الأطلس لا يشير إلى طرق الأمان

 


 

 

البرد هنا قارس  جدا ، كل الاشياء تحركها اصوات البرودة ، كل شئ يتجمد ، الانفاس تتجمد ، الخوف يتجمد ، الهروب الي مكان دافئ مملوء بالريح واصواتها الثلجية الرطوبة تتصاعد وتيرتها  كل ثانية ، مريم  ونعمات واخواتها في معسكرات طويلة ونيفاشا وقريضة وزمزم ، شرق الجبل الحضرة المزارع ،حقول الذرة واشجار الفواكه لم تستيقظ من الارض الي هذه اللحظة ، ترقد في نوم عميق ، اطلقت عليه نعمات النوم الابدي للارض ، انها تبكي في انتظار المطر، حراس  الاستقبال علي رصيف الجبل يصوبون رصاصاتهم علي السحاب الكثيف ، هنا قانون الطوارئ ، قانون الحرق والابادة ، انها اول  وآخر صيحات الفوضي في الارض المنبوذة ، قالها امير الظلام لحاشيته ، ما فائدة الاطفال الصغار في الوجود ،هم كأسلافهم الذين قتلنا ، لا احد يحاسبنا ، افعلوا ماتروه مناسبا ، القتل ليس جريمة في هذه الديار ، انه شرف ، من يغتال ، تتم ترقيته ، ويخصص له مبلغا من المال ، ورصيد بالعملة الامريكية واليورو ، سويسرا بنكوها مفتوحة لنا ، ودول بني عقال حقائبها بها سيولة نقدية لا تتوقعونها . الدماء تنهمر من جسد الطفولة ، تلتصق بذرات الرمل ، تحمل العفونة ، ورائحة الخوف من اللامعلوم ، الصورة هي الصورة ذاتها 12 عاما الموت المتحرك علي عربات الدفع الرباعي ، يوزع الهدايا علي العجزة واليتامي ، من يقول لا ؟ ، في وجه من قالوا نعم ..
نعمات تصالحت مع صوت الرصاص والذخيرة ، امها عائشة ( عشوشة ) ، هكذا ينطقونه في  قريتها التي الفت النوم الابدي ، تتوزع احزانها بين الاماني والعودة الي الجذور ، الام  في اقصائي  الذاكرة ، الصحراء والحقل ، ازقة الحروب ، ومآسي الذكريات ، نعمات حائرة تنام علي رمل البرودة ، لا غطاء يسكو جسدها انهكه  التعب الجري ، المارثون الاجباري ،  شبيه بالمنفي الاختياري ، ثم الحبس الانفرادي في اقصائي الوطن ، المصاب بفيروس الايبولا ، لا علاج له في الوقت الراهن ، سماسرة الدواء ، هم كذلك سماسرة الحرب في كل مكان ، في افريقيا ، اسيا ، امريكا اللاتينية والشمالية ، اوروبا ، كلهم في المصالح المشتركة  يعتقدون ان الغاية تبرر الوسيلة ، اكثرهم حديثا عن الدين وحقوق الانسان ، الحرية والديمقراطية والتسامح ، تقولها نعمات في سرها ، متي يتسامحون معنا ؟ ، لا نريد كرسي علي ضفاف القصر ، ولا نرغب في سلطة نتقاسمها ، بل نريد غطاء لجسدنا من البرودة والطقس المتجبر علينا ، نريد الامن ، نريد من يحمينا من غزوات الدولة الربانية ، نريد ان يري العالم ، تلك الدماء الملتصقة بالارض ، وصراخ الامهات في الازقة الضيقة ...
نعمات ومثيلاتها الان هم يجلسون علي ظل شجرة تتسرب منها  اشعة شمس علي اجسادهن النحيلة ، المساء يباغتهم في لحظات ، متي اشرقت الشمس ؟ الم تشرق منذ لحظات ، حديثنا مع حواء لم ينتهي بعد ، متي بدأناه ؟ ، كي يتلاشي ، راديو دبنقا ، راديو دبنقا ، جلسنا ليستمعن الي المذيع ،  موجة البرد في عطاش تقتل 6 افراد ، وهل بينهم اطفال ؟ ، موجة البرد تغتال 3 في مدينة الفتح بالعاصمة ، وكرر السؤال السابق  ، البرد يلاحق الجميع في هذا الشهر ، وصل الولاية الشمالية ، الجليد سطي علي اسطح المنازل ، وتسلق دون  اذن الي داخل الغرف ، تسلق وحده ، وهنا تسلق البرد ، بعد اقتحام القوات الخاصة القري ، هجوم مباغت ، اعقبه برد قاتل ، لا تتوقع الاحسن عندما تغادر مثلث حمدي ، الاطفال ضحايا المثلث ، درسوا في حصة الرياضيات في المدرسة ان المثلث يساوي 3 اضلاع ، في عطاش وزمزم وطويلة وشنقل طوباي ونيفاشا ، يساوي الموت والبرد ، بينما نعمات واخواتها في المصيبة والصدمة ، تلتصق اجسادهن ببعضها البعض ، لاستعادة الحرارة المنتظرة ، نعمات ماذا تنتظر ؟ اسرتها الضائعة في ممرات الخوف من العصابات المنتشرة في كل مكان ، في المنام والكوابيس والاحلام واليقظة الموجعة ، انها رياح لا اتجاهات جغرافية لها ، الاطلس لا يشير الي طرق الامان ، احباط شديد يغطي وجه نعمات وصديقاتها ، والطفل المستلقي علي ثلج الرمل ... 
ishaghassan13@gmail.com

 

آراء