الانفصال بات رسمياً: الشمال والجنوب.. تحديات في الطـريق …تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 


أكدت مفوضية استفتاء جنوب السودان قانونياً، ما كان مؤكداً واقعياً، باعلانها نتيجة الاستفتاء نسبة تصويت اكثر من «99%» لصالح الانفصال، فبعد أن كان تكهنات يحملها اثير الفضاء وتتداولها مجالس المدينة، غدا اليوم واقعاً معاشاً معلناً معه ميلاد الدولة رقم «54» في الاتحاد الافريقي، والتي تحمل كذلك الرقم «193» في الامم المتحدة.. انفصال سيحمل في طياته للدولة الجديدة كثيرا من التحديات والتعقيدات، بقدر ما يلقي على الدولة الأم التي انفصلت منها الدولة الوليدة مقدار ذات التحديات والتعقيدات التي ستواجهها في لملمة بقية اطرافها التي تبدو متناثرة بفعل الانفصال احياناً، وبفعل مشكلاتها الخاصة احياناً اخرى.
ووسط حشود جماهيرية انتظرت ساعة إعلان النتائج بجوبا، اعلنت مفوضية الاستفتاء في اول اعلان رسمي للنتائج، أن التصويت لصالح الانفصال بلغ «99.57%»، ولم يشمل العدد من صوتوا في شمال السودان والدول الخارجية، وأعلن تشان ريك مادوت نائب رئيس المفوضية في مؤتمر صحفي في جوبا، أن التصويت لصالح الانفصال بلغ «99.57%»، مشيرا الى أن العدد الكلي للناخبين بجنوب السودان بلغ ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف شخص، وبلغت نسبة التصويت 99%. وأظهرت النتائج أن خمسا من عشر ولايات جنوبية بلغت نسبة التصويت فيها 99.9% لصالح الانفصال، وكانت أقل نسبة تصويت للانفصال بولاية غرب بحر الغزال الحدودية مع الشمال وهي 95.5%. وستعقب إعلان النتائج فترة أسبوع لتقديم الطعون، على أن تعلن النتائج النهائية في الخرطوم في الأسبوع الأول من فبراير المقبل، إلا إذا كانت هناك طعون، فحينها ستعلن يوم 14 منه. ودعا سلفا كير لدى مخاطبته احتفالا حاشدا بمدينة جوبا بمناسبة اعلان النتائج الاولية للاستفتاء، للتعاون ومراعاة علاقات حسن الجوار مع دول الجوار بصفة عامة ودولة السودان في الشمال بصفة خاصة، وقال ان نتيجة الاستفتاء التي تجاوزت الـ 99% تجد منه القبول والتقدير، مشيرا الى ان الطعون لا تقلل هذه النسبة كثيرا بصورة تجعلها تقل عن نسبة الـ«60%» المطلوبة لاعتماد النتيجة، واشار الى ان عدم العدالة دفع بالجنوبيين للتصويت لصالح الانفصال بهذه النسبة العالية، واضاف «ان الوحدة كان يمكن تحقيقها لولا عدم التكافؤ في فرص الثروة والسلطة»، وقال ان اجتماع الرئاسة الاخير اكد ان نهاية فترة تنفيذ اتفاق السلام الشامل هو العاشر من يوليو المقبل وليس الرابع عشر من فبراير المقبل، واوضح ان الشمال والجنوب يحتاجان للتعاون مع بعضهما البعض خلال المرحلة المقبلة، وابان ان علم السودان سيظل يرفرف في الجنوب حتي التاسع من يوليو القادم، حيث يتم تسليمه بعد ذلك الى مندوب الحكومة في الشمال، او يسلم للرئيس البشير شخصيا فى حال حضوره الى جوبا، ليشهد الاحتفالات هناك.
