الإسلاميون وثورة أكتوبر: دقنك حمّست جلدك خرش ما فيه (3 من 6)

 


 

 

 

قلنا أن من رأى الأستاذ أنور الهادي عبد الرحمن، سكرتير الثقافة بلجنة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي اندلعت ثورة أكتوبر 1964في ولايتها، أن اقتراحنا في الجبهة الديمقراطية بالمظاهرة، خلافاً لاقتراح الإسلاميين بالندوة، كان جبناً. فنحن عنده فترنا من نضال عبود ومِلنا لخطة مهادنته ودخول مؤسساته وتقويضه من الداخل، أو السيطرة عليه. ولا تجده كشف عن معدن شجاعته وتنظيمه في اقتراح ندوة وتنظيمها بينما هم لم يعدوا العدة لتنفجر كما فعلت، فلم يزد الاتحاد ولا الاتجاه الإسلامي عن الالحاح عن عقد الندوة. فلم تكن لهم الخطة ب، أي خطة ما ينبغي للطلاب عمله لندوة معلوم أن الدولة تتربص بها كما فعلت في ندوة 10 أكتوبر الأخرى. فلم يزد أنور، حين هجمت الشرطة، أن طلب من الطلاب الثبات في مواقعهم. وحين اشتد نكير الشرطة طلب منهم أن يؤمنوا الطالبات الحضور في موضع حصين. ولا زيادة. وانصرف أنور مثلهم مثلنا من الطلاب الفصول العليا إلى داخلياتنا على شارع الجامعة بعيداً عن البركس. ولو لم ينهض جماعة من طلاب البركس لكانت ندوة أنور، التي جعلها معياراً في شجاعة الإسلاميين وخور ما عداهم. ندوة وانفضت: وكانت يا عرب. 

إذا كان لابد من نسبة الشجاعة إلى أحد في تلك الليلة فهي من نصيب تلك الجماعة التي "حررت" ندوة متروكة على قارعة الشرطة. وكان يخالجني دائماً أن عصب تلك الجماعة كانوا من الجبهة الديمقراطية. وخاضوا ما خاضوا فيه من تلقاء أنفسهم بغير توجيه من سكرتارية الجبهة الديمقراطية. كنت أعرف أن نفراً من رفاقنا استشهد في الواقعة أو جرح: أحمد القرشي، عبد الله محمد الحسن، الوديع السنوسي، محمد فائق. ولكن عددتهم ضمن الكثيرة حتى أنني لم أسأل رفيقي الحبيب المرحوم عبد الله محمد الحسن عن ظاهرة فدائية أولئك الرفاق. ثم تواترت مؤخراً شهادات تشير إلى أن جماعة ما من رفاقنا في الجبهة الديمقراطية في البركس تعاقدوا على حمل الندوة إلى نهايتها المنطقية وهي الصدام مع الشرطة. وهو ما لا يستطيع أنور نسبته للاتحاد أو للاتجاه الإسلامي. ولا حتى لنا في الجبهة الديمقراطية.
سأبدأ اليوم بعرض شهادة الأستاذ محمد مالك عثمان عضو مجلس اتحاد الطلاب عن الجبهة الاشتراكية والزميل المنشق عن الجبهة الديمقراطية مع المرحوم غازي سليمان. فكتب كلمة بعنوان "وسط لهيب الأربعاء" ضمن كتاب "خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية، 1964-2014" الذي حرره الدكتور حيدر إبراهيم وآخرون على ال صفحات333-34. وعرض في كلمته للشهيد بابكر حسن عبد الحفيظ، الذي نسبه للجبهة الديمقراطية، وكيف استعد ل"يوم لقا بديك أتوشح".
قال ود مالك: "وأنا لن أنسى مشهد الشهيد بابكر عبد الحفيظ حيث كنت أسكن في داخلية كسلا التي عقدت فيها (عندها الندوة) في الطابق الأرضي. غرفتي كان رقمها 8 وبابكر عبد الحفيظ كان يسكن في الغرفة رقم 7. ونحن في طريقنا لتناول وجبة العشاء قبل الندوة جاءني بابكر عبد الحفيظ وقال لي "يلا يا ريس" (لعضويته مجلس الاتحاد). وكنت قد التقيته بالنهار واتفقت معه في أن نتحرك ونجمع الطلاب لتجهيز الكراسي في النجيلة للندوة. وكأن بابكر يعلم أن هذا آخر يوم له في هذه الدنيا. وعندما نزلنا إلى قاعة الطعام وتناولنا العشاء قام هو بحمل الكراسي والترابيز وكان ينادي الطلاب. وأنا أقصد ذكر هذه التفاصيل لأنه إذا كان هناك شهيد أول فهو بابكر حسن عبد الحفيظ. وانا لا أود أن أظلم الشهيد أحمد القرشي، ولكن بابكر عبد الحفيظ كان له دور كبير في إثارة وتهييج الطلاب وحمل الترابيز والكراسي. وهو من قام بوضع وترتيب كل شيء تحت ظل شجرة اللبخ الكبيرة المجاورة للداخلية. كما أنه صعد إلى أعلى الشجرة وأحضر فرع شجرة كبير جداً في يده، وقال لي سأستخدم هذا كدرقة. وقد حمل أحد أغطية الأزيار في يده ومعه فرع الشجرة وقال لي: “الليلة الموت". وجلس بالقرب منا. وهو لم يكن من المتحدثين إنما جلس لحمايتهم. وبابكر عبد الحفيظ كان أقرب للجبهة الديمقراطية ولم يكن شيوعياً. وكان يدرس القانون في السنة الثانية، وكان في قمة الحماس الثوري مستشعراً القضية، ولعب دوراً أساسياً وأنا اذكر دائماً مواقفه هو الذي هيأ المكان المناسب لإدخال البنات إلى الغرفة العامة. ً
ونواصل عرض الشهادات عن فتية الجبهة لم يطر شاربهم و"انخرش" جسدهم كثيرا.


IbrahimA@missouri.edu

 

آراء