتع به من حس وطني و كفاءه اعلاميه عاليه و اعامل عند عودتي كما لو كنت مهربا محترفا. و بالله عليكم ماذا يمكن ان يعود به مواطن ائتمنته الدوله على مصلحه السودان و سمعته من خطر على البلاد ؟
لم يذكر خبر الاسمده المشعه طبيعه التزوير, اهو في الراسل او المرسل اليه و لملذا التزوير اذا كان المرسل اليه معروفا لكي تصل اليه البضاعه ؟ كما ان منشأ البضاعه من هيروشيما لم يمسسه تغيير!
ثم تابعوا ماذا حدث ؟
لم تتدخل سلطات الامن التي يتعلق عملها بسلامه البلد, و لم يصدر قرار بتوقيف المرتبطين بهذه الشحنه المشعه اويحدث اتصال دولي بمن ارسلها لمعرفه اهدافها. كل الذي يقوله الخبر ان مصلحه الجمارك التي    يصفها مديرها ( على وزن دلاكتها) بانها حريصه على سلامه المواطن من البضائع و المواد التي من شأنها الاضرار بالبلاد.  وتخيلو ماذا كان سيحدث للسودان اذا دخل تلفزيوني سليما ؟
خبر الصحيفه و كارثه المواد المشعه انتهيا بارجاع الحاويه بما فيها الى هيروشيما التي جائت منها و كفى الله المؤمنين شر القتال. و السيد مدير الجمارك يناشد كل المستوردين ان لايستوردوا مواد يمكن ان تضر بالبلاد؟
هل نضحك ام نبكي ؟


mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]

 

آراء