وبحسب اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لعام 2005م فإن اعلان نتائج الاستفتاء مرتبط بترتيبات دستورية وقانونية وادارية واقتصادية. ودستوريا بعد اعلان النتائح سيكون هناك الاعتراف بالدولة الجديدة بعد التاسع من يوليو القادم، والنتيجة تقتضي أسساً محددة للاعتراف بالكيان الجديد، وان اول اعتراف بالدولة الجديدة يجب ان يكون من الدولة الأم وهي الحكومة السودانية، وهذا شرط مطلوب لتوالي الاعتراف الاقليمي والدولي بالدولة الجديدة، وقد أعلن رئيس الجمهورية عمر البشير اكثر من مرة انه سيعترف بنتيجة الاستفتاء، وانه مستعد للتعاون معها حتى يتمكن الجنوب من بناء دولته. وبعد الاعتراف بالدولة الجديدة في الجنوب تأتي معالجة المسائل المرتبطة بوجود الجنوبيين في الشمال من الدستوريين والذين يشغلون وظائف الخدمة المدنية والقوات المشتركة ونواب البرلمان، والتي ستنتهي واحدة تلو الاخرى، اولها يبدأ بانتهاء أجل نواب البرلمان من الجنوبيين. وتوقع مراقبون ألا تتأثر نتائج الاستفتاء المعلنة بالطعون القانونية التي يمكن أن تعرقل المحصلة النهائية لنتيجة الاستفتاء، ومشيرين الى ان مولد الدولة الجديدة يمضي بخطوات حثيثة نحو التشكل، وانها تستعد للانطلاق رسمياً في ممارسة مهامها، ومن المتوقع أن تعترف الدولة الام بنتائج الاستفتاء وبالدولة الجديدة، باعتبر ذلك شرطا لحصد دولة الجنوب الاعتراف الاقليمي والدولي، وكل الدلائل تشير الى ان الدولة الجديدة ستحظى كذلك بنسبة اعتراف واسعة قد يقارب حصيلة نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال منذ البداية.
ويصف مراقبون انفصال الجنوب بـ «تسونامي السودان» مشيرين الى انه سيخلق تحديات وتعقيدات كبيرة في الشمال والجنوب، وستترتب عليه تحولات سياسية ودستورية، مشيرين الى ان الجنوب سيواجه بثلاثة تحديات رئيسية تتمثل في: تحدي بناء الدولة الجديدة من وضع هياكلها ودستورها وخدمتها المدنية وعلاقاتها الخارجية، والتحدي الثاني هو التحدي الأمني المتمثل في المليشيات المسلحة المنتشرة في الجنوب، بالإضافة الى الصراعات القبلية المستشرية في الجنوب، والتحدي الثالث هو التحدي السياسي الذي يتمثل في توحيد القوى والاحزاب السياسية الجنوبية في الاتفاق على بناء الدولة الجديدة، وقد قطعت حكومة الجنوب شوطاً كبيراً في ذلك من خلال مؤتمر الاحزاب الجنوبية الذي عقد أخيراً بجوبا، والذي اتفق فيه على تكوين حكومة قومية برئاسة سلفا كير لإدارة الجنوب الى حين وضع دستور دائم للجنوب وإجراء انتخابات. وكان الدكتور مطرف صديق وزير الدولة بوزارة الشئون الانسانية قد قال الاسبوع الماضي في ندوة «مستقبل العملية السلمية في السودان» إن هناك تحديات كثيرة تواجه الشمال والجنوب حال الانفصال، أجملها في ترسيم الحدود وقضية أبيي، وتكوين الجيش الشعبي الذي يحتوي على عناصر من الشمال من منطقتي «جبال النوبة والنيل الازرق» مشيرا الى ان التحدي الاكبر يتمثل في العقلية التي تتحكم في الامور شمالا وجنوبا، واضاف «اذا اراد الجنوب ان يكون دولة مستقرة لا بد ان يحدد خياراته الاستراتيجية»، مشيرا الى ان الجنوب مواجه بتحديات كثيرة لبناء الدولة، تحديات سياسية واقتصادية وفلسفية وامنية واستيعاب الآخرين، تحديات لا بد من النظر لها بعقلانية، وقال ان اخطر ما يواجه السودان هو تحدي اتفاق القادة السودانيين على كلمة سواء لمستقبله، وقال «اذا ارادوا تكوين كيان مستقر لا بد من تحديد الخيارات الاستراتيجية، هل يريدون جنوبا هادئا ام يلجأون الى إلقاء اللوم على شمال السودان بمثل ما حدث في الست سنوات الماضية»، واضاف «نريد ان نتجاوز نموذج الانفصال العدائي، ولا بد من علاقة استراتيجية بين الشمال والجنوب والاستفادة من العلاقات الحتمية والاقتصاد المتبادل والجوار الامن، فهذه حتميات لا يمكن ان تنفصل حتى اذا ارادت لها السياسة ذلك»، مشيرا الى ان الرباط موجود بين الشمال والجنوب منذ القدم، لذا لا بد من حتمية التعايش، وقال «سيظل بعض الجنوبيين بالشمال وكذلك بعض الشماليين بالجنوب، وستظل العلاقة بين الشمال والجنوب اقوى من اية دولة اخرى، لذا من الافضل ان تكون العلائق مستقرة وقائمة على اسس».
