الباطل المطلق بشفاه غير نقية .. الحاج وراق وسقطات كبرى أخرى

 


 

 

 

جميعنا يعلم أن ألاعيب السياسة تحتمل الإستثمار في الخلافات بين الدول فيسعد المعارض لأي نظام بالخلافات بينه وبين أي دولة أخرى ، خاصة إذا كانت ذات تأثير يُطمع في توظيفه في الصراع مع النظام ، ذلك من المعلوم في السياسة بالضرورة ، ومما لا يسلم منه معارض مهما كانت خلفيته الأيديولوجية ، ولكن الحاجة إلى هذا النوع من الإستثمار تتناسب طردياً مع حدة التوجهات الأيديولوجية لدى الأحزاب خاصةً تلك التي تحيد عن المتوسط الأيديولوجي العام السائد في المجتمع والتي لا يثق أصحابها في قدرتها على الفوز في أي منافسة انتخابية ، وتتناسب عكسياً مع الحجم الحقيقي لتلك الأحزاب . ولعل هذان التناسبان الطردي والعكسي يشتغلان معاً في حالة الحاج وراق , فهو صاحب توجه أيديولوجي فاقع يزيد من حاجته إلى هذا النوع من الإستثمار ، وهو ينتمي إلى تيار صغير ،وإن ادعى غير ذلك فنوع تصرفاته يكشف أنه يستبطن اعترافاً بصغره وقلة حيلته وحاجته الملحة والمزمنة إلى نصير خارجي ، وصغر التيار الذي ينتمي إليه يجعل التناسب العكسي يشتغل هو أيضاً ويزيد الحاجة إلى الإستثمار في التدخلات ، وهذا هو ما أوصل استثماره في الأزمة الأخيرة بين السودان ومصر إلى الحد الأقصى الذي جعل حتى بعض مؤيدي خطه السياسي يبادرون إلى نفي أن يكون قد قال ولكن حين أتى الدليل بالصورة والصوت لم يعلقوا ولو بكلمة ، إذ لم يترك الحاج وراق مجالاً لمدافع يستطيع أن يعيد تفسير كلماته ويدخلها تحت سقف الإستثمار المشروع !

في الحقيقة كانت محاولة وراق الإستثمارية غاية في الركاكة والإبتذال ، وأي دراسة جدوى مسبقة كانت ستكشف أنها لن تحقق أرباحاً بل ستذهب بكل رأس المال ، رغم أنه قد حاول بكل السبل ألا يكتفي بالإستثمار في الأزمة الحالية بسقفها المنخفض الذي عبر صراحة عن أنه لا يرضي طموحاته ، بل سعى إلى نقل الأزمة إلى مستوى جديد يضع البلدين ( أو لنقل النظامين )في تحدي وجود لو صدق أصدقاؤه المصريون ما قدمه من (معلومات) خطيرة . والمأزق الذي أوقع وراق نفسه فيه يتمثل في أن استثماره هذا لكي ينجح ويحقق مقاصده سيحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد حديث لمعارض في ندوة عن معلومات يملكها عن خطة غزو كبرى متكاملة ضد مصر سيتم تنفيذها خلال عامين ، إذ لن تستند الحكومة المصرية على كلام مرسل وأدلة متهافتة مثل التي ذكرها في الندوة ، بل سيحتاج الأمر إلى أن يتم استدعاء وراق لكي يملك الجهات الرسمية المصرية ما لديه من معلومات خطيرة ، لا أدري فربما لا يشكل ذلك لدى وراق أي مأزق ، لكنه على أية حال هو الطريق الوحيد والإجباري الذي يجب أن تمر عبره محاولته الإستثمارية لكي تنجح و تنتج حرباً شاملة بين البلدين ، وحتى في هذه الحالة لا يخلو الأمر من مخاطر استثمارية كبيرة ، فقد ينتهي الأمر بأن يفشل في إقناع الحكومة المصرية ب(معلوماته) فيكون قد باع آخر ما لديه دون مقابل سوى بعض الفتات ، ويكون قد عرى نفسه في سبيل هدف لم يتحقق .

كلنا يعلم أن التلاسن المصري السوداني الأخير بدأه الإعلاميون المصريون ، والشرارة كانت زيارة الشيخة موزا، و لم تصرح هي ولم يصرح أي سوداني بكلمة تمس مصر من بعيد أو قريب . ومع ذلك فالزيارة تكاملت فيها ظروف ردود الفعل المصرية التي تابعناها ، فالإعلام المصري يكن عداءً شديداً للشيخة موزا ، ويشن عليها الحملات ويصل فيها إلى مستوى لا تفلح كلمة الإنحطاط والدناءة في توصيفه ، فهو أحط من ذلك بكثير وموقع يوتيوب يشهد ، يكفي أن تبحث في موقع يوتيوب لتجد رواية مصرية من إعلامي شهير عن أن الشيخة موزا التي تعيش في قطر الآن ليست هي الشيخة موزا لأن المخابرات الإسرائيلية قد استبدلتها بأخرى تشبهها وأرسلت الشبيهة إلى قطر ولم يكتشف ذلك زوجها ولا أبناؤها ولا أحدٌ من الأقربين !! ولتجد في مرات أخرى شيخة موزا أصلية أخرى لا تحتاج معها المخابرات الإسرائيلية إلى استبدالها !! ولتجد في مرة ثالثة ما لا يتخيل أبداً أي عاقل أنه يمكن أن يُقال على شاشة تلفزيون . والحقيقة أن بعض ما يُقال علناً على شاشات التلفزة المصرية لا يصلح عندنا في السودان أن يُذكر ولو في نجوى خاصة . فليس غريباً في. معايير الإعلام المصري أن يُستضاف (خبيرٌ) يحمل لقب لواء دكتور فيتحدث علناً عن أن العناية بالآثار السودانية مؤامرة على مصر ! وليس غريباً أن تجد خبيراً إقتصادياً يتحدث بمنتهى الوضوح على شاشة التلفزيون عن أن التوسع الحالي في الإستثمار الزراعي يمثل خطراً كبيراً على مصر لأنه سيلتهم الفائض من نصيب السودان في مياه النيل الذي تستفيد منه مصر ، وأن (السودانيين عندهم أمطار فلو عايزين يزرعوا فليزرعوا بالأمطار بعيد عن " ميِّتنا =مويتنا" ، وأن على الحكومة المصرية أن تضغط على دول الخليج حتى توقف استثماراتها الزراعية في السودان !!

إذن كان المناخ نموذجياً حسب المعايير المصرية ليبتدر إعلام مصر هجمة مكثفة بدأها عزمي مجاهد بحديثه عن إهرامات (مثلثات الجبنة) ، و تبارى بعده نجوم التوك شو في النيل من حضارة السودان وشعبه ، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مواقع التواصل الإجتماعي . وانطلق سيل من الشتائم لم توفر حاكماً ولا محكوماً و لا ماضيا ولا حاضراً . هذه هي الحقيقة التي تابعها الجميع ولكن عند الحاج وراق كان هناك شكل آخر للحقيقة ، فمصر مستهدفة ومظلومة ، والردود السودانية الشعبية ليست أمراً عفوياً بل أمر مخطط له من قبل جهاز الأمن في إطار خطة (إمبراطورية) سودانية كانت قد كمنت لفترة ، ولكنها عادت الآن ..و (معلوماتهم) تفيد بأن السودان يخطط لهجوم واسع على مصر خلال عامين ، وأكبر دليل ساقه كان حادثة الإنفجار في شقة أركويت ، وحقيقة كانت حالته يُرثى لها وهو يقرأ الخبر ويؤكد أن التفاصيل التي يسردها نشرها الإعلام الحكومي ، وكل تفصيلة منها تبطل حجته ، فبإعترافه لم تتم إحاطة الحادثة بسياج من السرية ، ولم يجد الهارب من موقع التفجير تعاوناً فاضطر إلى مغادرة المستشفى دون علاج لأن المستشفى طلبت منه أن يراجع الشرطة أولاً ، والجهات المختصة ذكرت الأسماء والجنسيات ، هذا فضلاً عن أن القصة برمتها إن كانت جزءاً من تآمر وخطة غزو كبرى كما يقول فإن الخطط الكبرى للغزو لا تتم بهذه السذاجة والبدائية ، لا من حيث فكرة القنابل بدائية الصنع في شقة سكنية في عمارة مليئة بالسكان ، ولا من حيث التناول الإعلامي الرسمي الشفاف الذي يستند عليه وراق ، ولا من حيث بهدلة الهارب من موقع الحادث . ولنتخيل ركاكة وتهافت الإستدلال لدى الحاج وراق يمكن لنا أن نتخيل حدوث واقعة مشابهة في مصر يكون من ضمن المتهمين فيها سودانيين ، فهل سيقبل الحاج وراق بأن يشكل ذلك دليلاً على أي نوع من التآمر الممصري على السودان ؟! ناهيك من أن ينهض دليلاً على خطة غزو مصرية كبرى للسودان .

