الأزمة الإقتصادية .. المخرج والحلول (1-3)

 


 

 


Francismayik@gmail.com
حذر الخبير كيث جيفريس ، الإستشاري الإقتصادي والمدير العام ببتسوانا ، في أكتوبر من العام 2015م ، جنوب السودان: "بأنه بدون عمل إصلاحات عاجلة ، لكبح جماح التضخم ، فإن التضخم في البلاد ، سيحذو خطى التضخم في زيمبابوي ، وأضاف جيفريس ، أن إستمرار ذلك ، سيؤثر على إقتصاد الدولة الوليدة ، وسيقود لإنخفاض سعر صرف ، الجنيه الجنوب سوداني ، مقابل العملات الأجنبية ، وهذا حدث بالنسبة لزيمبابوي الدولة الواقعة جنوب الصحراء ، عندما وصل نسبة التضخم فيها 2000% ، وبإرتفاع شهري للتضخم بنسبة 79.6 مليار % في العام 2008م ، متابعاً حديثه قائلاً: إن العجز في ميزانية زيمبابوي كان مرتفعاً ، مقارنتاً بجنوب السودان ، لكن بدون القيام بعمل شيئاً ، فإن الدولة الوليدة ستسير في هذا الإتجاه ، وأن ربع الإنفاق الحكومي من الإيرادات ، وفق تقرير( المكتب القومي للإحصاء ) ، السنوي الذي ورد في شهر يوليو ، وجاء فيه " أن نسبة التضخم بلغت 52% ، بينما أن سعر صرف الجنيه الجنوب سوداني مقابل الدولار 16.5 ، وذلك عقب إندلاع الأزمة في العام 2013م ، بجانب إنخفاض الأسعار في العالم.
وكان جيفريس يتحدث في ندوة إقتصادية نظمها (international growth centre)، حول "سعر صرف العملة" ، قائلاً: بأن التحويلات الخارجية لجنوب السودان تراجعت منذ العام 2011م ، من (2 مليار دولارأميركي ) إلى (1مليار دولار أميركي) ، الذي لا يمكن أن يسير ، أقل من إسبوع لتغطية الصادرات ، ونصح المسئولون بتخفيض العملة المحلية ، بالتعويم الحر ، لضبط نظام تبديل العملات ، أو تثبيت الأسعار لتقليل الآثار ، والمساعدة في التآقلم وتوازي سعر الصرف ، وإقترح الخبير الإقتصادي ؛ العديد من الوسائل التدريجية ، التي يمكن أن تسمح للبنوك بأن تتأجر بالعملة الأجنبية ، بشكل أفضل مثل؛ بناء التسويق البنكي بين البنوك ، تقليل التحويلات الغير حكومية بالسعر الرسمي ، بيع البنك المركزي العملة الأجنبية ، بمزاد للبنوك ، لتمويل الخزينة بالإيرادات.
ولاحظ جيفريس بأن مستوى سعر الصرف يؤثر تنافس الإنتاج ، بالإضافة إلى فعالية الأرباح "دائرة التعثر" ، على أساس إمتيازات الدخول ، بالنسبة للعملات الأجنبية وسعر الصرف الرسمي ، الذي خلق سلوك الطلب ، على الأجور الغير منتجة.(The corporate-issue82/ October 14th-20th, 2015)
إن الإقتباس أعلاه ، وبالتمعن فيما ورد فيها من نصائح ، أيها القراء ستجدون ، بأن صناع القرار في البلاد ، كأنهم أخذوا بنصيحة هذا الخبير الإقتصادي ، ولمناقشة ذلك لابد من القول بأنه ، لايمكن لأي متتبع ، للأزمة الإقتصادية الراهنة ، التي تشهدها البلاد ، أن يناقش هذه الأزمة ، بدون الرجوع إلى خلفية عن الإقتصاد الجنوب سوداني ، وطرح تساؤلات عدة مثل ؛ هل هنالك إقتصاد ، أصلاً ، بالمفهوم المتعارف عليها ، في علم الإقتصاد السياسي ، وسواء أن إتفقنا أو إختلفنا ، حول وجود إقتصاد جنوب سوداني ، فما هي الأسباب التي قادت إلى الأزمة الإقتصادية ، وما المخرج والحلول؟! سأحاول في هذا المقال مناقشة هذه الأسئلة .
