إلى شعب السودان وأهل دارفور خاصة من الدكتور عبد الله علي إبراهيم المرشح لرئاسة الجمهورية

 


 

 

لتقم الانتخابات في دارفور لأن في الديمقراطية شفاء للولاية مثل بقية أجزاء الوطن

 

IbrahimA@missouri.edu

 هذه مسودة لمذكرة أرغب في تقديمها لمفوضية الانتخابات لعقد الانتخابات في ولاية دارفور منعاً لإغراء تأجيلها أو تأجيل كل الانتخابات بسببها. وتقوم حجة المذكرة على أن الديمقراطية هي عقدة مسألة دارفور. فلو تمتع أهلها بالديمقراطية (وكل السودانيين) لما بأوا إلى هذا الوضع الذريع. بالانتخابات وحدها يدخل سواد أهل دارفور إلى دائرة القرار بشأنهم الذي أخذت بعنانه صفوات ضيقة مهما كان الرأي في حسن المقصد والمطلب. وقد أطلعت على المقترح جماعة من أبناء دارفور خلال زيارتي لواشنطون مؤخراً. واستنرت بقولهم في الإلحان بحجتي. وأنا شاكر لهم تفضلهم بالاجتماع بي وحديثهم إلي. وارجو أن تصلني من كل مهتم ومختص بالانتخابات عبر بريدي تغذية استفيد منها في كتابة المذكرة بصورة ذكية ونافذة. والخير أردنا.  غير خاف على الجميع أن مسألة دارفور ستكون عقبة كأداء في طريق الإنتخابات القادمة التي نريد لها أن تكون سبيلنا للسلم والديمقراطية وطي صفحة الماضي السقيم بصورة نهائية. فمن أكثر وجهات النظر تطرفاً من جهة أحزاب المعارضة قولها أن تؤجل تلك الانتخابات إلى موعد غير مضروب ولا معلوم حتى تنحل مسألة دارفور بصورة مرضية. فإن مال بعض الدارفوريين لهذا التأجيل فهم سيحعلون الانتخابات رهينة لمأرب معارض. وهذه مماطلة ربما أخفت سأماً معارضاً بالانتخابات ليس دارفور فيه سوى سبوبة. ومن الجهة الأخرى نجد طرفي حكومة الوحدة الوطنية مقبلان على الانتخابات تنفيذا لإتفاق نيفاشا للسلم وتقرير مصير جنوب السودان بدفع  مشهود من ضامني الاتفاقية. ويخشى بعض بعض الدارفوريين من جراء هذا أن تكون الانتخابات في ولايتهم مجرد رهينة لإتفاقية السلام الشامل في نيفاسايملي علينا هذان الموقفان حيال الانتخابات القادمة في دارفور أن نتحسب لذيولهما ومترتباتهما. ففي موقف رهن إجراء الانتخابات العامة بحل مسألة دارفور إسراف شديد. كما أن عقد الانتخابات العامة نزولاً عند نيفاشا يجعل انتخابات دارفور حادثة لا معنى لها في ملابسات الولاية المعروفة. وجوهر التحسب الذي أدعو له هو قيامها نزولاً عند حقيقة أن دارفور نفسها بحاجة ماسة للانتخابات لرتق قماشة نسيجها الاجتماعي، وترتيب بيتها في بيئة ديمقراطية تفض الخلاف وتحقن الدم. وسيسوقنا هذا التحسب إلى تفصيل انتخابات لدارفور في مقاس أزمتها. فمن جهة نتفادي تعطيل انتخابات عامة عليها تعويل كبير في بناء الأمة-الوطن السوداني بصورة نهائية. ونتفادى من الجهة الأخرى أن تكون انتخابات الولاية كإجراء انتخابي روتيني غير مقصود لذاته. وقد نبه تقرير صدر عن معهد الولايات المتحدة للسلام في مارس 2009 لهذا المعنى.  