التحكم الأسري والإثني في الخدمة المدنية السودانية

التحكم الأسري والإثني في الخدمة المدنية السودانية (1956–2025): دراسة في بنية الفساد السياسي وبقاء الدولة العائلية
عمرو عباس
هذا البحث القصير (الذي اعتمدت فيه على الشات جئ بي تي جزئيا)كان الدافع له هو بوست في الفيسبوكمقالات عن التحكم الأسري في بنك السودان والتي تسيطر عليه حوالي العشرين أسرة متداخلة مع بعضها من اسر وإخوان وأبناء عمومة وغيرها وهي بقايا سيطرة نظام الإنقاذ البائد. كما اذكر ان مصلحة الصرف الصحي في ابو ظبي كان شايقياً وكان معروفاً بتعيين الشوايقة حتى ان احد ابناء الجنوب عندما ساله عن اصله فال له انه شايقي. هذا التراث جزء من الموروث السوداني الذي رتبه الاستعمار في الخدمة المدنية وفي البوليس والجيش وغيرها. ويعتبر احد كوابح النهضة السودانية ويحتاج لدراسات متعمقة ولمعالجة حكيمة ورصينة حسب قواعد حسن ادارة التنوع.

  1. المقدمة والمنهجية

تعتبر الخدمة المدنية العمود الفقري لأي دولة حديثة، لأنها تشكل الجهاز الإداري الذي ينفذ السياسات العامة ويضمن استمرارية الدولة. في السودان، ارتبطت الخدمة المدنية منذ الاستقلال بالهيمنة النيلية والإثنية كإمتداد للإرث الاستعماري والتي شملت ممثلي الإدارات الاهلية في الغرب والشرق ، الأمر الذي أسفر عن ضعف مؤسسي طويل الأمد. اعتمدت الدراسة على منهج التحليل التاريخي البنيوي، مع مراجعة المراجع الأكاديمية، والتقارير الحكومية، والمصادر الصحفية، والمذكرات السياسية المعروفة، لتقديم صورة شاملة عن التمكين الأسري والإثني عبر الزمن.

  1. الإرث الاستعماري وبذور السيطرة النيلية (1956–1958)

ورث السودان عند الاستقلال جهازًا إداريًا محدود التعليم، تركز بشكل رئيسي في أيدي الشمال النيلي مع تمثيل قليل من الإدارات الاهلية في دارفور وكردفان والشرق والجنوب. هذا الإرث الاستعماري شكّل أساسًا لنمط السيطرة على المناصب العليا. كانت معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية تحت سيطرة نخبة متعلمة من الخرطوم ومدني، بينما استبعد الجنوب، الغرب، والشرق من المناصب الإدارية العليا إلا نادرا (أعطي الجنوب ٤ وظائف من ٨٠٠ وظيفة عند السودنة. يشير عبد الله علي إبراهيم في كتابه الدولة السودانية: المأزق التاريخي إلى أن وزارة المالية كانت تحت سيطرة خريجي كلية الخرطوم، معظمهم من الشمال الأوسط، مما خلق فجوة مركزية بين العاصمة والأقاليم.

  1. الدولة الطائفية بعد الاستقلال (1956–1969)

مع فشل التجربة الديمقراطية المبكرة وظهور الانقلابات العسكرية، عادت السيطرة على الخدمة المدنية إلى أسر وأحزاب محددة. فأثناء حكم الفريق عبود (1958–1964)، اعتمدت الدولة على ضباط وشخصيات بيروقراطية من الشمال النيلي، مستبعدة الجنوب تمامًا. وخلال الديمقراطية الثانية (1964–1969)، أعادت الأحزاب الكبرى مثل الأمة والاتحادي النفوذ الأسري والطائفي، حيث تم تعيين وكلاء وزارات ومديرين من أسر الأنصار والختمية، بما في ذلك السيطرة على مؤسسات الإعلام والمالية. تشير مذكرات نميري إلى أن الإذاعة السودانية ودوائر التعليم في الخرطوم كانت تحت تأثير الولاءات الحزبية الأسرية.

  1. مرحلة مايو: البيروقراطية العسكرية وشبكات الولاء (1969–1985)

مع انقلاب مايو 1969، اعتمد نظام نميري على الضباط الأحرار والنخب المدنية الموالية له، مستبدلاً جزءًا من النخبة القديمة. ظهرت ولاءات عائلية وإقليمية داخل الوزارات الحيوية، خاصة في الأمن، المالية، والإعلام. بعد المصالحة الوطنية عام 1977، أعاد نميري بعض الأسر التقليدية إلى المناصب الإدارية، لكنها كانت ضمن شبكة ولاء محددة. الدراسات الأكاديمية مثل دراسة محمد إبراهيم نقد عن الإدارة السودانية توضح أن بعض أسر الشايقية والجعليين هيمنت على الوزارات الأساسية خلال السبعينات. قصص

  1. عهد الإنقاذ: التمكين الأيديولوجي والفساد الأسري (1989–2019)

شكلت الحركة الإسلامية نموذجًا متقدمًا للسيطرة على الخدمة المدنية عبر سياسات التمكين من إقصاء العاملين غير المنتمين سياسياً للحركة (أقالت الإنقاذ حوالي ٣٢ الف من العاملين في اول سنتين من اطراف اليسار واخرون من الخدمة المدنية والشرطة والجيش) وتعيين الموالين للأسر الإسلامية في كل الوزارات والشركات العامة والجامعات بحيث تحولت المؤسسات إلى شبكات ولاء حزبي–عائلي، مما أدى إلى ضعف الأداء المهني. أمثلة موثقة: وزارة الخارجية، بنك السودان، وشركات النفط والغاز كانت تحت سيطرة نخب مرتبطة بالحركة الإسلامية والجامعات الحكومية شهدت إعادة تشكيل إداري وفق الولاءات السياسية.

  1. ما بعد الثورة: تفكيك التمكين وصعود الجهوية الجديدة (2019–2023)

حاولت الحكومة الانتقالية تفكيك شبكات التمكين، لكنها واجهت تحديات من نحو مقاومة داخل الجهاز الإداري من كوادر الحركة الإسلامية السابقة. وعبر تعيينات جديدة وفق الولاءات الجهوية والإثنية، خصوصًا في مناطق دارفور والشرق والنيل الأزرق. مثال موثق: تقارير البنك الدولي ومتابعات الصحف السودانية تشير إلى أن بعض الوزارات والفروع الإقليمية شهدت إعادة توظيف محدودة لأبناء الولايات المهمشة، لكنها لم تزل تحت ضغط الولاءات القديمة.

  1. الحرب الراهنة (2023–2025): تفكك الخدمة المدنية وقيام الإدارات الموازية

مع اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، شهد السودان تفككًا شبه كامل للجهاز الإداري المركزي فالجيش يعتمد على إداريين من الوسط والشمال والدعم السريع يؤسس إدارات موازية تضم كوادر من دارفور وكردفان فنشأت حالة إدارة مزدوجة، مما يعكس استمرار تحديات بناء جهاز إداري مستقل ومهني. الملاحظة التحليلية: على الرغم من استمرار بعض مؤسسات الدولة، فإن الولاءات الإثنية والجهوية أصبحت العامل الأبرز في السيطرة على الموارد والمناصب، وهو امتداد طبيعي لنمط السيطرة الأسرية الطويل الأمد.

  1. التحليل البنيوي للفساد الأسري والإثني

يمكن تلخيص أنماط السيطرة على الخدمة المدنية في السودان وفق محاور أساسية: الإرث الاستعماري: المركزية النيلية، والاحتكار التعليمي للشمال. المحسوبية الحزبية والطائفية: التحكم في الوزارات الحيوية من قبل أحزاب وأسر محددة بعد الاستقلال وحتى الستينات. الولاء العسكري والسياسي: استبدال النخب القديمة بنخب موالية خلال الأنظمة العسكرية. التمكين الأيديولوجي: فترة الحركة الإسلامية التي عمقت شبكات الولاء العائلي والسياسي والجهوية والإثنية الحديثة: بعد الثورة والحرب، أصبح التوزيع الإثني والمناطقي هو أساس السيطرة الإدارية. هذا النمط البنيوي أضعف الأداء الإداري، فشل في استيعاب التنوع الوطني، وأدى إلى أزمة متكررة في الدولة السودانية بين المركز والأقاليم.

  1. الخاتمة

تشير الدراسة إلى أن السيطرة الأسرية والإثنية على الخدمة المدنية في السودان ليست ظاهرة عابرة، بل جزء من بنية الدولة السودانية منذ الاستقلال. التحدي المستقبلي يكمن في بناء جهاز إداري مهني مستقل، قادر على العمل وفق الكفاءة وليس الولاء، وهو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة في السودان.

المراجع

  1. عبد الله علي إبراهيم، الدولة السودانية: المأزق التاريخي، الخرطوم: دار المعارف، 2010.
  2. محمد إبراهيم نقد، الإدارة العامة في السودان: تاريخ وأزمات، الخرطوم: مطبعة جامعة الخرطوم، 2008.
  3. مذكرات جعفر نميري، ذكريات فترة مايو والانقلابات السودانية، الخرطوم: دار الشروق، 1999.
  4. البنك الدولي، تقرير السودان: الإدارة العامة والحوكمة 2019، واشنطن: البنك الدولي، 2019.
  5. الصحف السودانية: التيار، السوداني، أخبار اليوم، تقارير 2019–2025.
  6. أمانة الأمم المتحدة، تقارير النزاع في السودان: الخدمة المدنية والإدارة العامة، نيويورك: الأمم المتحدة، 2024.

عن د. عمرو محمد عباس محجوب

د. عمرو محمد عباس محجوب

شاهد أيضاً

بين حربين: الشرق الأوسط وحرب السودان (٢-٢)

د.عمرو محمد عباس محجوب يمكن المقارنة بين النزاع في الشرق الأوسط (الذي يشمل الحرب الإسرائيلية-الأمريكية …