فيما يتعلق بمقاربة حالة الإقتصاد الزيمبابوي بالإقتصاد الجنوب سوداني ، فمن الناحية النظرية ، نجد أنه توجد تشابه في إستمرار إرتفاع التضخم ، لكن هناك فرق بين الإقتصادان على المستوى العملي ، ففي زيمبابوي هناك إقتصاد بالمعنى المتعارف عليها ، بحكم أنها دولة منذ أكثر من ثلاث عقود ونيف ، وأيضاً هناك قطاعات مثل ؛ القطاعين العام والخاص ، والقطاع الزراعي ، فدولة مثل زيمبابوي لاتستورد منتجاتها الزراعية من الخارج ، كما أن إرتفاع التضخم أدى إلى خلق بطالة مقنعة ، أدت إلى هجرة الآلاف من الزيمبابويين ، للعمل بدولة جنوب أفريقيا المجاورة ، وساعدهم ذلك بإرسال مداخيلهم بالعملة الأجنبية ، وهذا ساهم في مقدرة العديد منهم ، على التعايش مع الوضع الإقتصادي المزري .
في جنوب السودان يعتمد الإقتصاد على تصدير مورد وحيد هو النفط ، الذي إنخفض أسعاره عالمياً ، إلى جانب تأثير الحرب التي تدور رحاها في البلاد ، مما أدى لعدم الإستقرار السياسي والأمني ، كما أن الإقتصاد الجنوب سوداني ، ليس بها قطاعات منتجة ، وإن وجدت فلا توجد إحصاءات تؤكد مساهمتها ، في الناتج القومي الإجمالي ، إذ ليس لدينا قطاع زراعي بالمقارنة مع زيمبابوي ، فنحن نستورد السلع الغذائية من الخارج ، وهذا ساهم بخلق التضخم الذي هو بالأساس تضخم خارجي ، نسبة لإستيراد السلع الغذائية بالعملة الأجنبية ، الذي من المفترض أن إحتياطي ، كما أن الجنوب سودانيون يقومون بتحويل مداخيلهم إلى الخارج بالعملة الأجنبية ، كما أن العملة الأجنبية ، الدولار الأميركي يعتبر سلعة تجارية يتجار بها في السوق الموازي ، هذا عمل على إضعاف العملة الوطنية ، الجنيه الجنوب سوداني ، إذ نجد أن الدورة الإقتصادية في جنوب السودان ، تتم بالخارج ، دول الجوار مثل ، يوغندا ، كينيا ، أثيوبيا ، السودان ، أو دول المهجر ، مصر ، إستراليا ، أميركا ، كندا ، أروبا ، إن محاولات الإستفادة من تجارب الدول الآخرى ، من الأهمية بمكان إذ أننا جزء من دول العالم ، لاسيما الدول المتخلفة ، لكن المشكلة تكمن في السياق والمقارنة الإعتباطية ، الذي يتعامل بها صناع القرار ، مع تجارب هذه البلدان ، ولعل أبرز مثال لذلك – قرار تعويم الجنيه الجنوب سوداني – مقابل العملات الآخرى ، الذي وجد المديح من العديد من المسئولون ، حول فوائد هذا القرار مثلاً ؛ بأنه سيوفر العديد من فرص العمل ، جذب المستثمرون الأجانب إلى البلاد ، وصل الأمر حد الإستخفاف بعقول الجنوب سودانيون ، عندما قال أحد المسئولين :" بأنكم لن تفهموا هذا القرار الآن!" ، وأيضاً قال مسئول آخر :" بأن القرار مدروس ، إلا أن الحكومة وإلى لحظة كتابة ، هذا المقال ، لن تتفضل بنشر الدراسة ، تعميماً للفائدة وخاصةً للجامعات والمراكز البحثية ، لمعرفة أيا من التجارب ، التي إستلهم منها قرار التعويم ! .
وأعني هنا مناقشة -الأزمة الإقتصادية – وفق الإقتصاد السياسي ، بمعنى أياً من النظريات الإقتصادية ، التي تعمل الدولة ، من خلالها على تحقيق التنمية الإقتصادية ، والتي تؤدي إلى خلق فرص العمل والرفاهية .
