الآفاق السودانية لا تستوعب تطبيع مع إسرائيل
رهن وجود السودان بالتطبيع مع إسرائيل، في هذا السياق، جاءت رؤى أنصار التطبيع مع الكيان الصهيوني، في السودان، وعلى تعددهم من سياسيين ومثقفين، حيث رددوا في فضاءات إعلامية متعددة أن الحفاظ على مصير الدولة السودانية يتطلب إقامة العلاقة مع تل أبيب، وأن مصلحة البلاد تكمن في ذلك، نظرا أن التقارب السوداني-الأمريكي مرتبط بالتطبيع مع إسرائيل.
لقد إنحاز هذا التيار السياسي والثقافي الذي أعلن عنه لقاء عبدالفتاح البرهان- بنيامين نتنياهو، بتاريخ ٣ فبراير ٢٠٢٠ في أوغندا، إلى الإنحياز إلى نادي التحالف الأمريكي-الإسرائيلي بصورة صريحة، كما أضافوا أن مصالح بلدهم الاقتصادية،وحدة أراضيه،أمنه المائي وسيادتهم على غرارهم السياسي، كل ذلك وغيره يتطلب التطبيع مع إسرائيل، وأضاف البعض أن حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يفرض التطبيع.
بطبيعة الحال فإن تلك القضايا التي طرحها هذا التيار السوداني، لا خلاف على أنها تمثل معضلات تواجه ليس الحكومة السودانية فحسب. بل الدولة برمتها، وإذا ما تم النظر إلى أكبر جيران السودان، ممثلين في مصر وإثيوبيا، وهما دولتان تربطهما بإسرائيل بعلاقات متعددة، وكانتا في مراحل تاريخية على قطيعة مع الكيان الصهيوني، يتجلى أن كلاهما لا زال يرزحان تحث جملة من المعضلات وبعضها ذات صلة بالسودان ذاته، وأن ارتباطهما مع الولايات المتحدة ودول السعودية والإمارات في الضفة الأخرى المجاورة لم يسعفهما، في إستقرارهما، فما بال تطورهم.
مصر منذ عام ١٩٧٨ لم تسهم علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أن تكرس ازدهار اقتصادها وسيادتها على سيناء، وإثيوبيا منذ قدوم نظام ميليس زيناوي، لم تفلح في أن تجعل من علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب كركيزة لازدهار اقتصادها وتفعيل لوحدتها الداخلية، كما أن السودان في ظل إشكالية مشتركة مع كل من مصر وإثيوبيا في إطار تقاسم حصص مياه نهر النيل الأزرق و الحدود السياسية، حيث حلايب وشلاتين تحث السيطرة المصرية، والحدود السودانية-الإثيوبية لا زالت غير مرسومة بعد، ناهيك عن أن هناك زحف وتمدد إثيوبي على أراضي سودانية.
إن مستقبل السودان كان مرهونا بانتصار ثورة ١٨ ديسمبر ٢٠١٩، والتي تم إجهاضها عبر مبادرة إثيوبية، قضت بتقاسم السلطة بين القوى العسكرية ممثلة بالمجلس العسكري الإنتقالي والقوى السياسية والمدنية من جانب آخر، ذلك الإجراء كان التفاف وتحايل على رغبة الشعب لتقرير مصيره، وذلك من قبل قوى خارجية رافضة لحدوث التغيير في السودان.
وتقضي الضرورة العودة لاستمرارية الثورة والتي تمثل المخرج الوحيد الذي يمكن الرهان عليه لتغيير، والوعي بأن خصومها في الخارج، لا يرغبون في نجاحها، وهم من دفعوا الأمور في إتجاه الإلتفاف على موقف الاتحاد الافريقي القاضي بتسليم المجلس العسكري الإنتقالي السلطة إلى القوى المدنية.
في المحصلة إن الولايات المتحدة وإسرائيل كانوا منذ عقود حاضرين في الحياة السياسية السودانية أكان من خلال صورة رسمية أو عبر إختراق إسرائيل والارتباط مع حركات سودانية أكان في الجنوب المفصول أو في دارفور، و كلاهما ليس حريصا على تلك الجهويات التي ارتبط بقواها السياسية والسودان عموما، فالجنوب الذي رموا ثقلهم لفصله عاد أسوأ مما كان عليه سابقا، لم يقدموا له شيئا وتركوه يتناحر.
فلماذا تعتقد نخب سياسية وعسكرية سودانية أن مستقبل بلادها مرهون بالتقارب مع إسرائيل وأمريكا؟
واضح أن البعض بلغ حالة الكسل الفكري، ولم يعد قادرا حتى على قراءة الواقع فما بال استشراف المستقبل، مصر من أكبر الدول العربية والإفريقية التي تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وإسرائيل ورغم ذلك تمثل دولة متخلفة جدا بمقياس الموارد البشرية والطبيعية التي تمثلكها.
ويكفي السودان عبرة بأن هؤلاء لم ينتشلوا مصر من واقعها الردئي، بل هم جزء من محنتها وإضعاف دورها، والخليج لم يسعف مصر ولا السودان، حيث تتعاطى كل من السعودية والإمارات معهما وفقا لمعادلة العصا والجزرة، مع دولتين تشكلان ثلث القوة سكان الدول العربية تقريبا، حيث جاء في نشرة الويكيبيديا لعام ٢٠١٨، أن عدد سكان هذه الدول بلغ ٣٦٢ مليون نسمة.
الإشكالية التي لا ترغب تلك النخب استيعابها هي غياب عقد سياسي جامع لدولة السودانية، والحاجة الملحة لذلك وكونه مرتبط الهوية السودانية والديمقراطية المختلف عليها، والمفارقة أن المجلس العسكري الإنتقالي(السيادي)، في واقع معارضة لتوجه العلماني في البلاد، بينما نرى تصدره لتطبيع مع إسرائيل، إن غاية التطبيع هو قطع الطريق على ميلاد التغيير الذي يرنوا إليه المجتمع.
وبمعزل عن تغيير حقيقي في طبيعة الدولة، فلن يسفر أي دعم خارجي لسودان عن شيئ يذكر، وهو مجرد أماني لن تراوح مكانها، فقمة النكوص الإعتقاد أن يكون التطبيع مع كيان فاقد المصداقية مدخلا لتطور والحداثة، وأن يتم تحميل القضية الفلسطينية تلك الحمولة من السخط ذو الصلة بجلد الذات، وترديد أن يهتم السودان بأولوياته هو قول حق يراد به باطل.
وبأي حال لا يمكن ربطه بالقضية الفلسطينية التي لم تعيق ذات يوم مصالح السودان، بينما أعاقتها وأصابتها إسرائيل في مقتل، وفي المحصلة فإن طريق الخلاص وبلوغ الآفاق لهذا المجتمع مرهون بتجديدا ثورته واستمراريتها لحين إقامة سودان ديمقراطي موحد، وعلى تلك النخب أن تحشد طاقتها الفكرية لانتشال بلادها مما هي فيه بدلا من الركون إلى مشروع هزيل يقتات على الدعم الأمريكي والذي بدوره يمثل حصيلة الخراج المستخلص من ملكيات العرب.
السودانيين في غالبيتهم شعب مسلم، وتلك النخب المتحمسة لتطبيع، أمامهم الكتير من النصوص والتي أكدت على الولاء والبراء بين المسلمين، وليس صحيحا إتهام البعض بأن ذلك تمرير من قبل إخوان مسلمين وشيوعيين سودانيين يقفون وراء مقاطعة التطبيع، بقدر ما أن ذلك بحد ذاته يمثل خطاب قرآني وإنساني في مضمونه.
khalidsf5@gmail.com