فقد نظر للمسائل الصعبة التي ستحف بالانتخابات في ولاية دارفور على ضوء خبرات جرت في مناطق للنزاع في العراق وأفعانستان و والكنغو. وحذر من قيام انتخابات في الولاية تكون جزءاً من الأزمة لا مخرجاً منها. وأشار إلى ضرورة تطويع القانون الانتخابي العام مراعاة لفروق دارفور. فهي ولاية أصبح النزوح (لا الإقامة) هو واحد من أميز حقائقها الديمغرافية والسياسية. ولاحظ التقرير في هذا الخصوص أن الإحصاء السكاني (ابريل مايو 2008) لم يغط معسكرات للنازحين عديدة. وسيترتب على ذلك أن صوت هذه الجماعة المستجدة في دارفور سيضعف بالنظر إلى قلة الدوائر التي ستخصص له. وتطرق التقرير حتى لوجود النازحين في ولاية الخرطوم التي يشكلون 18-25 في المائة من سكانها. ولشتاتهم في الخرطوم فإن تمثيلهم في الدوائر الجغرافية  سيكون قاصراً إلا من دائرة واحدة في أم درمان ربما كانوا فيها أغلبية. ونبه التقرير إلى التحوط لتفادي إضعاف تمثيل النازحين في البرلمان القادم الذي سيكون التصويت فيه بالأغلبية البسيطة. والحال هذه لن يجد أهل دارفور وحركاتهم المسلحة سبباً للحماسة للانتخابات متى ضعف تمثيلهم في البرلمان.  وجاء التقرير بما ينبغي التحوط له من تحويل انتخابات دارفور إلى ملحق سلبي للانتخابات العامة. فمع ميل التقرير للربط بين قيام الانتخابات و بلوغ السلام دارفور غير أن أغلبية الخبراء اتفقت في قول التقرير بأنه لا بد أن تجرى إنتخابات من نوع ما في دارفور إذا أردنا لنيفاشا أن تستكمل نفسها وشرعيتها. فقد يرفض أي من طرفي سلام نيفاشا العهد إذا جرت الانتخابات ولم تشمل دارفور. ولن نخرج من هذه الورطة إلا إذا اتفق الطرفان على تأجيل الانتخابات. وفي هذا إسراف. وللخروج من كل هذه المآزق اقترح تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام قيام انتخابات جاذبة في دارفور القيام بما يلي:تعديلات مشروطة على قانون الانتخابات يسود به التمثيل النسبي (لا الحر المباشر) على ما عداه بما يكفل تمثيلاً للأحزاب السياسية والجماعات الإثنية. وأن يصحب ذلك اشتراط أن لا تمر القرارات المفصلية في البرلمان الوطني  إلا بموافقة ثلثي النواب. تبسيط التصويت المعقد المنتظر الذي يدلي فيه الناخب في الشمال بست   بطاقات ( بطاقة لرئيس الجمهورية وأخرى لوالي الولاية وثالثة لنائب الدائرة الجغرافية ورابعة لقائمة الأحزاب وخامسة لنائب البرلمان الولائي وسادسة لدوائر المرأة. علماً بأن بعض دوائر دارفور هي ميادين للقتال.استثناء النازحين من شرط التسجيل كناخبين في الأماكن التي قضوا فيها مدة الإقامة الملزمة ليتسجلوا في مناطقهم الأصل.    ليس مهماً هنا الاقتراحات المعينة التي جاء بها التقرير. فقد نأخذ بها أو ببعضها أو قد نهملها كلها. ولكن التقرير هام في لفت نظرنا إلى ضرورة تفصيل انتخابات لدارفور في سياق الانتخابات العامة في شوري حثيثة مع فعاليات دارفور المختلفة تراعي ظرف الحرب والزعزعة التي تكتنف الولاية.إن أخشى ما نخشاه أن ننتهي إلى تأجيل الانتخابات  متى ما اعيتنا الحيلة في عقد  انتخابات دارفور. ولكن علينا أن نتعظ من سوابقنا في التأجيل حين بدت لنا استحالة إجراء الانتخابات في الجنوب لظرف الأمن. وجاءت الانتخابات المؤجلة بمتاعب سياسية عديدة. وأخطرها ضعف التسجيل والتصويت حتى بعد التأجيل مما أدى إلى  "نحافة الجسم الانتخابي" (في تعبير الفاتح عبد السلام وأبوشوك في كتابهم الأخير عن التجربة الانتخابية السودانية). وهذا مطعن كبير في الديمقراطية. وتمثلت نحافة هذا الجسم في تدني نسبة المسجلين في انتخابات 1986 مقارنة بمن يحق لهم التصويت. فقد كانت 11% و17% في بحر الغزال وأعالي النيل على التوالي. وهذه نسب تقل كثيراً عن رصيفاتها في الأقاليم الشمالية. وأدى ضعف التسجيل في بعض الدوائر إلى قرار باعتبار الحد الأدني للتسجيل 6 ألف ناخب. ومع ذلك تعطلت الانتخابات المؤجلة أصلاً في 37 دائرة في الجنوب من 128.   من جهة أخرى كان التأجيل نفسه موضوعاً خلافياً بين أحزاب الشمال نفسها. فقد رفضت الحركة الشعبية أن تكون طرفاً في انتخابات 1986 شبهة في أنها ستنستنسخ الديمقراطية الطائفية كما تقول. أما في انتخابات 1965 فقد قاطع حزب الشعب الديمقراطي الانتخابات لأنها تأجلت في الجنوب. وحتى أجهزة الدولة مثل النائب العام والقضائية أدلت بدلوها بصورة وترت الموقف السياسي. وتطاول التأجيل لعامين حتى أبريل 1965 يوم انضم نواب الجنوب للجمعية التأسيسة لأول مرة. وتسرب قبح سياسي كثير من التأجيل. فقد صدر قرار التأجيل بعد اكتمال الترشيح. وكان من بين المرشحين عشرة لم ينافسهم أحد. فتقدموا بطعن في قرار التأجيل قبلته المحكمة واعتمدتهم نواباً مستحقين عن دوائرهم في الجمعية التأسيسية. وكانت تلك دناءة مخجلة ممن أخذوا رطلهم من لحم الأمة بغير وازع. ولكن خبرتنا الانتخابية إيجابية من حيث مراعاة فروق أوضاع الجهات التي يحول انفراط عقد الأمن دون إجراء انتخاب فيها. فقد اتفق للسيد الصادق المهدي تأجيل الانتخابات في الجنوب عام 1965 ولكنه تحوط لمغبة انعقاد الجمعية التأسيسية من دون الجنوب. فسعى أن تكون انتخابات الشمال مجرد محطة انتظار حتى يلحق الجنوب. فاقترح أن تجري انتخابات في الشمال يعين بعدهارئيس وزراء بالتشاور مع الجنوبيين ثم يتعطل البرلمان ليعود وينعقد بعد انتخابات الجنوب. واقترح بديلاً آخر يأتي فيه نواب الجنوب بالتعيين. ومنعاً لتجاوز الدستور اقترح الصادق أن يستمر الجسم المنتحب والمعين كهيئة برلمانية حتى تقوم انتخابات الجنوب  فتصبح جمعية تأسيسية.   كما عرفت انتخاباتنا الكليات الانتخابية حين تعذر التصويت المباشر لكل الناخبين. فلما بدا للجنة انتخابات برلمان الحكم الذاتي في 1953 أن التصويت المباشر متعذر لأسباب فنية متعلقة بقدرة أهلها على تفهم عملية التسجيل والتصويت أدخلت نظام الكليات الانتخابية. وبلغت دوائر التصويت المباشرة 35 وغير المباشرة 57 دائرة ودائرة للخريجين تتكون من 3 مقاعد بالبريد المسجل. ولما باشرت لجنة الانتخابات عملها خفضت غير المباشرة (نتيجة اقتراح من الحزب الوطني الاتحادي الذي خاف من سيطرة الإدارة الأهلية على سير الانتخاب. فالقانون وضعته جمعية تشريعية قوامها حزب الأمة) إلى 24 وزادت المباشرة.وميزت لجنة انتخابات 1953 بين صفوات الكليات الانتخابية. واختلفت شروط أحقيتهم في الجنوب عنها في الشمال. فمثلاً دخل ضمن صفوات الكلية الانتخابية في الجنوب معلمو المدارس الوسطى والمدارس الأولية بينما اقتصر الأمر في الشمال على مدرسي المدارس الثانوية ونظار المدراس الوسطى. وحتى تعريف الخريج الذي يصوت لدائرة الخريجين اختلف. فهو في الجنوب كل من حصل على شهادة مدرسة وسطى بينما كانت الشهادة الثانوية هي الحد الأدنى للناخب الخريج في الشمال. بل وصوتت المرأة لأول مرة في السودان كخريجة دون بقية النساء. وتسامحت لجنة الانتخابات من جهة التسجيل في انتخابات الجنوب التكميلية في 1976 فقبلت قوائم السلاطين حين تعذر التسجيل الفردي للتصويتمما تقدم من خبرة وجب أن نتحوط في انتخابات 2010 فلا نستسهل تأجيل الانتخابات في دارفور بالنظر إلى مقتضى الأمن. فالديمقراطية أصل في مسألة دارفور. فلو كان لإرادة شعب درافور مصرفاً دستورياً لما تقلدتها نيابة عنهم "القبائل" والشيع من الحركات. وبلغت ضيعة هذه الإرادة حداً تباكت فيه صفوة النادي السياسي على تردي الإدارة الأهلية التي وسيلتهم الأزلية للسلطان على غمار الناس. وكأن أهل دارفور خلو من القدرة على إدارة شأنهم بغيرها. فالديمقراطية ليست طائفاً مركزياً نستثني منه دارفور متى تهافت الأمن فيها. فربما كان المخرج من محنة دارفور هو في الديمقراطية بمعنى انتخاب الولاية لولاة أمرها ممن تضع أزمتها في ذمتهم. فهم الذين سيقررون -معززين بثقة الدارفوريين - بشأن علاقتهم بالمركز وعلاقتهم ببعضهم البعض. فالانتخابات ليست ملحوقة في دارفور متى أجلناها. فالديمقراطية هي الحل لأزمة الولاية مثلها في ذلك مثل كل ولاياتنا الأخرى والسودان بعامة. فتأجيلها يعني أن ما يشفي الوطن لا يشفي دارفور. وسنكرر تجربة الانتخابات المؤجلة في الجنوب التي جعلت من المؤسسة البرلمانية في نظر الجنوبيين تمامة عدد (أو تمومة جرتق) لعرس الشمال الديمقراطي. وعليه فمن رأينا أن تقوم الانتخابات في دارفور بصورة مفصلة على وقائعها الديمغرافية والاحتقانية والأمنية الراهنة بعزيمة منا أن الحل في دارفور هو التحول الديمقراطي أيضاً.  وأن نستعين بالكليات الإنتخابية التي نتفق عليها لتسد مسد التسجيل والتصويت المباشرين حيث تردى حبل الأمن. وسيكون نهج الانتخابات المفصلة على دارفور أدعى للقبول متى عرضنا جوهر فكرته وإجراءاته بصورة حكيمة وقوية على فاعليات دارفور فتناقشه وتغذيه. ولن يجد سواد الدارفوريين في النهج غرابة لأنه سيقع موقعه من رغبتهم، بعد شتات طال، إلى استرداد صوتهم السياسي ليقرروا بشأن صورة الحكم في ولايتهم والوطن بأسره.     

 

آراء