تعريف الإقتصاد السياسي هو أحد العلوم الاجتماعية التي تتناول دراسة حالة الإنسان في المجتمع وتحلل الظروف التي يعيش فيها وتبني القوى الفعالة التي تؤدي دورها في الحياة الاجتماعية ، وقد عرفه الإستاذ تروشي " Truchy" ، في كتابه الاقتصاد السياسي " بإنه دراسة لنشاط الإنسان في المجتمع بقدر ما له علاقة بحصوله على الأموال والسلع والخدمات" ، ومعنى مصطلح الاقتصاد السياسي في اللغة هو فن الحصول على إيرادات للدولة، أو تحصيل وجباية الأموال لصالح الحكومة ، ومنهم من عرفه أنه علم يدرس تسيير أو إدارة الموارد النادرة ، وطرق وأساليب تحويل هذه الموارد المتاحة ، لما يفي الحاجات المتعددة ، حيث يربط هذا التعريف علم الاقتصاد بالتناقض القائم بين الموارد النادرة من جهة وجهد الإنسان الهادف إلي مواجهة هذه الندرة لكي يفي بحاجياته المتعددة ، والإقتصاد السياسي يركز ، ويعتني بالعلاقات المتشابكة بين الإقتصاد والسياسة ، مع إعطاء أهمية خاصة لدور القوة والسلطة في إتخاذ القرار الإقتصادي" ، اقتصاد السوق الحر ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية ، ويخضع لتفاعل العرض والطلب داخل السوق. اقتصاد السوق هو اقتصاد العرض ، والطلب والمنافسة الحرة وتحرير الأسعار من أي قيد عدا ما تفرضه المنافسة الحرة غير الاحتكارية ، ويعتمد بشكل أساسي على الملكية الخاصة للافراد والمؤسسات ورأس المال.
الاقتصاد المختلط يعتمد الاقتصاد المختلط على تدخل الدولة في الاقتصاد من خلال إجراءات تنظيمية تهدف إلى ضبط الأسعار و منع الأزمات الناتجة عن الدورات الاقتصادية الرأسمالية ، يقدم النظام المختلط درجة من الحرية الاقتصادية ممزوجة بتخطيط اقتصادي .
وينقسم الإقتصاد إلى ؛ الاقتصاد الكلي الاقتصاد الكلي (بالإنجليزية: Macroeconomics) (مصطلح تم التعارف عليه في سنة 1933م من قبل الاقتصادي النرويجي ركنر فرش،) وهو مجموعة حلول نظرية تتعامل مع الاقتصاد كتلةً واحدةً، وتلامس النظرية مواضيع عدّة منها الناتج المحلي الإجمالي (GDP) ومعدلات البطالة والأرقام القياسية للأسعار وذلك بهدف فهم الاقتصاد المحلي والعالمي والعمل على تطوريها. الأدوات التي يستخدمها الإقتصاديون في هذا المجال تتمثل في الدخل القومي للدولة والناتج المحلي، والاستهلاك المحلي، ومعدلات البطالة، والإدخار، والاستثمار، والتضخم ، و الاقتصاد الجزئي هو أحد فروع الاقتصاد ، ويعنى الاقتصاد الجزئي بتحليل ودراسة تصرفات المستهلك والشركة في ظل كمية الموارد المحدودة في العالم وذلك لهدف فهم عملية صناعة القرار لديهم ، اي كيفية تفاعل المشتري مع البائع والتي بدورها تحدد كمية العرض والطلب مما يؤدي إلى تغيّر الأسعار للمنتجات نسبة إلى الإنتاجية.

الأزمة الاقتصادية .. المخرج والحلول (2-3)
فرانسيس مييك
في اعتقادي الشخصي بدأت الأزمة الاقتصادية الحالية ، في العام 2006م ، وذلك عندما تكونت حكومة جنوب السودان آنذاك ، بانتهاج الحركة الشعبية لتحرير السودان "الحزب الحاكم" ، (سياسة السوق الحر ) . ومثلت هذه السياسة الاقتصادية ، تراجعًا عن رؤيتها لإدارة الاقتصاد والتي تدعو فيه وفق "مانفيستو العام2008م" إلى تطبيق نظام "الاقتصاد المختلط" . و يعتمد الاقتصاد المختلط على تدخل الدولة في الاقتصاد من خلال إجراءات تنظيمية تهدف إلى ضبط الأسعار و منع الأزمات الناتجة عن الدورات الاقتصادية الرأسمالية ، يقدم النظام المختلط درجة من الحرية الاقتصادية ممزوجة بتخطيط اقتصادي .
