الاتحاديون والإعلام والمحنة الكبرى

 


 

 

كان محمد توفيق أحمد وزيرا للخارجية في النظام الديمقراطي قبل الإنقاذ، و كان في زيارة لتونس، و أتصل به المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي في مقر إقامته بتونس و طلب منه عدم الرجوع للخرطوم و الذهاب مباشرة للقاهرة. بهدف الانضمام لوفد الحزب بقيادة محمد عثمان الميرغني في زيارة رسمية لمصر، و الذي سوف يلتقي بالرئيس حسني مبارك. قال محمد توفيق وصلت القاهرة و من المطار ذهبت مباشرة لمقر الميرغني، و سألته عن الموضوعات المراد طرحها للرئيس مبارك الذي سوف نلتقي به صباح الغد، فقال لي بعد قليل. و بدأ يماطل حتى منتصف الليل، و ذهبت للفندق. و استيقظت مبكرا لكي أعرف الأجندة و كانت تقول إلي سكرتاريته الخاصة أن الميرغني لم يخرج من غرفته، المهم لتقينا في قصر القبة و قبل الدخول للرئيس سألت تكرارا لم أجد ردا قلت للميرغني لماذا طلبتم حضوري إذا كانت هذه الزيارة تخص الطريقة، و ليست الحزب. قبل أن يجاوب جاء الدكتور اسامة الباز و قال أن الرئيس منتظرنا، و دخلنا عليه و أنا وزير خارجية لا اعرف عن ماذا نريد أن نتحدث. و قال الميرغني بدأ الحديث عن " مسجد والده في حلة خوجلي" و أن نظام نميري صادر أموال المسجد و مواد البناء، و المسجد لم يكتمل بعد، و قال توفيق أن الميرغني كان يتحدث نصف ساعة عن المسجد دون كلل أو ملل، حتى أشار الدكتور الباز أن الزيارة انتهت. قال لقد خرجت مباشرة للفندق و في نفس اللحظة كتبت استقالتي و أرسلتها لرئيس الوزراء و قلت له أنني غير راجع الآن و اشرع في اختيار وزير للخارجية فورا. حتى لا يقال في يوم من الأيام أن محمد توفيق قد لطخ سمعة الحزب بخدمته لقضايا انصرافية لا تخدم الوطن و المواطن.
سألت محمد توفيق؛ هل أخطرت الحزب بالاستقالة قال أخطر من؟ عن أي حزب أنت تتحدث؟ سألته مرة أخرى هل الإعلام و الصحافة اتصلت بك لكي تعرف سبب الاستقالة، قال لا فقط أدريس حسن و طلبت منه عدم النشر للأسباب شخصية. أوردت هذه القضية، أن السياسة في السودان تتعرض لاختبارات عديدة و كنت اتمنى أن يقف الشعب السوداني علي قضايا كانت غيرت اتجهاته العامة، منها أيضا استقالت محمد الحسن عبد الله يسن عن مجلس السيادة و هي شبيهة بقصة محمد توفيق، و أيضا مامون سنادة عليهم الرحمة جميعا.
قبل يومين أوردت الصحف خبر لوكيل أول وزارة الثقافة والإعلام الرشيد سعيد قال في الخبر " أن الحكومة قررت مخاطبة دولتي تركيا و تونس بشأن وجود حسابات بمواقع التواصل الاجتماعي تدار من أراضيها و تعمل علي تفكيك النسيج الاجتماعي في السودان. و أضاف أن الحكومة ستتخذ خطوات قانونية بشأن الشركات التي تنشر هذا المحتوى الذي يثير الكراهية" انتظرت كثيرا لكي أجد هناك أي ردة فعل من وزير الإعلام تجاه تصريحات وكيل الوزارة لا رد فعل. أيضا من وزارة الخارجية لا رد فعل، من مجلس الوزراء لا رد فعل. كيف كل هؤلاء تغيب عليهم أسس و مقومات الخدمة المدنية، كيف هؤلاء يقنعوا الشعب أنهم مؤهلين لتأسيس فترة انتقالية لعملية التحول الديمقراطي، و لا يستطيعون محاسبة وكيل لا يعرف قواعد الخدمة المدنية. و هنا تصبح المشكلة عندما تستبدل ولاء بولاء. فالذي تم تعيينه بليل في وزارة لم يعمل فيها يوما واحدا هل يستطيع أن يعرف أحكام الخدمة و ضوابطها. أن وكيل وزارة وظيفة يجب أن لا تخضع للتعين السياسي، هي أعلي وظيفة في سلم الخدمة المدنية يصلها الشخص بعد عشرات السنين من الخدمة في الوزارة، يعرف فيها كل صغيرة و كبيرة و يعرف فيها حتى مقدرات العاملين جميعهم. التعين السياسي في هذه الوظيفة بدعة ابتدعتها الإنقاذ.
