الاستثمار الخاطئ لأمريكا

 


 

خالد أحمد
3 February, 2019

 


من المدهش حقيقة رغم ما لدي الولايات المتحدة من أجهزة وقنوات تستقي منها الأخبار ومحللين ان لا تدرك ما يدور في السودان، فهي لازالت تحاول الاستثمار في النظام القائم بمحاولة تطويعه بل وتسعى لجعل صلاح قوش رجلها في السودان، فرغم كل ما تملكه لا تدرك ان قوش والبشير مجرد بيادق في دولة على عثمان السرطانية العميقة والقائمة على الانتهازية والمصلحة دون وجود لقيم أو أعراف أو دين يحكمها، فهذه الدولة استحلت الإبادة والقتل والإرهاب وترويع الأبرياء واقتحام المنازل حتى أصبح كل فرد في أي مكان غير امن على نفسه منها. وكشف استمرار الثورة وسيكشف أكثر رداء الدين الذي كانت تستتر به ليظهر جوهرها القبيح، ففي داخلها لا يوجد سوى الوجه الحقيقي لدولة قائمة على مصلحة أفراد محددين تحميها كل أجهزة الدولة وتسعى إلى المحافظة على ذلك متخطية كل قوانين ونواميس الكون الوضعية والدينية، فهذه الدولة سوف تذهب إلى مذبلة التاريخ بكل ما بها وبكل من معها، فعلى أمريكا ان كان بها محللين سياسيين حقيقيين ان تدرك الوضع الحقيقي على الأرض قبل ان تراهن على الحصان الخاسر فلن يفيدها صلاح قوش كثيرا.

ثورة الوعي:
هي ثورة شباب يملكون من الوعي بخلاف ما يظنه الكثيرين، لم يمتلكوا فلسفة ولم ينحازوا إلى ايدولوجيا ولكنهم أدركوا بديهيات الحياة، فقد أدركوا معنى الدولة الحقيقي التي ينتمي إليها الجميع وليست دولة الفئة الخاصة أو الطائفة، واخذوا من الأديان جوهرها وهو رفض الظلم والسعي إلى العدل والتكافل والتراحم، تجاوزوا نظرية المؤامرة التي تعشش في رؤوس الشيوخ ولذلك لم يتسالوا عن ما هو التجمع المهني فذلك ليس جوهر السؤال ولكن إلى ماذا ينادي ذلك التجمع كان هو تساؤلهم، وعندما وجدوا انه يتفق معهم في كل أهدافهم لم يترددوا لحظة واحدة واندفعوا مع التجمع لبناء الدولة التي يتخيلونها في أذهانهم. وهي ثورة وعي شاملة لا تستثني أحدا واضحة الأهداف وهو السعي من اجل إقامة دولة العدل والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، الإنسان السوداني أساسها والأرض السودانية موقعها، تسعى إلى استيعاب كل أبناء السودان بعيدا عن الطوائف والايدولوجيا الاقصائية، ورغم انها ثورة شبابية خالصة ولكن سيظل الباب مفتوحا دائما لكل المفكرين والقيادات والمهن غير الممثلة في التجمع المهني مثل الرياضيين أو الفنانين أو المنتمين إلى القنوات الإذاعية والتلفزيونية أو المسرحيين للمساعدة في بناء الوطن الذي يحلم به الجميع.

مسار التجمع المهني والمسار السياسي:
لا يحتاج شباب التجمع إلى تنبيه فكلنا ذقنا الأمرين من تخاذل القيادات السياسية التقليدية، والتي تعيش داخل حقل زمني بعيد عن الواقع، ولذلك فهذا من باب التذكير فقط بان يبقي المسار السياسي بعيد عن مسار التجمع المهني وان يلتقوا فقط عند اكتمال الثورة بإزالة هذه السلطة السرطانية، فإذا كان الجميع يشهد لحزب الأمة شبابا وجزء كبير من قياداته بإخلاصه للثورة والسعي إلى وطن خالي من سرطان على عثمان والبشير ومن شايعهم وبناء دولة العدل والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لكن كذلك لا يتفق الجميع حول الصادق المهدي، فهو ليس على قلب واحد مع الثورة، ومواقفه التاريخية خصم على الثورة وعلى إزالة النظام، فإذا صدق هذه المرة في منازلة النظام فسندعه يسعى في سعيه فإذا توصل إلى كل ما نريده فمرحب بذلك، وإلا فليستمر التجمع في خطه دون التقيد به، فيكفي حسرتنا التي ندرك ان قيادات التجمع تدركها تماما في سبتمبر وعلى الشباب الذين فقدناهم دون ان نستطيع ان نكمل المشوار.

سودان ما بعد الايدولوجيات:
لقد أضاعت النخب السياسية والفكرية السابقة الكثير من الدماء والزمن على السودان في راع ايدولوجي دون ان يدركوا بديهيات الدولة ومعناها التي أدركها الشباب بمجرد تفتح وعيهم، وهي قيم بسيطة تتمثل في أولوية الإنسان السوداني وضرورة العدل ورفض الظلم وكرامة الإنسان السوداني فوق كل شيء. فكل صراع سياسي يجب ان تكون له أرضية ينطلق منها تمثل الأساس لكل المشتغلين بالسياسة، هذا بالنسبة للدول التي توجد بها سياسة حقيقية اما الصراع السياسي في السودان ينطلق من كل أنحاء العالم مستوردين القيم والأفكار والسودان والإنسان السودان مجرد مسرح فقط لكل من يريد ان يطبق القيم والمفاهيم المستوردة، وكل من يستلم السلطة يريد ان يوظف السودان شعبا وموارد لمصلحته الذاتية أولا ولمصلحة انتماءه الفكري اما الإنسان السودان فلا بواكي له.
فعلى الجميع إدراك ان الثورة تسعى إلى تمليك السودان للسودانيين حتى يكون وطنهم وليس وطن الايدولوجيا أو القيم والأفكار المستوردة، وطن أساسه الإنسان السوداني والقيم والأعراف السودانية، وطن تكون فيه الحياة للسودانيين حق وليس منة من احد، وهي أيضا ليست ثورة إقصاء فقد انتهى عهد الإقصاء مع عصر الايدولوجيا، ليساعد كل من مكانه وكل بإمكاناته لبناء وطن شامخ شموخ أهله، فقد أضاع الإقصاء وذهبت الايدولوجيا بالكثير من العقول والسواعد ولا نريد ان نفقد المزيد، فحتى الذي يقف ضد الثورة الآن نتمنى غدا ان يكون معها لان الثورة مهمومة بكل سوداني باعتباره سوداني فقط بعيدا عن التصنيفات الأخرى. وستأتي لاحقا مرحلة الصراع الفكري الحقيقي وليس صراع امتلاك الحقيقة المطلقة أو الفلسفة الكاملة.

kh_ahmmed@hotmail.com
//////////////////

 

آراء