وبالنظر إلى الواقع الماثل الآن ، فإن الإقتصاد السائد هو إقتصاد السوق الحر ، بدون كوابح ، وهي التي أدت للأزمة الإقتصادية الحالية ، وذلك لغياب الدور الحكومي في توجيه السوق وآلياته ، كما أن هذا التوجه ، خلق تفاوت طبقي حاد بين مكونات المجتمع الجنوب سوداني . فهنالك قلة صغيرة مترفة تمتلك كل شيء مستفيدة من إستشراء الفساد في كل أجهزة الدولة ، مقابل أكثرية تعيش بالكاد ، بالرغم من شعارات الحركة الشعبية لتحرير السودان "الحزب الحاكم" ، والتي تتحدث عن العدالة الإجتماعية ، فإن الممارسات الحالية ، لا تساعد في تحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية.
تفاجأ العديد من الجنوب سودانيون ، في يوم الثلاثاء الموافق 12 نوفمبر من العام 2013م ، بقرار تخفيض قيمة الجنيه الجنوب سوداني مقابل الدولار الأمريكي بحوالي 4.5، للدولار ، وقد أدت هذه الخطوة الى أن يقوم المجلس التشريعي القومي باستدعاء محافظ البنك المركزي كورنيليو كوريوم لتوضيح الاسباب . وقد طالب المحافظ كوريوم ، إمهاله مزيداً من الوقت لتجهيز نفسه .ولكن رفض الأعضاء ذلك ، وطالبوه بالتراجع عن هذا القرار. وفي حديث المحافظ لوسائل الإعلام ، قال بأن البنك المركزي ووزارة المالية ، اتفقتا على تخفيض قيمة الجنيه الجنوب سوداني.
وقد أظهر رفض المجلس التشريعي قرار تخفيض قيمة الجنيه الجنوب سوداني ، بحجة انه لم يخضع للنقاشات داخل المؤسسات الحكومية المعنية ، وهذا لم يعدٌ خافياً على الجميع . وهذا ما دفع الجنوب سودانيون إلى متابعة وسائل الإعلام لمعرفة الأثر الذي ستحدثه، هذه الخطوة على حياتهم.
وأثارت بطبيعة الحال هذه الخطوة حفيظة الأسواق ، مما أدى إلى إرتفاع أسعار السلع الأساسية ، وإنعدام الوقود ، وظهر الجنيه بقيمة 4.8 مقابل الدولار، في السوق الموازي (السوداء) ، لإرتفاعه في بعض الصرافات.
وفي معرض رده على قرار التعويم قال محافظ البنك المركزي، كورنيليو كوريوم : " هذا القرار صدر بعد نقاشات عديدة بين عدة مؤسسات . وكان البنك المركزي جزء من هذه المؤسسات . وهناك جانبان رئيسيان على هذا القرار، واحد يتعلق بوزارة المالية والثاني بالبنك المركزي ، وقمنا بهذه الخطوة لأننا لم نجد خيار اخر ، ومنذ العام 2013م ، اقترحنا تعديل سعر الصرف بقيمة معقولة ، ولكن هذا المقترح وجد معارضة كبيرة ، ولم يتم طرح اي بديل من معارضي المقترح ، وحتى البدائل التي اقترحها البعض نصت على ان تقوم وزارة المالية بمعالجة الفجوة بين الايرادات والمنصرفات من البنك المركزي ، وقد كانت مسألة ان تقوم وزارة المالية باقتراض ديون من البنك المركزي امرا خاطئا ، ولا يمكن ان يحدث في اي مكان في العالم ، حتى وان كانت هنالك طريقة لاقتراض ديون فهي تكون لفترة مؤقتة وليست دائمة بحيث يتم ارجاع هذه السلفيات.(صحيفة الموقف ، العدد (439) ، الجمعة الموافق 18 ديسمبر 2015م)
ليس سراً ، أن الذين يملكون الصرافات ، يتاجرون بالدولار ، بشرائه من البنك المركزي ، وبيعه للصرافات ، بسعر مرتفع ، وفي بعض الأوقات إلى السوق الموازي ، وذلك لتقليل الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والتجاري ، لكن المؤسسات الحالية ، أو بالأحرى بعض الموظفون في البنك المركزي ، يملكون هذه الصرافات ، أو على صلة بها ، وهذا الأجراء ساهم بعدم إستقرار التدخل.(Adel Sandrai, Devaluation of South Sudanese Pound: A Sound Economic Policy in Unsound Economic Enviroment)
ليست سراً بأنه منذ إنتهاج حكومة جنوب السودان ، لسياسة العطاءات أو خطابات الضمان (L.C)، إبان تولي وزير المالية والتخطيط الإقتصادي الأسبق ، كوال أطيان ، الذي عمل على منح بعض الجنوب سودانيون ، عطاءات بغرض خلق رأسمالية وطنية تعمل على المنافسة في السوق ، لاسيما مع الأجانب ، أو بالأحرى الصوماليين ، أو من دول الجوار ، مثل ، السودان ، يوغندا ، كينيا . ويعاب على هذه السياسة ، أن هذه العطاءات منحت على أساس المحاباة والمحسوبية ، بتمكين الأقارب والمقربين على حساب الإقتصاد الوطني ، إذ عملت على خلق رأسمالية طفيلية ، همها الوحيد الثراء السريع ، بدون أي مساهمة واضحة ، وذلك أن أغلب هذه الأعمال ، في واقع الأمر شركات وهمية موجودة في (الشنط )، والذين يطلقون جزافاً ، على أنفسهم (رجال أعمال) ، هم بالأحرى (سماسرة )، ودونكم قضية الفساد الشهيرة ، أو فضيحة "الذرة ساقا"، التي تعد ، من أشهر قضايا الفساد ، في جنوب السودان ، وذلك حينما سلمت حكومة جنوبي السودان ، (مبلغ 2 مليار دولار) كعطاءات للتجار ، لإستيراد "الذرة" في العام 2008م ، كمخزون إستراتيجي ، لكن التجار إستوردوا القليل من الذرة ، ودفعوا بضعة مئات من الملايين الدولارات ، ولاتزال نتائج التحقيق حول هذه الفضيحة - طي الكتمان - شأنها شأن العديد ، من قضايا الفساد ، في البلاد ، والتي يكونً لها لجان للتحقيق فيها ، ولا يتم تقديم المسئولين للمحاكمة ! . وقد ادت هذه السياسات في نهاية المطاف، إلى تآكل الإقتصاد الوطني.
وكان يمكن لحكومة جنوب السودان ، أن تستغل (مبلغ 2مليار دولار) ، بتأسيس قطاع زراعي منتج تساهم في الإقتصاد الوطني ، وذلك بإستيراد الآليات الزراعية ، وإجراء المزيد من الدراسات ، بالاستعانة بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" ، التي تساعد البلدان ، بالأبحاث الزراعية والتقاوي ، بالعمل على إعادة تشغيل المشاريع القديمة مثل ؛ مشروع القطن في أنزارا ، مشروع أويل للأرز ، مشروع منقلا لقصب السكر ، مشاريع الرنك بشمال أعالي النيل ، مشاريع الشاي والبن بشرق الإستوائية . إن الزراعة هي الركيزة الأساسية لإقتصاد ، أي دولة في العالم ، وإذا أردنا أن نخفض التضخم الذي يعرف على أنه الإرتفاع المتزايد والمتواصل في المستوى العام للأسعار . فالتضخم الذي يعيشه إقتصادنا الوطني ، وهو تضخم مستورد من الخارج ، ويتمثل ذلك في التضخم المستورد من الخارج ، عن طريق إرتفاع أسعار السلع والخدمات التي تستوردها الدولة من الخارج ، وتضطر الدولة لإستيراد هذه السلع حتى إذا زادت أسعارها لعدم التوافر داخلياً ، أو لعدم إمكانية إنتاجها محلياً ، الجانب الداخلي ويتمثل في ضعف وعدم وجود القطاعات الإنتاجية التي تقوم بتوفير العرض أو تقوم بزيادة العرض ، وذلك نتيجة لأننا نستورد كل هذه السلع من الخارج.
إن خلق رأسمالية وطنية قادرة على المساهمة ، بدور فعال في الإقتصاد الوطني ، ومنافسة الأجانب الذين يهيمنون على السوق ، يجب أن تكون بدعم وتشجيع صغار المنتُجين ، سواء كانوا ، تجار ، أو مزارعين ، وذلك من خلال ؛ تمليكهم وسائل الإنتاج ، بإنتهاج "سياسة منح القروض" ، بدون محاباة أو محسوبية ، تحقيقاً لمبدأ عدالة ، توزيع الفرص أو العدالة الإجتماعية ، وذلك بمتابعة هذه الأعمال الصغيرة ، على الواقع للتأكد من أن الأعمال ، ليست وهمية ، مثل الشركات الوهمية العديدة ، التي نتجت للسياسات الإقتصادية الحالية ، وهذه السياسات "تمليك وسائل الإنتاج" ، نجحت في العديد من بلدان العالم الثالث ، سيما الهند.
