البرهان يشارك في جنازة الملكة إليزابيث، ومحللون: الموقف الدولي من الانقلاب لم يتغير

 


 

 

الخرطوم ـ «القدس العربي»: يشارك القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مراسم تشييع الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية، يوم الإثنين، وسط رفض واسع من الجالية السودانية في المملكة المتحدة، ووسط تأكيد محللين سياسيين أن موقف المجتمع الدولي لم يتغير من الانقلاب.



وتوجه البرهان، ظهيرة الأحد إلى العاصمة البريطانية لندن، يرافقه وزير الخارجية المكلف علي الصادق، حسب المجلس السيادي السوداني، و«سيقدم عزاء السودان ومواساته، حكومة وشعبا، في رحيل الملكة، للأسرة الملكية والشعب البريطاني».

ووفق المجلس «مشاركة السودان في المراسم الرسمية لجنازة الملكة، جاء وفاء وتقديرا لمواقف الملكة الراحلة تجاه السودان ودعمها اللامحدود لقضاياه» مشيرا إلى «زيارتها للبلاد في العام 1965 والترحيب الشعبي الواسع الذي وجدته في ذلك الوقت».

وأضاف: «يأتي حضور السودان في هذه المناسبة الحزينة، استشعارا للروابط القوية التي تربط السودان بالمملكة المتحدة، حيث يرتبط البلدان بعلاقات وثيقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ».

وقد «بادل السودانيون الملكة خلال زيارتها للبلاد قبل 57 عاما، مشاعر الود والتقدير والاحترام، وبرز ذلك من خلال مظاهر الاحتفاء وحفاوة الاستقبال والترحيب الرسمي والشعبي». وأشار إلى أن «ذاكرة السودانيين استدعت أرشيف زيارتها من جديد، وذلك تفاعلا مع خبر رحيلها، وتداولوا فيما بينهم وعلى نطاق واسع صور ومقاطع فيديو للزيارة التاريخية التي تجولت خلالها الملكة الراحلة في مدن ومناطق عديدة في السودان، معبرين عن عميق حزنهم لرحيلها».

 

رفض للزيارة

 

وتواجه زيارة البرهان للمملكة المتحدة رفضا من قبل الناشطين الحقوقيين والجالية السودانية هناك، التي نددت بالزيارة، متهمة البرهان بتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد وارتكاب انتهاكات واسعة ضد المعارضة، وقد رصدت «القدس العربي» منشورات بهذا الشأن، نشرت على صفحات ناشطين سودانيين في بريطانيا، وسط أنباء عن استعدادات لتنظيم وقفات احتجاجية. وتنخرط المملكة المتحدة، ضمن فريق وساطة دولي – الوساطة الرباعية – لحل الأزمة الراهنة في البلاد، منذ انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. والخميس، اجتمع فريق هذه الوساطة، بالبرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» في إطار دفع العسكريين لتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية.

ولاحقا، في اليوم ذاته، انعقد اجتماع ثان بين البرهان وحميدتي، ناقش موقف العسكر من الدعوات الداخلية والخارجية للعسكر بتنفيذ وعودهم بالخروج من السلطة. وأكد البرهان وقتها في تصريح مقتضب لوكالة السودان للأنباء، «التزام المؤسسة العسكرية بالتعاون مع كافة الأطراف لإكمال الفترة الانتقالية» مشيرا إلى «تطلعه لتوافق القوى السياسية على تشكيل حكومة بقيادة مدنية لتكمل المرحلة الانتقالية وصولا للانتخابات». أما نائبه «حميدتي» فقال إن الاجتماع الذي انعقد الخميس، «أقر بشكلٍ قاطع بأن يتولى المدنيون اختيار رئيسي مجلس سيادة ووزراء مدنيين» مؤكدا التزامه «بشكل صارم « بتعهداته السابقة بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، والانصراف تماما لمهامها المنصوص عليها في الدستور والقانون.

 

بعد مطالبته بريطانيا بالاعتذار عن قتل 18 ألف جندي في معركة كرري

 

وطالب البرهان، الأسبوع قبل الماضي، المملكة المتحدة بالاعتذار للشعب السوداني عن قتل 18 ألف جندي في معركة كرري عام 1898، واصفا إياها بالجريمة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وقال، خلال مخاطبته، الاحتفال بذكرى المعركة الشهيرة، إن هناك جهات تقوم بتهيئة المناخ في البلاد لـ«الغزاة» ليقوموا بتكرار ما حدث قبل أكثر من قرن، عبر تهديد وحدة الجيش والتشكيك في قيادته، فضلا عن تأجيج النزاعات القبلية في السودان. وينتظر أن يتوجه البرهان، الثلاثاء، إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت أكدت تقارير محلية أن خطابه في الجمعية العامة سيكون الخميس.

 

موقف دولي واضح

 

وفي وقت يطالب فيه ناشطون حقوقيون، المجتمع الدولي، بمواقف أكثر حزما تجاه قادة الانقلاب في السودان، قلل الخبير الدبلوماسي، الرشيد أبو شامة، من قيمة زيارتي البرهان إلى بريطانيا وأمريكا، مشيرا إلى أن «موقف المجتمع الدولي واضح تجاه انقلاب البرهان ورفضه منذ اليوم الأول، بينما يواصل الضغط على العسكر لتسليم السلطة للمدنيين». وأشار إلى أن «مشاركة البرهان في مراسم جنازة الملكة الراحلة إليزابيث، تتعلق بإجراءات المراسم طبيعية، خاصة في ظل عدم وجود رئيس وزراء في البلاد، مشيرا إلى أن السودان «كان مستعمرة بريطانية، ومن الطبيعي، مشاركته في مراسم التشييع». ولفت إلى أن «الأمر لا علاقة له بتغيير الموقف الدولي من الانقلاب» مشيرا إلى أن «البرهان قد تنتظره احتجاجات من المعارضين في الدولتين، والذين عبروا عن رفضهم الزيارة».

وحسب أبو شامة، «يواجه البرهان عزلة من قادة الدول الأخرى خلال مشاركته في مراسم التشييع وكذلك جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي قد يقلل من أماله في قبول المجتمع الدولي لوجوده على رأس السلطة في السودان». وتابع أن «إعلان البرهان، الخروج من العملية السياسية، إذا كان صادقا، يجب أن يعني بالضرورة، أن زياراته الخارجية ليست لدفع المجتمع الدولي لقبول الانقلاب، إنما مجرد مشاركة مراسمية».

وتوافقه الرأي، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، التي لفتت في حديثها لـ«القدس العربي» أن «مشاركة البرهان في المحفلين، تأتي لجهة أنه على رأس الدولة في الوقت الراهن» مشيرا إلى أن ذلك «لا يتنافى مع الرفض الدولي للانقلاب». وأشارت إلى «وجود العديد من الأنظمة التي قد يكون المجتمع غير راض عنها، لكن بالضرورة لا يمنعها من المشاركة في المحافل الدولية» مشيرة إلى أن» البرهان قد يحضر، ولكن الأمر، لن يكون له تأثير كبير على المجتمع الدولي».

ولفتت إلى أن «البرهان قد يلقي كلمة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ولكنها في الغالب ستمر على مسامع الحاضرين دون اكتراث» معتبرة «المشاركة عادية وليست ذات أهمية في مجريات الوضع الراهن في البلاد». وأشارت إلى أن مشاركته كذلك في مراسم جنازة الملكة إجراء بروتوكولي، يأتي لجهة أن السودان كان مستعمرة بريطانية، وبطبيعة الحال تربطها بمستعمراتها علاقات تاريخية وطيدة.

وقالت إن بريطانيا كانت أول دولة تعترف باستقلال السودان، الذي تم إعلانه في مطلع العام 1956، وبالتالي دبلوماسيا علاقاتها بالسودان هي الأكثر قدما وتقدما. ولفتت إلى أن الخارجية البريطانية، «أوضحت أن مشاركة ملوك ورؤساء الدول والحكومات في مراسم الجنازة الملكية ستكون ضمن التزام الحضور ببروتوكول وزارة الخارجية البريطانية، وأن زيارتهم تأتي في إطار تشييع الملكة، مؤكدة «عدم وجود أي إمكانية لعقد لقاءات رسمية بين قادة الدول على هامش التشييع وإنما في إطار واجب العزاء».

وعلى الرغم من أن الضغوط الدولية غير كافية على قادة الانقلاب، حسب تماضر، إلا أنه ظل يطالب العسكر بضرورة نقل السلطة للمدنيين.

 

إيقاف مساعدات

 

وأوقف المجتمع الدولي جملة من المساعدات والمنح للسودان تقدر بنحو 4.5 مليار دولار، بعد انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، تضمنت مساعدات لتخفيف آثار تطبيق سياسات رفع الدعم على المواطنين. وفي ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية المتفاقمة، تشهد البلاد انسدادا سياسيا لأكثر من عشرة أشهر، بينما فشل العسكر في تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة، وملء الفراغ الدستوري في البلاد.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في البلاد والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وسط دعوات للإضراب العام والعصيان المدني. وراح ضحية قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات الرافضة للانقلاب 117 قتيلا معظمهم بالرصاص وفق إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية بينما تجاوز عدد مصابي الاحتجاجات 6000 حسب منظمة «حاضرين» الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.

 

آراء