الأستاذ الوزير بدوي مصطفي الشيخ احمد

 


 

 


طلب مني عدة مرات ان اقدم لكتب . واعتذرت . لان هنالك من هو احق  واعرف مني بتقديم الكتب . وقد يجد الكتاب رفضا لان كثير من افكاري لا تعجب الآخرين . ولمن اعتذرت عن تقديم كتبهم ، اقدم الاعتذار مجددا . ألان اكسر هذا الالتزام . وربما يكون الآخرون علي حق . وانني قد احسن التقديم .فلنتوقع  كتاب الاستاذ الوزير بدوي مصطفي الذي سيصدر هذا الاسبوع . وقد حققه ابنه الدكتور محمد بدوي .


قد يكون غريبا ان يقدم من ينتمي الي اليسار  لكتاب رجل من رواد الاخوان المسلمين  في السودان. ولكن قرائة الكتاب تجيب علي السؤال . ولقد كتبت من قبل ان الاستاذ بدوي مصطفي لم يجد التبجيل والاحترام الذي يستحقه ، وليس فقط من اعضاء تنظيمه بل من الكثير من  السودانيين .

اول تنظيم للاخوان المسلمين كان يرأسة السيد ... ابراهيم المفتي . وكان الشاب وقتها بدوي مصطفي نائبا للرئيس . والسكرتير كان الاستاذ علي طالب الله . والثلاثة كانوا قد اشتهروا بالامانة والاخلاق الحميدة ، وحسن اسلامهم .  كانت فكرة الاخوان المسلمين بعيدة جدا عن ما لحق بها من سوء . وتركها الشرفاء .

صار الاستاذ ابراهيم المفتي وزيرا في الحكومة الاولي بعد الاستقلال. وصار الاستاذ بدوي مصطفي  ، بعد عقد من الزمان وزيرا للتربية والتعليم . وكان الاثنان من قواد الحزب الوطني الاتحادي .

تخرج الاستاذ بدوي مصطفي من كلية غردون  قسم الترجمة . وعمل في وزارة المالية . الا انه هجر الوظيفة  الحكومية ،التي كانت حلم الجميع ، ليخاطر في تجارة الصادر . وكان عمله يدفعه الي السفر بالشاحنات الي غرب افريقيا خاصة نايجيريا  . وكانت تلك الرحلات قاسية قد تأخد اكثر من الشهر . واصل في تجارة الجلود وتصديرها بقية حياته . وادخل ملايين الدولارات لخزينة السودان العطشي للعمله الصعبة . كان شريكا لتاجر امدرمان المشهور الشيخ العوض خليفة ، ثم استقل . وكون لنفسه سمعة رائعة في السودان وخارج السودان . اشتهر بالامانة والصدق . وكان يفضل ان يظلمه الآخرون من ان يظلم اي انسان . حتي ان البعض كانوا يصفونه بالمتهاون ، وتنقصه شراسة التاجر . ولكنه نجح عندما فشل الآخرون ، الذين كان يدفعهم الجشع .

عندما اجمع مجلس الوزراء في الستينات علي تعيين الاستاذ بدوي مصطفي وزيرا للتربية والتعليم . اتفق مع صديقه الدكتور احمد السيد حمد وزير التجارة علي تبادل الوزارات . ولكن البعض كان يعرف ان الاستاذ بدوي مصطفي سيكون حاسما في معاملة التجار . فلقد عرف عنه البعد عن  المحاباة والمجاملة . واستمر الدكتور احمد السيد في الوزارة ، تلبية لرغبة الآخرين . وحدثت تجاوزات بالرغم من نقاء وامانة الدكتور احمد السيد . ولم تكن لتحدث  تلك  الشبهات اذا استلم الاستاذ بدوي مصطفي الوزارة . وتلك الحادثة استغلها اعداء الحزب الاتحادي ، الذي هو بلا منازع الحزب الوحيد الذي لم يسع للسلطة الا عن طريق الديمقراطية .

الاستاذ بدوي مصطفي هو الموسس الاول للجامعة الاسلامية . ولقد وجد معارضة شرسة في داخل البرلمان وفي الشارع السوداني . ولكنه دافع عن ايمانه . وكانت الجامعة الاسلامية . التي هي الآن بقرة حلوب لبعض اهل الانقاذ . ولا يذكرون االرجل وفضله . وليس هنالك  حتي قاعة باسمه .

الاستاذ بدوي مصطفي اول من نادي بصندوق الزكاة . وتكون الصندوق في ايام نميري . و صار احد وسائل الثراء الحرام للبعض في الفترة الاخيرة . ولا يعرف هذه الحقيقة من يجلسون  الآن في تلك المكاتب الفاخرة . ومنزل الاستاذ بدوي مصطفي  في  حي الملازمين كان يمتلئ  في الصباح بالمساكين والمحتاجين . وكان يأخذ بعضهم بسيارته الخاصة  لصندوق الزكاة ..

من ما يعتبر صدقة جارية للاستاذ بدوي مصطفي هو انه ساوي بين مرتبات مدرسي اللغة العربية و مدرسي الدين ، ومرتبات بقية المدرسين . فليس من المعقول ان من يدرس لغة البلد يتقاضي مرتبا متدنيا من زملاءه في نفس المدرسة .  كان خلف فرض النجاح في الدين الاسلامي للالتحاق بالجامعة . ونحن من  لم نوافق علي تلك الخطوة ، نحترم رأي الرجل . ونستغرب لماذا تجاهلة من نصبوا انفسهم حماة الايمان والشريعة . ولماذا نفر منهم الاستاذ بدوي مصطفي . وجمد تجارته . وكان يقول انه لن يتعامل بالرشوة والمحسوبية . والربا الذي صار يغلف بكل التبريرات .

مصنع شيفلنقا خارج مدينة لند الجامعية  في السويد ، كان يستورد الجلود السودانية لعشرات السنين . وارادوا ان  ينشئوا مصنعا حديثا في السودان. وكان من المفروض ان يكون شريكهم الاستاذ بدوي مصطفي  . وكان ميلر احد ملاك المصنع يحل ضيفا علي الاستاذ في السودان . ولقد عرفوه لعشرات السنين  ووثقوا به. العقبه الوحيدة هي انهم كانوا سياتون برأس المال من البنوك السويدية . والاستاذ بدوي مصطفي كان من المفروض ان يتكفل بالبناء والعمالة المحلية . وعندما ذكرت قضية  عمولة البنك الربوية  في السويد . رفضت الشراكة بالرغم من كل المبررات  والتفسيرات . وكان يقول دائما لاقرب الاقربين اليه .,, تذكروا يوم القيامة والنار ,, اذكر انني ذهبت مع رفيق الدرب ابو بكر بدوي مصطفي لزيارة ميلر السويدي في منزله  في السويد. وتطرق لامانه ونقاء الاستاذ . وذكر التزامه بدينه ، وعدم مقدرته علي المساومة ، مما افشل الشراكة التي كانت ستجعله من اكبر الاثرياء . وعمر بدوي مصطفي اتي الي السويد بغرض تعلم المهنة في مصنع السويد .

الاستاذ بدوي مصطفي كان  واسع الافق سهلا بسيطا تحسبه في منزله الفاخر ضيفا . والمنزل عادة ملئ باهله وضيوفه الكثيرين . كان ابناء تمام اليهود البير ولفي يتعاملون معة كوالدهم  . وكان شريكا لآل تمام الامدرمانيين في  الشركة الكيمائية السودانية . وكانوا ينتجون عدة اشياء،منها الدواء . وآلت ملكية الشركة فيما بعد للدكتور خليل عثمان ، الرحمة للجميع .

ربطت الصداقة الحقيقية بين الاستاذ بدوي مصطفي  والكثيرين منهم رئيس الجمهورية السوداني الزعيم الازهري وغير المسلمين منهم قاوون السوداني الذي انتقل الي اسرائيل . ولقد كتبت عن زواج ابن قاوون ، الذي اقامه في فندق الملك داؤود في تل ابيب  . وكان يشبه زواج الحردلو الشكري الذي سارت بذكرة الركبان في السودان. لانه ضم كل رؤساء  القبائل . الاستاذ بدوي مصطفي  كان يزور صديقه قاوون في سويسرا ، عندما ياتي لتجارة او للمعارض العالمية المقامة لتجارة الجلود . واذكر ان الاخ البساطي الرجل البسيط الامدرماني قد رافقة  الي  فرانكفورت في السبعينات وكانت بين الاثنين علاقة جميلة بالرغم من فارق السن . ولم يفتقد روح الدعابة . ويجيد التعليقات التي تلصق بذهن المستمع ، بالرغم عن عدم ميله الي الاكثار في الكلام . هكذا كا العم بدوي مصطفي يتحدث الينا  ويناقش افكارنا ونحن في العشرينات وكاننا رجال  كبار. وكان يناقش ولا يفرض ارائه علي ابنائة وبناته كأغلب السودانيين وقتها . وكان يترك لبناته مطلق الحرية في الزواج بمن يقبلونه .وحتي عندما اراد شقيقة الشيخ مصطفي ان يشاورة في زواج ابنته من ابن الشيخ مصطفي ، قال له ,, ان البنت هي ابنته . وعليه مشاورتها لان الامر يخصها .

احدي كريمات الاستاذ بدوي مصطفي متزوجة بابن عمتها الدكتور بخاري الجعلي المدعي العام السابق ، ورجل القانون  . واصغر بناته متزوجة  بالسيد  الهولندي مارتن هاس . وكان  حفل زواجها رائعا. اقيم الحفل في الساحة الكبيرة  امام المنزل . وكان المأذون هو الصادق المهدي . واتي اهل العريس من هولندا . وكان العرس حديث الناس .  والعروس كانت احدي التوئمتين سعدية وعيشة . والاسمان تيمنا بجدتيهما  . وحكم الجوار جعل الاستاذ بدوي مصطفي يكلف الصادق المهدي بعقد قران كريمته .

عندما وافق العالم الدكتور  الريح العيدروس علي زواج ابنته عازة بالاستاذ بدوي مصطفي كان يعرف  ، وهو الرجل العالم واول سوداني بتحصل علي شهادة في الفلك . انه قد اختار رجلا فريدا لابنته . فبالرغم من احدا عشر طفلا  كانت الاستاذة عازة الريح العيدروس ترافق زوجها في رحلاته الي اوربا ودول الجوار . وواصلت دراستها وتحصلت علي شهادات عليا . واصدرت كتابين رائعين . احدهما ,, امدرمان عبر الحقب والقرون ,,. ولقد كتبت من قبل . ,, انني لا افهم كيف حصل كتابي حكاوي امدرمان بشعبية واسعة . ولم يحظي ذالك الكتاب الهادف  والشيق بشعبية عظيمة  ؟,,. والكتاب الآخر هو ,, رواد وامجاد,, وتطرقت لسيرة زوجها الراحل . كما ساعدت في اعادة سير مدرسة الفلاح التي اسسها والدها. 
طيب الله ثري الاستاذ بدوي مصطفي لقد قدم الكثير لوطنه . عاش ملتزما بدينة . ولم يساوم في القيم السمحة . ترك خمسة عشر من الذرية  . احسن تربيتهم واهلهم لان يكونوا سودانيين رائعين .لم يكسب اعداء ولم يترك مررات خلفة 
shawgibadri@hotmail.com

 

آراء