الامتحان الذي يواجه القوى المدنية

 


 

 

القوى السياسية المدنية تمر بأصعب الاختبارات وتواجه اقسى الامتحانات، وتخوض غمار معركة تاريخية فاصلة، إما أن تكون فيها وتفي بما عهد به إليها الشعب، وإما أن تفشل وتسلم رقاب الناس للعسكر وترهن مصير البلاد للمرة الرابعة لأقلية من بعض ضباط الجيش المغامرين والقادة العسكريين المحبطين المتواجدين بالوحدات العسكرية، ليفعلوا بالوطن ما يشاؤون، ولن يجدي هذه القوى المدنية الانقسام الى نسخة او نسختين او ثلاث، فالمواطن لا ينتظر مخرجات صراعات قحت (الكيزانية)، وهي متسافهة تحت الظلال الوارفة لقاعة الصداقة مع غريمتها الرباعية القابعة تحت بهو مكيفات قاعات وصالات القصور، إنّه (المواطن) الفاقد للبنت والولد بالمواكب الشعبية الثائرة يوم التقاء الجمعين، فهذه الثورة الديسمبرية مختلفة كماً ونوعاً وحجماً ووعياً عن سابقاتها، لقد وثّق لها التشكيليون والفنانون والموسيقيون والكتّاب الصحفيون وغرسوها بذرةً طيبةً في النفوس، ونسخوها نصاً مكتوباً على صفحات المنصات الرقمية العالمية، هذا الامتياز لم تحظ به اكتوبر العظمى ولا ابريل الكبرى، لكن امتازت به ابريل الثانية الأخرى، فرصدت كاميرات القنوات العالمية كل شيء، حتّى قمع الثوار الآمنين النائمين داخل خيامهم والمستبشرين خيراً بصباح يوم عيد ثوري مجيد.
أولى الهزائم التي منيت بها القوى المدنية جاءت من تلك الطعنات النجلاء التي سددتها سهام الجماعة المختبئة وراء ستار المسجد الضرار المتواري خجلاً خلف دهاليز قاعة الصداقة، إلى صدر رصيفتها الممثلة للحاضن المدني المحتوي للسلطة التنفيذية الانتقالية، ومهما كانت الأسباب والمبررات التنافسية بين الحاضنتين إلّا أن السقف الاخلاقي يجب أن يكون حاضراً بين المدني المتطرف والمدني الانتهازي، وإلّا سيجد العسكر ضالتهم في ازكاء توهج نار الحقد الدفين بين المكوّنات والفعاليات السياسية، وما الانقاذ التي اكلت الأخضر واليابس إلّا نتاج لنفس هذا الصراع المدني - المدني الخاسر دوماً وأبداً، هذا القتال العبثي القاسي الذي تكون محصلته النهائية الاحتكام الى محكمة العسكر، وتنتهي مهزلته بكسر (الجبيرة) التي اوشكت على الاستشفاء والاستبراء من الداء اللعين، وبكل حزن وأسى يعيد قطار الدكتاتورية مسيرته ابتداءًا من المحطة الأولى، وبذلك نكون قد فرضنا جبراً وقسراً على أجيال بريئة معاصرة مخازينا واعطابنا واعطالنا ومآسينا، لتستمر مسيرة الفشل الذي حتماً سيولد الفشل، وترجع الرحلة والتجارة الشتائية والصيفية لزيد وأبيه للخسارة والخسران المبين.
فالتاريخ لن يرحم قحت الأولى في ذلك التقصير الذي حاق بها جراء عدم استخدامها للسيف البتّار خير الاستخدام و جميل (الاستغلال) في بتر شأفة السرطان المقيم، بمحاولاتها الصبيانية في الاهمال والاستهتار والضحك والاستسهال لخطورة ذلك السيف البتّار الذي اذا ما وقع في ايدي الآخرين سيفعل الأفاعيل ، وقد كان، فقد رأينا بأم أعيننا وسمعنا بآذننا التي لم يهجم عليها النمل ولم ينتهك بيتها العنكبوت، فمثُل أمام مؤسسات الانتقال من يجاهر بدعوة الفلول للمشاركة في عرس الثورة، والتماهي مع المسيرة الظافرة للثوار الذين وهبوا المهجة رخيصة لتعبيد طريق الحرية والسلام والعدالة، فتفطّرت قلوب أمهات الشهداء وهن يتلقين كل صباح تصريح لأحد الذين تسنم الكرسي وغرس ارجله على جثث فلذات اكبادهن، متبجحاً بتعظيم القتلة وتمجيد المجرمين، بل والأكثر من ذلك دعوتهم لحضور عرس شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، هكذا جاء نتاج عصارة فكر مفكري قحت الأولى بأن سعوا لحتفهم بظلفهم باسقاط السيف البتّار و(المقص الحلّاق) من يدهم، وتركه لقمة سائغة للجار الغربي ليلتقطه فرحاً مسروراً ليحلق به تلك الرؤوس المشعسة المغبرة، التي صعبت عليه اعواماً وسنين عددا.
اخطاء ومثالب النخبة السودانية على مر السنوات التي اعقبت خروج البريطانيين، ظلت تعيد السيناريو تلو السيناريو على الرغم من أن العالم قد مرّت تحت جسوره تحولات نووية وانسانية ولا انسانية كبرى، ادت لوصول الصين الشعبية الشيوعية التي كانت ذليلة مقهورة إبان الحرب الباردة الدائرة بين السوفيت والأمريكان، إلى موقع المنافس الأوحد لليانكي الأمريكي وللغربيين اجمعين، هكذا يكون المجد الوطني المسنود بالإرادة الوطنية الحقّة لا المشاعر الرومانسية والعاطفية العابرة، والمدنيون بكل اطيافهم، الكفاحيين المسلحين والمسالمين عليهم الوقوف صفاً واحداً، وأن يكونوا سداً منيعاً أمام تيار عودة العسكر للاستحواذ على القرار السياسي، إن لم يفلعوا ولن يفعلوا فليهنأ الجميع بالمثول والرضوخ والتمدد روحاً وجسداً تحت وطأة الحذاء العسكري، ومن اراد أن يعلم بمآلات قبول او عدم قبول العسكر داخل الكيانات المدنية فليسأل عبد الخالق محجوب وليستخبر حسن الترابي، فعند الرجلين الخبر اليقين.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
8 اكتوبر 2021

 

آراء