وهذا ما قاله البروفيسور مريال حول دور هذه الشركات الوهمية ..."إذا كنت شركة تريد إستيراد سيارات من اليابان ، وشركتك غير معروفة ، ستقوم خلال البنك التجاري بفتح حساب ، الذي سيخاطب الشركة اليابانية بأنك زبون معتمد لدى البنك ، وستمنح خطاب ضمان لاستيراد البضائع ، بينما سيحول البنك المبلغ ، وعندما تصل البضاعة بالفعل يقوم البنك التجاري بتحويل المبلغ.
ما يحدث الآن هو أن تقوم الشركة بالذهاب إلى أي بنك تجاري وتقوم بفتح حساب وتطلب خطاب ضمان ، علما بأن تحويل المبلغ بخطاب الضمان يجب أن يكون بسعر البنك المركزي ، وبدلاً من أن تجلب بضائع حقيقية ، تذهب إلى صومالي ليبيع له الدولار بسعر البنك المركزي ، ليذهب لأخذ المبلغ وبيعه مرة أخرى.
في حقيقة الامر ، يسبب التلاعب بخطابات الضمان مشكلات اقتصادية كبيرة ، لأن الغرض من إصدار خطاب ضمان هو جلب سلع للسوق لتقليل الغلاء ، لكن الدولار يخرج ويأتي ليباع بسعر أعلى ، دون خدمة أهدافه الحقيقية ، وهذا بمثابة نوع من غسيل الأموال. وأذكر في الاجتماع الاقتصادي التشاوري الذي أقيم بداية الشهر الحالي ، أوصى بضرورة مراجعة شاملة لنظام خطابات الضمان (L.C) نسبة للتلاعب الذي يحدث عبر موظفي الدولة الذين يعطون الخطابات لأشخاص ليس لهم المقدرة على جلب السلع ، ليأخذ كل شخص نصيبه".(بروفيسور مريال أواو ، صحيفة الموقف ، العدد (268) الأربعاء الموافق 27 مايو 2015م). أو مقدرة في الناتج المحلي الإجمالي ، وهو إجمالي القيمة النهائية من السلع والخدمات المنتجة بواسطة إقتصاد دولة معينة ، بواسطة مواطني الدولة ومواطني الدول الأخرى ، ويقسم إلى جزئين ، محلي وأجنبي.


الأزمة الاقتصادية..المخرج والحلول (3-3)
فرانسيس مييك
في ديسمبر من العام 2015م ، أعلن وزير المالية ، أن تخفيض سعر الجنيه الجنوب سوداني لـ(3) جنيه مقابل الدولار ؛ وهذا أدى إلى إرتفاع سعر الدولار في السوق الموازي ، والذي تضاعف إلى خمسة مرات ، وهذا قاد إلى الانخفاض بنسبة 84%. وقبل تخفيض العملة تراجعت نسبة إستيراد الواردات التي كانت تستورد بالسعر الرسمي . وأدى التعويم إلى تقليل الحكومة للضرائب المفروضة على إستيراد السلع . في نهاية يناير 2016م ، أعلنت الحكومة زيادة مرتبات الخدمة المدنية بنسبة 300% ، لتقليل آثار تعويم العملة.
ويقصد بتخفيض "قيمة العملة( Devaluation) ، التدخل المقصود ، لتخفيض سعر العملة المحلية الرسمي مقابل العملات الأخرى ".
وتتوقع الحكومة بموجب ذلك أن تحصل على 100مليون دولار شهرياً كعائدات وفق موازنة العام 2015-2016م ؛ وتتوقع المصادر بأن وزارة المالية ، ستبيع هذه الدولارات من العائدات إلى البنك المركزي ، وفق التعويم بسعر 18.5 جنيه جنوب سوداني مقابل الدولار ، ويتعارض هذا مع ما سبق 2.96 جنيه للدولار.
وأدى تراجع أسعار النفط عالمياً ، إلى إنخفاض تصدير النفط ، الذي أثر على سعر برميل النفط من 20 دولار إلى 10 دولار ؛ الذي يقل عن خام برنت ، الأعلى من حيث الجودة ، وتراجع الشركات الصينية والماليزية والهندية عن شراكتهم في الإنتاج ، وتدفع جوبا ضرائب للخرطوم ، منها 24 دولار للبرميل ، 9.1 دولار للنقل والترحيل و15 دولار وفق الإتفاقية المالية الإنتقالية ، التي تعتبر جزءاً من إتفاقية التعاون المشترك العام 2012م ، وأدى هبوط أسعار النفط عالمياً ، إلى فقدان جنوب السودان على الأقل 4 دولار في كل برميل مما يعني هبوط الجنيه الجنوب سوداني.(Addressing South Sudan, s Economic and Fiscal Crisis, By the Enough Project February 2016)
في الفترة من 23 مايو إلى الأول من يونيو2016م ، زار البلاد وفد من "صندوق النقد الدولي" (وهي مؤسسة تمويل دولية قصيرة الأجل أنشئ بموجب إتفاقية بريتون وودز عام 1944م وهدفه الرئيسي هو تشجيع وتحقيق الاستقرار في نظم الصرف الدولية ، والسيطرة على التقلبات التي قد تصيب أسعار الصرف للعملات المختلفة ، وتحقيق الاستقرار في موازين مدفوعات الدول الأعضاء من خلال تقديم مساعدات وقروض قصيرة ومتوسطة الأجل)، برئاسة جان ميكيلسين ، وأجرى الوفد إجتماعات ونقاشات مع المسئولون . وقال ميكيلسين في بيان صحفي :"جنوب السودان عانت من عدم الإستقرار السياسي والصدمة الخارجية ؛ خلال العامين ونصف ، منذ إندلاع الحرب الأهلية في ديسمبر 2013م ، ونزح حوالي 2 مليون شخص ، وتردي الأوضاع الإنسانية ، وتوقف إنتاج النفط وتراجع أسعار النفط عالمياً ، أدت إلى تراجع العائدات الحكومية ، والبلاد تعاني من أزمة إقتصادية بتراجع الدخل القومي ، وإرتفاع التضخم بحوالي 300% (الآن أكثر من 600%) ، وإنخفاض قيمة الجنيه الجنوب سوداني بحوالي 90% ، منذ تخفيض قيمة الجنيه في ديسمبر 2015م ، كما أن تضاؤل الإحتياط ، قد لا يغطي الواردات في الأيام القليلة .
وإذا لم تتغير سياسات الإقتصاد الكلي ، فإن الوضع الإقتصادي سوف يستمر في التدهور ، وسيقود إلى المزيد من المعاناة الإنسانية . وإمكانية التهديد ما زالت قائمة في ظل هشاشة عملية السلام؛ والعجز في موازنة 2016م- 2017م ، حوالي 1.1 مليار دولار ، و25% ، من الناتج الإجمالي ويمكن تحويل عجز الدين من تراكم البنك المركزي ، في مجالات وإستمرارية تمويل التضخم للضبط على سعر العملة.
ويرى الوفد إن إعادة الإستقرار الإقتصادي ، يتطلب التعاون الفعال من جنوب السودان ، وعلى الحكومة القيام بدورها بجمع الإيرادات غير النفطية ، وخاصةً فيما يتعلق بالمدفوعات ؛ والتحويلات ، والإستثمار، وإعداد الموازنة ، وتحديد الصرف . هذه الإجراءات يمكن أن تقلل العجز المالي بحوالي 300مليون دولار ، بجانب أن على البنك المركزي ، أن يستعيد التحكم في السياسة المالية ، بوقف الإقراض الحكومي ، لضبط التضخم عبر إبطاء السبل ، والبدء تدريجياً ، في إعادة الإحتياطي الأجنبي ، ومزيد من الضبط المالي ، وهذه الإجراءات يمكن أن تجعل الحكومة تفي بإلتزاماتها ، بما فيها النفقات المتعلقة بإتفاقية السلام ، ونقترح الحاجة إلى تغطية العجز المتبقي من المصادر الخارجية ، ومحاولة الحكومة بالسياسة النقدية ، ويمكن أن يضع أساساً للمانحين للعب دور في تقديم الدعم لتقليل العجز المالي.
