اتهامات متبادلة وإدانات بعد “اغتيال” والي غرب دارفور

 


 

 

الخرطوم/ دبي -أ ف ب/الشرق
دانت أطراف في السودان وخارجه، الخميس، "اغتيال" والي غرب دارفور مع دخول النزاع في البلاد شهره الثالث، وسط دعوات لتدخل دولي في الإقليم الذي حذّرت الأمم المتحدة من وقوع "جرائم ضد الإنسانية" فيه، فيما أعلنت إثيوبيا استضافة اجتماع للجنة الرباعية للهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) بشأن السودان "قريباً".

واتهم الجيش السوداني، ليل الأربعاء الخميس، قوات الدعم السريع بـ"خطف وقتل" خميس أبكر، فيما دانت قوات الدعم مقتله، واتهمت الاستخبارات العسكرية السودانية بـ"التورط في إشعال حرب قبلية" في ولاية غرب دارفور.

ويشكّل ذلك تصعيداً في النزاع الذي اندلع في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ويتزامن مع تحذيرات متزايدة بتدهور الأوضاع في إقليم دارفور الذي عانى على مدى عقدين من نزاع دامٍ، خصوصاً في الجنينة، مركز غرب دارفور، إحدى الولايات الأربع للإقليم الواقع بغرب السودان عند الحدود مع تشاد.

وأعلن الجيش، ليل الأربعاء الخميس، أن قوات الدعم "خطفت واغتالت والي ولاية غرب دارفور خميس عبدالله أبكر"، على الرّغم من أنّ "لا علاقة له بمجريات الصراع" الدائر حالياً.

ودان البرهان "الهجوم الغادر"، معتبراً في بيان أن ما تنفّذه قوات الدعم "من قتل وسلب ونهب وترويع المواطنين واستهداف المنشآت الخدمية والتنموية بمدينة الجنينة، يعكس مدى الفظائع التي تقوم بها القوات المتمردة ضد الأبرياء العزل".

"تحقيق مستقل"
من جانبها، دعت قوات الدعم السريع، في بيان، الخميس، إلى "تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقصي الأحداث التي وقعت بالولاية، وأدت لمقتل الوالي ومئات المواطنين، وما ترتب على ذلك من موجات نزوح ولجوء وحرق وتخريب للممتلكات العامة والخاصة وكشف المتورطين في مؤامرة إشعال الفتنة".

واتهمت قوات الدعم السريع الاستخبارات العسكرية السودانية "بالتورط في إشعال حرب قبلية" في ولاية غرب دارفور و"تغذية القتال بتسليح القبائل ما أدى إلى اشتداد فتيل الأزمة على نحو متسارع".

كما تعهدت بإجراء تحقيق لتجميع المعلومات بشأن حادث مقتل والي غرب دارفور، وكشف التفاصيل المتعلقة بالنزاع في ولاية غرب دارفور، مؤكدة أنها لن تتردد في "تقديم أي عنصر من أفراد قوتها يثبت تورطه في الحادث إلى العدالة".

واختتم البيان بمطالبة المنظمات الإقليمية والدولية، بالإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين، والضغط على قوات الجيش للموافقة على تشكيل لجنة من جميع الأطراف لتشغيل مطار "الجنينة"، الذي يقع تحت سيطرة قوات الدعم وذلك لاستقبال المساعدات الإنسانية.

وقبل ساعات من مقتله، تحدث الوالي إلى قناة "الحدث" السعودية عبر الهاتف، وأزيز الرصاص يسمع من حوله. واتهم قوات الدعم بإطلاق قذائف "على رؤوس المواطنين"، مضيفاً: "اليوم الجنينة مستباحة (...) كلّها دُمّرت".

وتابع: "هذا شعب قُتل بدم بارد بأعداد كبيرة جداً، بالآلاف"، مطالباً بتدخل "لحماية ما تبقّى من الأرواح".

"وحشية وقساوة"
ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريباً. وخلال العقدين الماضيين، تسبب النزاع فيه بوفاة 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين، بحسب الأمم المتحدة.

ووجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى الرئيس المعزول عمر البشير، وعدد من مساعديه، بارتكاب "إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب" في دارفور.

وخلال النزاع، لجأ البشير الى الجماعات المسلحة المعروفة باسم "الجنجويد"، لدعم قواته في مواجهة أقليات عرقية في الإقليم. ونشأت قوات الدعم السريع رسمياً عام 2013 من رحم هذه الجماعات.

وكان أبكر زعيم إحدى حركات التمرّد الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020 سعياً لإنهاء النزاع.

ودان سفير الاتحاد الأوروبي آيدن أوهارا "جريمة القتل"، مؤكداً أن "حماية المدنيين... وإيصال المساعدات الإنسانية هي التزامات بموجب القانون الدولي، وستتمّ محاسبة" المسؤولين عن الانتهاكات.

ودانت هيئة محامي دارفور قتل أبكر "بهذه الدرجة الممعنة في الوحشية والقساوة".

وشددت على ضرورة "تدخّل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي العاجل لإيقاف المجازر البشرية والإبادة الجماعية المرتكبة بواسطة الميليشيات العابرة المسنودة بقوات الدعم السريع".

وساطة إثيوبية
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية السفير ملس آلم، أن الهيئة الحكومية للتنمية بإفريقيا "إيجاد" كلّفت أديس أبابا بأن تلعب دور الوساطة خلال الأيام المقبلة لحل الأزمة بين الأطراف المتنازعة في السودان.

وقال إن الهيئة أقرت خلال اجتماعها الأخير بأن تكون أديس أبابا حاضنة لجهود السلام في السودان خلال 10 أيام، ووضع خارطة طريق تنجي السودان من "حرب أهلية"، ورشحت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليكون راعٍ للمفاوضات.

وأوضح أن "إيجاد" اختارت آبي أحمد، للعب دور الوساطة لنجاح بلاده في ذلك في عام ٢٠١٩، وتوفيقه بين المكون العسكري والمدني آنذاك.

ومن المتوقع أن يحضر قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وجهاً لوجه لأول مرة منذ اندلاع فتيل الأزمة في السودان.

حماية سكان دارفور
واعتبرت الباحثة السودانية خلود خير عبر "تويتر" أن "هذا الاغتيال المروّع يتطلب إدانة واسعة وتبعات على قوات الدعم السريع، إضافة الى تحرك لحماية سكان دارفور وغيره".

وسألت: "ما هي عملياً الخطوط الحمر؟ عدم التحرّك الدولي يقتل".

وسبق مقتل أبكر، تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس، الثلاثاء، من أن العنف في دارفور، وخصوصاً في الجنينة، قد يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية".

وتحدث عن تقارير بشأن هجمات تستهدف المدنيين "على أساس هوياتهم العرقية يُزعم أنها ارتُكِبَت من مجموعات مسلحة عربية، وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع".

"كل شيء تحطّم"
وحوّل النزاع الذي تستخدم فيه كلّ أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، العديد من أجزاء السودان إلى مناطق "منكوبة"، ولم يترك لسكانه أي أفق بشأن متى يمكن أن تضع الحرب أوزارها.

وقال محمد الحسن عثمان الذي ترك منزله في جنوب العاصمة، لوكالة "فرانس برس"، الخميس: "لم نكن (نعتقد) في أسوأ توقعاتنا أن الحرب ستطول لهذا الأمد".

وأضاف: "كل تفاصيل حياتنا تغيرت. أصبحنا لا ندري هل سنعود إلى منازلنا أم علينا أن نبدأ حياة جديدة".

وقالت الشابة هويدا عبدالرحيم التي تقطن ضاحية أم درمان شمال العاصمة: "قبل الحرب كان قد تبقّى أسبوعان فقط على (موعد) زواجي".

وتابعت باكية: "مع بداية الحرب، قتل والد زوجي المنتظر، وهو (خطيبها) الآن مفقود منذ أكثر من شهر. كل شيء تحطّم".

وأسفر النزاع عن مصرع أكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.

2 مليون نازح
ووفق المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من مليوني شخص، لجأ أكثر من 528 ألفاً منهم الى دول الجوار.

داخلياً، لجأ الآلاف الى مدينة مدني على مسافة نحو 200 كم جنوب الخرطوم، والتي بقيت في منأى عن أعمال العنف.

وقالت منظمة "أطباء بلا حدود"، الخميس، إن فرقها في مدني شهدت "زيادة مقلقة في عدد الوافدين من الخرطوم. وفي الأسبوع الماضي، ارتفع عدد النازحين من 300 إلى 2800 في موقع واحد تعمل فيه" المنظمة.

وأبدت قلقها "إزاء ظروف المياه والصرف الصحي في مخيمات النازحين، لا سيما مع اقتراب موسم الأمطار. في الواقع، بدأت حالات الملاريا بالازدياد وهناك مخاوف بشأن انتشار حمى الضنك".

ويحتاج 25 مليون شخص إلى المساعدة والحماية، وفقا للأمم المتحدة، ولكن حتى أواخر مايو، تم تمويل 13% فقط من حاجات المنظمة.

وتستضيف جنيف في 19 يونيو، مؤتمراً ترأسه السعودية بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان.
/////////////////////////////

 

آراء