أولا – لا يحق لوكيل وزارة الإعلام أن يتحدث في أي قضية لها علاقة بسياسة الدولة مع الدول الأخرى، و لا يتعرض لإتهامها حتى إذا كان متأكد 100% ،هناك مؤسسات هي التي توجه الاتهام للدول الأخرى بعد ما توافق السلطة التنفيذية الممثلة في مجلس الوزراء علي ذلك، و إعلانها يأتي من الخارجية أو من وزير الإعلام مباشرة باعتباره المتحدث بأسم الحكومة. و ليست هذه مهمة الوكيل. إذا كان ثبت ذلك للوكيل يرفعها للوزير الذي بدوره يقدمها لاجتماع مجلس الوزراء. فالوزير وحده المخول له الحديث في القضايا المتعلقة بالشأن السياسي لآن تعينه هو تعين سياسي. و بعض الوكلاء يحاولون أن يؤدوا مهام الوزير إذا كان ضعيفا و لا يستطيع أن يملأ وظيفته بالشكل المطلوب.
ثانيا – أن وكيل وزارة يعني قمة الخدمة المدنية التي يجب أن تكون في حياد كامل لا تتدخل في العمل السياسي الداخلي أو الخارجي، و الدخول في العمل السياسي لموظف الخدمة المدنية هو خروج علي قوانين الخدمة المدنية.
ثالثا – لماذا لا يحصر وكيل الوزارة اهتماماته في قضايا الوزارة و تطوير أدائها و تدريب العاملين وزيادة كفاءتهم، و أداء الأجهزة الإعلامية في أن تلعب الدور الوطني الذي يجب أن تلعبه خاصة في ظل التحول الديمقراطي. و يدرك أنه في ظل نظام ديمقراطي يعطي مساحات للمدراء أن يديروا مؤسساتهم. و أن لايدس وريقات تمنع أسماء من الظهور علي شاشات التلفزيون وأو مكرفونات الإذاعات التي ىتتبع للحكومة، أي أن لا يمارس نفس ممارسات جهاز الأمن السابق.
القضية الأخرى أن التجمع الاتحادي لم يجد غير حمزه بلول يكون وزيرا للإعلام، و اعتقد أن الشباب الاتحادي الذين قادوا النضال في ثورة ديسمبر و برزوا خطباء منابر، كان يكون أدائهم أفضل من هذا الوزير. أو تقديم اسماء بابكر فيصل لشغل حقيبة الوزارة أو عز العرب حمد النيل أو جعفر حسن عثمان بدلا من شخص يعجز أن يقول جملتين مفيدتين في المنبر، و إذا لم يجدوا شبابا بينهم. كان الأفضل أن يتمسك الاتحاديون بفيصل محمد صالح و يقدموا درسا في الوطنية و يؤثرون علي انفسهم للقوى السياسية الأخرى. بدلا من أن يقدموا وزيرا يصبح محسوبا عليهم سلبيا، في اعتقاد أن قدرات كل عضوية التجمع الاتحادي مثل هذا الوزير.
من أخطر السلبيات في أداء الوزير أو مدير المؤسسة أن يخضع لثقافة الشللية و التحزب و غيرها، أن هناك عناصر تعلم أن قدراتها متواضعة جدا، و هؤلاء لا تجدهم في أماكن العمل و الإبداع في العمل الإعلامي، بل دائما ملتفين حول المسؤول و يجلبون الفطور و الحلويات، و ينقلون له اخبار المؤسسة و العاملين فيها، كل هذا عملهم و هؤلاء دائما مصدر الفشل في المؤسسة و الوزارة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء