اصلاح التعليم في السودان

 


 

 

 

مقدمة

بجانب تخريب القطاعات المنتجة في الاقتصاد الإنقاذ أيضا خربت النظام التعليمي بتغيير المناهج وخفضت السلم التعليمي من 12 سنة الي 11 سنة موزعة بين ثمانية سنوات تعليم أساس وثلاثة سنوات ثانوي وهو امر مخالف لكل نظريات التربية التي لاتنصح بمدارس تطم تلاميذ من سن السابعة لسن الخامس عشرة او السادس عشر في نفس المدرسة. ايضأ خفض السلم التعليمي من 12 سنة الي 11 لا يسمح بتغطية كل المعلومات والنشاطات خارج المنهج الدراسي كالجمعيات والرياضة والزيارات للمتاحف والمؤسسات المهمة في المجتمع التي يحتاجها التلاميذ. كما فصلت معظم المدرسين المؤهلين وخفضت ميزانية التعليم مما زاد اعداد التلاميذ في الفصول لأعداد لا تسمح باستيعاب الدروس وزادت المصروفات علي التلاميذ بدرجة فوق طاقة الكثيرين من الاسر فترك الدراسة اعداد كبيرة من الأطفال. النتيجة اعداد ضخمة من الشباب ليست لديهم المستوي من المعرفة باللغات والرياضيات والعلوم الذي تتطلبه معظم الاعمال في اقتصاد اليوم لذلك معظمهم يعملون في اعمال هامشية كقيادة الركشات لذلك من الأهم اصلاح التعليم كخطوة مهمة لتغيير تركيبة الاقتصاد السوداني ليصبح اقتصاد انتاجي يتوسع لعلاج مشكلة العطالة. في هذه الورقة سأحاول تلخيص بعض المشاكل التي تواجه التعليم في السودان وأقدم بعض المقترحات لإصلاح التعليم. هذه ليست خطة متكاملة لإصلاح التعليم وانما هي اجندة للنقاش لأعداد خطة استراتيجية لإصلاح التعليم.

أهمية تحديد فلسفة النظام التعليم
الخطوة الاولي لإصلاح التعليم تحديد فلسفة التعليم. نعم نتيجة التعليم هو الحصول علي وظيفة ولكن لكي ينجح الخريجين في وظائفهم يجب ان يشمل التعليم اكثر من المهارات الضيقة التي تحتاجها الوظائف. يجب ان يعد التعليم المواطنين لكي يصبحوا واسعي الأفق يفهمون انهم جزء من المجتمع السوداني والمجتمع الإنساني الكبير واهمية القيم الإنسانية كالإخاء والعدل والسلام ودورنا في حماية البيئة والمخلوقات الأخرى التي تشاركنا في هذا الكوكب. كما يجب ان يدربهم علي التفكير المستقل الخلاق وروح المبادرة والاستكشاف وعدم الخوف من التجريب وقبول الفشل كجزء من التعلم والنمو كانسان. هذه الأسس الإنسانية ليست بدع من خارج المجتمع السوداني بل مستمدة من تعاليم المجتمع السوداني نجدها في درر الشيخ فرح ودتكتوك وفي تراث كل القبائل والاقاليم السودانية. نما يجب ان نعلمهم ان التعليم لا ينتهي بالتخرج بل يستمر طوال الحياة. بناء علي هذه المبادئ تبني المناهج لكل المراحل الدراسية لتواكب احتياجات القرن الواحد العشرين في الرياضيات والعلوم والتكنلوجية والبيئة وتاريخ وجغرافية العالم مع إعطاء اهتمام خاص لأفريقية والعالم العربي والتوسع في تاريخ وجغرافية السودان مع إعادة منهج الجغرافية القديم في المدارس الأولية حينما كان المنهج يشمل زيارات لأطفال حقيقين في كل مناطق السودان علي ان تكون الزيارات لتلميذ وتلميذة وان يزداد عدد الزيارات للتأكد بانها تشمل كل المجموعات في السودان. اعادت كتابة مناهج تاريخ السودان بصورة امينة مهما كانت مؤلمة وتدريسه بطريقة حساسة تؤدي لتصالح السودانيين وتشجعهم للنظر للمستقبل وتؤكد لهم ان السودان وطن يتساوى فيه الجميع. الاهتمام بالنشاطات الرياضية والثقافية كالجمعيات الأدبية والجمعيات الفنية كالمسرح والفنون الاخرى وزيارة المتاحف والمسارح والسينما وقد تبدو تلك الاقتراحات غريبة للبعض لان عهود الظلام التي مر بها الوطن لم تحطم المؤسسات وانما دفنت الكثير من النشاطات الجميلة للتعليم في السودان فحينما كنت تلميذ في الخمسينات في المدارس الأولية والوسطي كانت في المدارس هذه النشاطات. كما يجب تعليم الأطفال حب القراءة والاستطلاع والكتابة بإعطائهم واجبات من بيئتهم فمثلا تكليف الأطفال في المدارس الأولية بكتابة شجرة العائلة والاحاجي التي تحجيهم بها جداتهم وامهاتهم وكتابة تقارير عن الحيوانات والأشجار في احيائهم. بناء علي ذلك يمكن بناء المناهج في المراحل العليا لتضاهي المستويات في الأقطار المتقدمة. هذه المقترحات تتطلب إصلاح معهد بخت الرضا لقيادة الإصلاحات وتأليف المناهج الجديدة وهو الدور الأساسي لبخت الرضا قبل ان يتم تحطيمها كبقية المؤسسات في السودان ويمكن الاستعانة باليونيسكو والمغتربين والخبراء من الدول الصديقة المشهورة بأنظمة تعليم متقدمة. لتدريب المدرسين الحاليين علي تدريس المناهج الجديدة يمكن تحويل احدي الجامعات التي فتحت أيام الإنقاذ من دون أساتذة مؤهلين او إمكانيات لمعهد لتدريب المدرسين ويمكن الاستعانة بالمغتربين وأساتذة من الدول الصديقة للتدريس في تلك الجامعة ويجب ان يكون هناك تنسيق متكامل بين تلك الجامعة وبخت الرضا للتأكد بان المدرسين يدربوا لتدريس المناهج الجديدة.

تعليم البنات
منز عهد الاستعمار كان تعليم البنات يحتل الدرجة الثانية بالمقارنة لتعليم الأولاد فمثلا كان عدد المدارس اقل من مدارس الأولاد كما ان الكثير من الاسر لا تهتم بتعليم البنات بقدر تعليم الأولاد بل حتي الاسر التي تسمح لبناتها بالالتحاق بالمدارس لا تعفيهن من الاعمال المنزلية وبالتالي لا يتمكنن من أداء واجباتهن المدرسية. في دفعت 1961 بجامعة الخرطوم عدد البنات حوالي 30 من 400 المقبولين وذلك العدد يمثل عدد مدارس البنات الثانوية بالمقارنة لمدارس الاولاد. بالرغم من كل تلك العقبات فان الكثيرات من النساء السودانيات الاتي وجدن حظ من التعليم ثابرا ونجحن واحتلن مراكز مرموقة داخل وخارج السودان. بل ان الكثيرات اللائي لم يحصلن علي حظ من التعليم نجحن كستات اعمال ولا اتخيل مستوي النجاح والمساهمة في تقدم المجتمع اذا وجدن فرص للتعليم. لذلك يجب ممارسة التميز الإيجابي لتعويض النساء علي مظالم الماضي. أولا بمساوة فرص التعليم للبنات بالفرص المتاحة للأولاد والاستثمار في التعليم والتدريب للنساء الاتي لا يناسبهن التعليم التقليدي بتدريسهن القراءة والكتابة والحساب والتدبير المنزلي ومهارات تساعدهن إذا اخترنا العمل خارج المنزل.

التعليم الفني والمهني
نجاح الاقتصاد الألماني في تفادي درجة العطالة التي حدثت في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد البريطاني نتيجة تحول الصناعات التقليدية لدول العالم الثالث يمكن ان يعزي لنظام التعليم الألماني الذي يتكون من قسمين قسم أكاديمي يقود للدراسات الجامعية والأخر تعليم فني يدرب الطلاب لوظائف في الصناعات التي تتطلب عمال بمهارات فنية عالية وفهم لبيئة المصانع الحديثة. تلك المدارس تتعاون مع 430000 من الشركات الصناعية و80% من تلك الشركات تستخدم خريجي تلك المدارس . من الناحية الأخرى لم يتهيئة نظام التعليم الأمريكي ليواكب احتياجات الصناعات الحديثة المبنية علي التكنلوجي. النتيجة مستوي عطالة عالي في مناطق الصناعات التقليدية وعجز كبير في احتياجات الصناعات الحديثة لعمال مؤهلين في العلوم والرياضيات والتكنلوجي. لذلك يجب إعادة تأهيل المدارس الصناعية وتحديث مناهجها ومعداتها لتساعد الاقتصاد السوداني للتحول لاقتصاد حديث. الفرصة مواتية للحصول علي العون من المنظمات العالمية ومن عدة دول منها المانية التي انشأت مراكز التدريب المهني وكانت اول دولة صناعية تعلن دعمها للثورة وهناك حديث بأن بعض الشركات الألمانية مستعدة للاستثمار في السودان فاذا كانت هذه حقيقة تلك الشركات ستكون علي استعداد لدعم التعليم الفني بالمشاركة في اعداد المناهج وتقديم المعدات والمدربين لتدريب المدرسين في تلك المدارس. لعب خريجي تلك المدارس دور مهم حينما بداء انشاء المصانع في ستينات القرن العشرين ويمكن تن يلعبوا نفس الدور في النهضة الصناعية القادمة.

الجوع عدو التعلم
من الصعب الانتباه والاستيعاب حتي للكبار اذا كانوا جوعي دع عنك الأطفال في مرحلة النمو التي يحتاجون فيها لأكل مغزي لينموا صحيحي الجسم والعقل. لقد اثبتت دراسات الأطباء وعلماء التربية ان الجوع يؤثر في المقدرة علي الانتباه واستيعاب الدروس. بل في كثير من الأحوال لا يستطيع الاطفال الجلوس بهدوء ويشوشون علي زملاءهم. لذلك يجب إعطاء وجبة الفطور لكل التلاميذ مجانا. منح وجبة الفطور مجاننا لكل الأطفال حتي لا يشعر الفقراء بالحرج. قد يعترض البعض بان ميزانية التعليم لا تتحمل هذه التكاليف وأفقهم في ذلك وعليه اقترح جمع التبرعات خاصة من أولياء الأمور المقتدرين ودعوة الأمهات للتبرع لأعداد الطعام.

خاتمة
هذه بعض الآراء والاقتراحات مساهمة في نقاش اصلاح التعليم في السودان. اعترف باني ليست خبير في التعليم العام ولكني والد أطفال تابعت تعليمهم كما اني خريج نظام التعليم السوداني في الخمسينات وستينات القرن العشرين وهي في رأي حقبة ذهبية للتعليم في السودان.

modifferent@gmail.com

 

 

آراء