الحاج وراق الحريص على مشاعر جمهور الندوة من أعضاء الحزب الإشتراكي المصري فيعيد تعريف كلمة الله التي وردت في بشارة قال إنها وردت في الكتاب المقدس : ( كوش ستمضي إلى الله بشفاه نقية ) ويقول ( بالنسبة للعلمانيين وغير المؤمنين .. يعني ليس بالضرورة الله الوهابي القاعد فوق .. يعني المطلق .. سنمضي إلى العدالة المطلقة والخير المطلق .. بالصدق والإعتراف وقول الحقائق كما هي ) ، هذا الحاج وراق الحساس الذي يخشى أن يجرح مشاعر الرفاق ينسى أن العلمانيين وغير المؤمنين من النوع الذي أحوجه إلى إعادة التعريف هذه لن تمثل لهم هذه ( البشارة) أي شئ ، فالكتاب المقدس نفسه ليس معترفاً به ولا ببشاراته ولا بالله (الوهابي القاعد فوق) الذي أنزله ، تعالى الله وتنزه عن هذا التوصيف وعن هذه الجرأة عليه حرصاً على مشاعر الرفاق . والحاج وراق هذا لم يبدـ أي قدر من الحرص على احترام مشاعر وعقول السودانيين حين يقول حرفياً ( الحملة دي الحملة منذ من الجهة المصرية يتولاها رعاع دهماء فئات منحطة رثة عنصرية وكده في كل شعب في فئات رثة منحطة حقيقة من مصر اتولاها رعاع منحطين ساكت في السودان يتولاها جهاز الأمن جهاااز الأمن كتيبة الجهاد الإلكتروني مش أي جهة أخرى عشان برضو نكون الصورة واضحة لينا مش انو عشان كده لا بد (نحن ) يكون عندنا موقف مش بالبساطة بتاعة انو نحن والله دايرين نهدئ فقط دايرين نهدئ لكن لازم نعرف انو الظالم والمظلوم مين المخطئ واللي على حق مين ثم مهم جدا هذه الحملة المسمومة يتولاها جهاز الأمن السودان ) وكل سوداني يعلم أن الحملة بدأها الإعلام المصري ، ولن يصدق أحد الحاج وراق إلا إذا كان يقصد بهذه النعوت الإعلاميين المصريين الدين يتسيدون الشاشات في مصر ، ويستحيل طبعاً أن يكون هذا ما يقصده ، لأن مقاصده لم يواربها بين السطور بل وضعها فوقها .. فهو يريد أن يقول أنه ليس هناك مصرياً يؤبٓه له قد أساء إلى السودان ، والعكس حدث من الجانب السوداني ، وأن مصز يجب ألا تقبل بدعوات التهدئة فالتآمر ضدها كبير ولذلك يجب أن يكون رد فعلها كبيراً وبحجم الرد على خطة غزو كبرى !


salaby2013@yahoo.com

 

آراء