من خلال دعم الميزانية . وناشد الوفد الحكومة بإستعادة المصداقية ، من خلال السلام وحكم القانون ، والبدء في تنفيذ إطار قوي لإدارة المال العام ، وتحسين الشفافية خلال تعاملاتها المالية ؛ وإجتماع الوفد بكل من ؛ رئيس الجمهورية ، سلفاكير، والنائب الأول رياك مشار(السابق) ، ونائب الرئيس واني إيقا ، ووزير المالية (السابق) دينق أطوربي ، محافظ البنك المركزي ، والعديد من الوزراء ، والبرلمانيون ، والبعثات الدبلوماسية والمجتمع المدني .(I.M.F Staff Mission to South Sudan, Press Release No .16/259, 1 June 2016)
تكاليف الإقتصاد الكلي على المستوى العام وبحسب المنهج المستخدم في Frontier Economic ، الذي وضعه كولير Caller ، والذي يتتبع الأضرار الإقتصادية ، التي تسبب فيها النزاع من خلال الأتي:"التدمير ، فقدان الأصول الإنتاجية ورأس المال ، بما في ذلك الأصول الخاصة والبنية التحتية العامة ، على حد سواء ؛ التعطل ، قد يقلص النزاع وإنعدام الأمن النشاط الإقتصادي ، إذ قد يتسبب ، مثلاً ، في إحجام المستثمرين عن الإستثمار أو لجوئهم إلى تأجيل إستثماراتهم ، كذلك قد يزيد قطع الطرق النقل من تكاليف الأنشطة الإقتصادية ؛التحويل ، يشمل ذلك التحويل داخل الوطن ، من الأنشطة الإنتاجية إلى الأنشطة الغير الإنتاجية وقد تقوم الحكومة ، على سبيل المثال، بتحويل النفقات المخصصة للقطاع الإجتماعي (مثل التعليم والصحة) والبنية التحتية – والتي يتوقع أن ترفع معدل النمو على المدى الطويل – إلى الدفاع والأمن. كذلك قد تنتهج المؤسسات والأسر نمط إستبدال مشابه ، قد يأخذ شكل هروب رأس مال ، أي نقل الإستثمار ، ورأس المال النقدي إلى خارج منطقة النزاع ، وقد يشمل ذلك أيضاً الهجرة ؛ الإحجام عن الإدخار . قد تستهلك المؤسسات والأسر مدخراتها ، لأنها ترى في المستقبل فرصاً محدودة ، فتفضل توجيه أصولها إلى الوفاء بالإحتياجات قصيرة الأمد بدلاً عن الإحتياجات طويلة الأمد الأكثر إنتاجية.(جنوب السودان : تكلفة الحرب ، تقدير التكاليف الإقتصادية والمالية لإستمرار النزاع ، ص 10).
إن المخرج من الأزمة الإقتصادية التي تشهدها البلاد ، هو إعادة الإستقرار السياسي والأمني ، فلا يمكن الحديث عن الإقتصاد ، بمعزل أن الأوضاع السياسية ، وهذا يتطلب من القوى السياسية ، التوصل إلى توافق سياسي ، لإدارة جنوب السودان ، وفي رأينا الشخصي ، عن إتفاقية حل النزاع بجنوب السودان ، يمكن أن تضع أساس ، بناء دولة حديثة ، في حال تنفيذ الإصلاحات الواردة في الإتفاقية ، الفصل الرابع الخاص بالإصلاحات الإقتصادية ، لتحقيق الإستقرار الإقتصادي في البلاد.
وتطبيق الإصلاحات الإقتصادية الواردة في إتفاقية حل النزاع مثل؛ 6.1.1 تنشئ حكومة الوحدة الوطنية إدارة فعالة وشفافة ومسئولة لإدارة الإيرادات النفطية وغير النفطية ؛ 6.1.5 تضمن سلطة الإيرادات القومية وضع الإيرادات في "حساب مالي واحد" من إجراء الصرف والميزانية ، 8.1 تنشئ حكومة الوحدة الوطنية من خلال التشريع ، سلطة الإدارة الإقتصادية والمالية خلال أربعة (4) أشهر.
إعادة النظر في سياسة "السوق الحر" ، الحالية التي أدت ، إلى الأزمة الإقتصادية ، وذلك بضرورة التدخل الحكومي ، بتوجيه السوق وآلياته ، وتكوين مجلس إقتصادي ، يتبع لرئاسة الجمهورية ، على غرار المجلس الإقتصادي ، الذي يتبع للرئيس الأميركي ، تكون مهمتها وضع السياسات الإقتصادية ، التي تتناسب مع الواقع الإقتصادي والإجتماعي في البلاد ، ويتكون هذا المجلس من خبراء إقتصاديون وأساتذة الجامعات ، يكلفون بالإطلاع و دراسة التجارب المشابهة لجنوب السودان.

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء