إيقاف خدمة تحويل الرصيد وأثره الاقتصادي … بقلم: محمد بدوي

 


 

محمد بدوي
16 February, 2020

 

 

المتابع لتطور الخدمات المرتبطة بقطاع الاتصالات يلحظ اتساع نطاقها و تطورها المتطرد و المتعدد الامر الذي يرتبط بخدمات يمكن إنجازها في وقت وجيز وبجهد أقل مقابل رسوم محددة لا تخضع في غالب الاحيان للاتفاق بل تنفرد بها تلك الشركات كسمة للطبيعة الرأسمالية ، التطورات السياسية المتعلقة بحالة الأمن سواء مكافحة الارهاب وغسل الاموال او غيرها جعلت من الملزم احتفاظ الشركات ببيانات تفصيلية للمتعاملين و المستفيدين من خدماتها مما جعلها تمتلك قواعد بيانات ضخمة الأمر الذي ساعد في تشجيع بعض الدول إلى إلغاء منافذ السداد بالمرافق الحكومية و استعانتها بطرق سداد يمكن فيها استخدام الهاتف لتحويل المقابل إلى حساباتها المصرفية ، بالنظر إلى الراهن السوداني و غياب تلك الخدمات نقف علي خدمة تحويل الرصيد ، فنتيجة للتعقيدات المصرفية وشح النقد و غياب خدمات الصرافات جعل منها وسيلة لتداول واسعة للتعاملات المالية رغم تحديد سقف مالي لذلك .
في 20 يناير 2020 حملت وسائل الإعلام عزم السلطات السودانية إيقاف خدمة تحويل الرصيد في يونيو المقبل 2020 . تحت حجة انها احد اسباب تداول كتلة نقدية تقدر بحوالي 70 مليار دولار خارج الاقتصاد ، في تقديري ان دراسة الأسباب دوما تقود إلى اتخاذ قرارات سليمة ، وهنا اشير الى ان اسباب ذلك يرتبط بحالة الاقتصادية من عزلة الاقتصادية ا يرزح تحتها السودان كنتيجة للعقوبات الاقتصادية التي جعلت من النظام المصرفي السوداني ايضا في عزلة دولية واقليمية انعكس في تراجع العلاقة بين الجمهور والأنظمة المصرفية و لجوء الجمهور الي امتلاك الارض كضمان اقل خطورة من الودائع والارصدة المعرضة لحتمالات تراجع قيمتها كنتاج للتخبط الاقتصادي الذي ساد فترة حكم الاسلاميين السودانيين 1989-2019 ، الكتلة النقدية المشار إليها كبيرة جدا مما تثير القلق في أن المعالجة قد تتم فقط بالغاء خدمة تحويل الرصيد دون التفكير في البدائل التي قد تساهم في معالجة الامر واعادة الحال الى الدائرة الاقتصادية ، وهو أمر مرتبط بتوفر خدمة الصرافات في التحويلات المالية داخليا وخارجيا و إعادة تاهيل النظام المصرفي و تثبيت سعر الصرف أو الجنيه مقابل العملات الأخرى و بشكل جذري رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب هذا استراتجيا ً .
الحلول الاخري او البدائل التي يمكن اللجوء اليها لاعادة تلك الكتلة المالية إلى الدائرة الاقتصادية للدولة ترتبط بمنهج تطوير الخدمات وتوسيع نطاقها فنيا وهو أمر لا يحتاج إلى كثير جهد بقدر ما يستدعي النظر إلى تجارب متطورة ففي بعض دول الجوار توفر شركات الاتصال خدمات اخرى بالاضافة الى تحويل الرصيد تكثف من المعاملات المرتبطة بالنظام المالي للدولة و ذلك بإضافة ميزات بخط الهاتف أو الشريحة SIm Card تتيح تحويل النقود وتسمح بالقيام بسداد رسوم معاملات مختلفة و بشكل أوسع مثل الرسوم الدراسية و الضرائب و اشتراك القنوات التلفزيونية والرسوم الجمركية ، البيع الالكتروني داخل السودان غيرها من المعاملات بين الافراد و المؤسسات الخاصة والدولة و تتم تلك الخدمة عبر شركات الاتصالات او منافذ فرعية تشكل المصارف احد دوائر العملية عبر توريد النقد فيها و ظهور ذلك كرصيد في الهاتف .

تداول كتل نقدية كبيرة خارج الدائرة الاقتصادية ليست مقتصرة علي خدمة تحويل الرصيد فمثلا بافتراض ان محطات الخدمة البترولية تحصل علي الوقود من وزارة النفط مثلا بقيمة يتم سدادها في الغالب عبر سند وفاء بنكي وليس نقدا ، لكنها تحصل علي مقابل الوقود نقدا من الجمهور ، هذا المقابل في ظل نظام اقتصادي غير مستقر يشجع علي المضاربة في العملات الأجنبية احد طرق الربح السريعة ، لكن باضافة خدمة سداد قيمة الوقود عبر ميزة تحويل المقابل عبر الهاتف بين العميل او الجمهور وشركة الاتصالات يعيد بعض التوازن ، علي ذات النسق شركات الاتصالات تحصل علي مقابل الخدمة بالجنيه السوداني يثور السؤال عن كيفية حصول الشركاء غير السودانيين علي أنصبتهم وهم خارج السودان ؟ وبأي عملة ؟ و من اين تحصل تلك الشركات علي العملات غير السودانية في حال التحويل خارج السودان ؟ هل السعر الرسمي ام السوق الموازية ؟ ما يعني قبل التفكير في إلغاء تلك الخدمة يجدر مراجعة تلك التعاملات وربطها بالسعر الرسمي للعملات الذي يصدر من بنك السودان .
الراهن الاقتصادي يشير إلى اعتماد قطاعات واسعة في السودان علي تحويل الرصيد لضمان سير الحياة اليومية فهناك قطاعات ذوي الدخل اليومي و الذين يحصلون علي أجورهم بشكل يومي ايضا و قطاعات العمل اليدوي ، مع الاخذ في الاعتبار اتساع الجغرافيا السودانية و محدودية خدمات المصارف او وسائل لتحويل مبالغ محدودة مما يجعل الاثر يطال المجموعات المتاثرة اصلا بانهيار الاقتصاد ، فهل تم دراسة اثر ذلك علي هذه القطاعات ؟
اخيرا في بلد تضيق فيه أدوات ووسائل تقديم الخدمات وبنيتها بشكل عام لارتباطها بتراجع دور الدولة نتيجة لأسباب سياسية وتاريخية يجدر دائما أن نفكر في الانتباه الخطط البديلة علي المستويين النظري والعملي فبدلا من الغاء خدمة تحويل الرصيد في تقديري يجدر تكثيف الجهد في تطوير الخدمات والرقابة لأنه ببساطة يسهل اللجوء للحلول السهلة لكن قد تقود الي نتائج سالبة .

badawi0050@gmail.com
////////////////

 

آراء