ولم تقتصر تحديات انفصال الجنوب على الجنوب لوحده، فإن الدولة الوليدة لن تكون بعيدة كذلك عن تلك التحديات، فإن كان الجنوب سيواجه بشكل عاجل بثلاثة تحديات فإن شمال السودان سيواجه بخمسة تحديات رئيسية، تتمثل في أولا: معالجة الوضع الدستوري الذي خلفته اتفاقية نيفاشا، خاصة كيفية الاتفاق على وضع دستور دائم للبلاد بحسب ما نص عليه الدستور الانتقالي لسنة 2005م، ثانياً: الوضع الاقتصادي حيث يواجه شمال السودان ازمة اقتصادية جراء فقدان البلاد لايرادات النفط التي كانت تغذي الموازنة العامة، الأمر الذي بدأت تداعياته تترى من خلال الزيادات الاخيرة التي شهدتها السلع. ثالثاً: التحدي السياسي المتمثل في الوضع القائم للحكم في البلاد بموجب اتفاقية نيفاشا، فالحكومة تصر علي انها لن تجري انتخابات مبكرة، وان مؤسساتها القائمة بموجب انتخابات ابريل الماضي ستستمر الي نهاية آجالها، في وقت ترى فيه المعارضة أن المؤتمر الوطني بمجرد اعلان انفصال الجنوب يكون قد فقد شرعيته، كما دعت لاسقاطه عبر انتفاضة شعبية، وطالبته بتكوين حكومة قومية والاعداد لمؤتمر دستوري لتحديد الوضع الدستوري للسودان بعد الانفصال، وهي المطالب التي رفضها المؤتمر الوطني بل وسخر منها، رابعاً: سيواجه شمال السودان بتحدي نشوء ما يسمى بالجنوب الجديد بتعقيداته وتداعياته المرتبطه بالجنوب المنفصل، فهناك قضايا المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق ومآلاتها، وكذلك تحدي معالجة قضية دارفور المتفاقمة منذ ثماني سنوات، خامساً: تحدي العلاقات الخارجية خاصة العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، بالاضافة الي تحدي المحكمة الجنائية الدولية التي اصبح محورها دول الاتحاد الاوربي وخاصة فرنسا. ومن ناحيته حدد دكتور الطيب زين العابدين استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم والكاتب الصحافي، متطلبات المرحلة الراهنة في تحقيق الإجماع الوطني على مستقبل نظام الحكم في شمال السودان الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة حقيقية ترضي أقاليم السودان المختلفة وأحزابه وطوائفه، وتحقيق وحدة الجبهة الداخلية أمام تحديات ومخاطر المرحلة القادمة التي قد تؤدي إلى المزيد من تفتيت أطراف الوطن، والاهتمام برفاهية الشعب الذي عانى كثيراً الفقر والبطالة وضائقة المعيشة وتدهور الخدمات الاجتماعية رغم عائدات البترول الضخمة منذ بداية الألفية الثالثة، ودعا زين العابدين لحوار وطني واسع حول أجندة المرحلة بتشكيل البرنامج التنفيذي الوطني الذي ينبغي أن يلتزم به المتحاورون ويسعون إلى تنفيذه، وقال «ينبغي أن تقوم على تنفيذه حكومة انتقالية ذات قاعدة عريضة تتكون من الأحزاب ذات الوزن الجماهيري والرؤية السياسية والقيادة النشطة الفاعلة، وأضاف «هذا يعني أن يتخلى المؤتمر الوطني عن لعبته المفضلة وهي تجميع أحزاب خفيفة الوزن لا تستطيع أن تقول رأياً لا يرضى عنه المؤتمر الوطني» مشيرا الى ان المرحلة القادمة أكثر خطورة على البلاد من أن تتحمل التكتيكات الحزبية قصيرة المدى من أجل مصلحة عاجلة.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء